أثارت التصريحات المتكررة للرئيس الأميركي دونالد ترامب حول انسحاب قواته مع سوريا، وتقرير صحيفة «وول ستريت جورنال» بأن واشنطن تسعى لتشكيل قوة عسكرية عربية لتحل محل القوات الأميركية في سورية، تساؤلات حول إمكانية تحقيق هذا المقترح وجدواه في حالة تنفيذه.
واتفق السياسيون على أن المقترح يعد مخاطرة كبيرة، وصعب تنفيذه للغاية في ظل عدد من التحديات التي تواجه المنطقة العربية كاملة.
نقاشات ومقترح ليس بجديد
وفي رد سريع حول حقيقة تقرير «وول ستريت جورنال»، أجاب وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، على سؤال حول تقرير الصحيفة الأميركية- والتي تشير كل التوقعات بأن تكون المملكة أول دول مدعوة لهذا المقترح، بقوله «نجري نقاشا مع الولايات المتحدة بشأن إرسال قوات إلى سورية، ونفعل هذا منذ بداية الأزمة السورية».
وأضاف أن «هناك نقاشات في ما يتعلق بنوعية القوات التي يجب أن تكون متواجدة في شرق سورية».
وكانت بداية الحديث عن قوة عربية مشتركة خلال عام 2015، وتبناها البيان الختامي للقمة العربية السادسة والعشرين التي اختتمت أعمالها في مدينة شرم الشيخ وذكر أن القادة العرب أقروا تشكيل قوة عربية عسكرية مشتركة «لمواجهة التحديات وصيانة الأمن القومي العربي».
كما كشفت الصحيفة عن طلب إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إرسال مصر لقواتها إلى سوريا.
وقالت الصحيفة الأمريكية إن جون بولتون، مستشار الأمن القومي في إدارة الرئيس دونالد ترامب، تواصل مع رئيس المخابرات المصرية عباس كامل، لاستطلاع مدى استعداد القاهرة للمشاركة في مبادرة لتشكيل قوة عربية مشتركة تعوض الانسحاب المحتمل للقوات الأمريكية من سوريا.
عوائق التنفيذ ومخاطرها
ولكن الحديث عن تدخل فعلي في سوريا، أمام انسحاب القوات الأميركية يواجهه عدد من التحديات والعوائق التي تعرقل تنفيذه، خاصة فيي ظل تعقيد الموقف السوري الداخلي، ودخول عدد من القوى العالمية أبرزها روسيا وإيران، وأميركا والتي لا يتضح ما إذا كانت ستبقي عدد ا من قواتها تساند الجيوش العربية وتدربها أم لا، إضافة إلى بريطانيا وفرنسا واللذان ظهرتا في المشهد مؤخرا مع الضربة الثلاثية الأخيرة.
واستبعد المحلل السياسي العراقي، فراس الزوبعي، أن تنسحب الولايات المتحدة الأميركية من سوريا، على عكس ما تصدره من بيانات إعلامية، وتصريحات متكررة.
وقال الزوبعي في تصريح لـ «رصد»، إن «الولايات المتحدة جاءت الى المنطقة لتبقى لا لتنسحب وتحل محلها جيوش اخرى لا سيما وان لها مصالح كبيرة في المنطقة وروسيا متواجدة فعليا بقواعد في سوريا وهناك تنافس كبير بين الطرفين وتنازع على المنطقة خصوصا وان مصالح الطرفين تتعلق بالطاقة وطريق مرورها».
الجيوش العربية تفتقر لقدر كبير من الإمكانيات، سواء المعدات أو الإمكانية البشريية، حتى في ظل الصفقات الكبيرة التي تعقدها الدول مع أميركا وفرنسا وروسيا لتوريد الأسلحة والصواريخ.
وفي هذا الإطار، أوضح الزوبعي أنه «من الناحية العملية الامر غير ممكن لعدم وجود جيوش عربية بإمكانها اداء هذا الدور».
1-ضعف الإمكانيات
ولفت إلى أن الإمكانات العربية أمام القوات المنتشرة في سوريا غير متوافقة تماما، فالنظام السوري مدعوم من قوتين عسكريتين تفوقان الجيوش العربية، وهي القوات الروسية والقوات الإيرانية، إضافة إلى أن القوات المشتركة في اليمن أثبتت فشلها أمام قوة واحدة «إيرانية»، فماذا لو أصبحت مضاعفة؟.
وتحدت إيران أمس فرقة واحدة من الفرق العربية المحتمل تشكيلها وهي السعودية، وقال مستشار القائد العام للجيش الايراني، العميد رضا خرم طوسي، أن السعودية لن تصمد أمام قدرات إيران العسكرية 48 ساعة حال نشوب مواجهة مسلحة بين الجانبين، مضيفا «أوجه كلامي لحكام السعودية بشكل مباشر وأؤكد لكم، لا تطلقوا تصريحات لا تتناسب مع حجمكم وقدراتكم العسكرية».
وتابع العميد الإيراني: «إن السعودية لن تصمد أمام قدراتنا العسكرية أكثر من 48 ساعة، ولذا يجب عليهم أن لا يطرحوا مثل هذه المسائل».
2-اقتتال داخل سوريا
الدول المؤثرة على الملف السوري، ستكون طرفا حتميا في أي صراع تدخلة القوة العربية، فتركيا تشن عمليات عسكرية في الشمال السوري من أجل تأمين حدودها، وذلك بمحاربة الأكرد والتي تعتبر تنظيم «بي بي كا» تنظيما إرهابيا، فإذا حلت الدول العربية محل القوات الأميركية ستكون داعمة لذلك الطرف، وبذلك ستكون في مواجهة مع أنقرة.
وكان الباحث العماني زكريا المحرمي حذر، من مواجهة عربية تركية في سوريا، في حال استبدال القوات الأمريكية الموجودة هناك بأخرى عربية.
وقال المحرمي على حسابه في موقع «تويتر»: «دخول القوات العربية كبديل للقوات الأمريكية يعني تموضعها في خندق الأكراد الذين تعتبرهم تركيا إرهابيين؛ قد نكون على شفا مواجهة عربية تركية!».
دخول القوات العربية كبديل للقوات الأمريكية يعني تموضعها في خندق الأكراد الذين تعتبرهم تركيا إرهابيين؛ قد نكون على شفا مواجهة عربية تركية!! pic.twitter.com/qxBxkKhgAJ
— زكريا المحرمي (@almuharrmi) April 18, 2018
3-فرقة بين الأطراف
تشير تصريحات ترامب إلى أن الجيوش المدعوة للمشاركة، ستكون السعودية والإمارات وقطر ومصر وغيرها، فقال الرئيس الأميركي «تستطيع زيادة المشاركة من أصدقائنا، بما في ذلك المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر ومصر وغيرها من الدول أن تضمن ألا تستفيد إيران من القضاء على داعش».
وتابع بالقول: «لا تسعى الولايات المتحدة إلى التواجد في سوريا بشكل غير محدد تحت أي ظرف. ومع قيام الدول الأخرى بزيادة مساهماتها، نتطلع قدماً إلى اليوم الذي نستطيع فيه إعادة محاربينا إلى بلادهم».
الدول المدعوة للمشاركة تواجه تحديان، أولهما الخلافات بينهم، وأبرزها الأزمة الخليجية، التي من الصعب معها، تواجد قوات قطرية وسعودية وإماراتية في جانب واحد، وسبق وأن طلب التحالف العربي من قطر الانسحاب في بداية الأزمة من مشاركتها في حرب اليمن.
التحدي الثاني هو اختلاف توجهات تلك الدول من الأزمة السورية، فمصر داعمة لبشار الأسد، وقطر ترفض وجوده، وإعلنت قيادة القوات الجوية المركزية الأمريكية مشاركة قاعدة العديد القطرية في توجيه الضربة العسكرية على نظام الأسد، التي نفذها التحالف الثلاثي بين واشنطن وباريس ولندن، رداً على استخدامه غازات سامة في هجوم دوما الأخير.
وهنا اعتبر خبراء أن القوة المشتركة وإن تمت بالفعل ستكون هشة وضعيفة.
4-تحديات داخلية لبلدان الأطراف العربية
كافة البلدان العربية تواجه أزمات داخلية في بلدانها، كان التجربة طيلة السنوات الماضية تؤكد فشلها في السيطرة على الأمور داخل حدود دولتها، فمصر تواجه تحركات في سيناء لتنظيم الدولة، تحمل الجيش المصري خسائر فادحة في كل عملية، من الأرواح والعتاد، وحتى مع إطلاق عملية «سيناء 2018»، والتي انطلقت في فبرير الماضي، لم تنهي الاضطراب الموجود في بقعة واحدة داخل حدودها وهي شمال سيناء.
كما أن دولة مثل السعودية، تواجه خطر حدودي من ناحية اليمن وتواجد إيراني هناك، بعد مرور 3 سنوات لم تستطع تأمين حدودها ولازالت الصواريخ الحوثية تمطر سماء المملكة، إضافة إلى أن العراق لم يستطع تحقيق أي خطوة في محاربة تنظيم الدولة إلا بمساعدة التحالف الغربي، وسط تأكيدات من خبراء بأن التنظيم لازال موجودا ويمكنه إعادة صفوفه.