كشفت تقييمات وتحليلات عن الانتخابات المصرية الأخيرة ضعف نظام عبدالفتاح السيسي، الذي لم يسمح بدوره لأيّ مرشح معارض أن يترشح في السباق الرئاسي. وقبلها بأسابيع، أعاد تشكيل ترتيبات أمنية؛ فأقال قيادات عسكرية وغيّر آخرين، ثم اتّبعت حكومته نظام الجزرة والعصا لحشد الناخبين إلى صناديق الاقتراع. وبالرغم من ذلك؛ جاءت المشاركة أقل مما كانت عليه في انتخابات 2014.
وبجانب أنّ العوامل السابقة كشفت ضعف النظام السياسي، فإنها أيضًا كانت علامة فارقة في مسعاه لتوطيد سلطته، ووفّرت له الفرصة لإعلانه أنه لن يتسامح مع أيّ شكل للمعارضة داخل الدولة العميقة، وأعطى جهاز المخابرات لشريكه المقرّب «عباس كامل».
كما أثبتت أحداث الأيام الأخيرة أنّ الدولة العميقة ما زال يمكنها التأثير على الناخبين وحشدهم، وهي التي نظّمت ما يشبه حملة المقاطعة. وبالرغم من أنّ الانتخابات كانت بعيدة كل البعد عن النزاهة والمصداقية، وأحرجت مصر دوليًا؛ فإنّها كانت متّسقة تمامًا ومصادقة لنظام السيسي ومعبرة عنه.
هذا ما يراه الباحث في مبادرة الشرق الأوسط بجامعة هارفارد «روبرت سبرينجبوري»، في مقاله بصحيفة «العربي الجديد» وترجمته «شبكة رصد». مضيفًا أنّ المبادرات السياسية الفعلية المطروحة بعد الانتخابات وأُعدّ لها من قبلها تكشف أنّ السيسي في طريقه ليحكم مدى الحياة؛ في ظل المساعي الدائرة حاليًا لإزالة الحد المسموح به للرئاسة وإنشاء حزب واحد تحت قيادة السيسي، على غرار «الحزب الوطني» المنحل.
وكل هذه الترتيبات والتغيّرات المحتملة القادمة على الدستور، مع تمديد يد السيسي على الأجهزة والمؤسسات كافة بمساعدة جهاز المخابرات؛ على سبيل المثال استخدم نظام السيسي شركة «فالكون» للأمن للسيطرة على حرم الجامعات والمواقع الحساسة سياسيًا، وكذلك الشروع في تأسيس شركة جديدة للعلاقات العامة، تسيطر بدورها على وسائل الإعلام المتبقية ذات التأثير الخاص أو حتى المملوكة للدولة، وهي «الهيئة الوطنية للإعلام».
وفي غضون أيام من إعلان نتيجة الانتخابات، أعلن النظام «خطته الإصلاحية لإدارة قنوات التلفزيون والإذاعة المملوكة للحكومة»؛ ما يكشف احتمالية سيطرة قيادات عسكرية على هذه الأجهزة بدلًا من أشخاص مدنيين.
وتركّز القنوات المملوكة للدولة أو الواقعة تحت سيطرتها حاليًا على تمجيد السيسي، والتشديد على دوره في مكافحة الإرهاب واستمرار الانتعاش الاقتصادي للبلاد؛ زاعمة أنّ أعداد جثث «الإرهابيين» في ازدياد مطرد، وأنّ المؤشرات على تحسّن الأوضاع الاقتصادية جيدة؛ بدءًا من الاحتياطات النقدية الأجنبية المتوفرة لدى مصر، وحتى انخفاض معدلات التضخم والبطالة؛ زاعمة أنّ حكم السيسي و«التضحيات التي بذلها في سبيل البلد» هي السبب الأساسي وراء المردود الاقتصادي الجيد.
وعلى مستوى السياسة الخارجية، صوّر السيسي نفسه على أنه أكثر قوة وحسمًا؛ خاصة في مجال «مكافحة التطرف»، وأصبحت العلاقات بين مصر والسعودية أكثر قوة من أيّ وقت مضى، وأبرم مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان اتفاقيات؛ أبرزها مشروع «نيوم» الذي سيضم عشرة مليارات دولار للاستثمار في مصر.
وما ساعد السيسي على ذلك وجود خليفة حفتر، قائد الجيش الليبي وأحد أبرز مؤيديه والمتسق مع أفكاره وخططه، إلى جانب ضعف الحكومة الإثيوبية التي تهدد مصر بسد النهضة، الذي بدوره سيهدد حصة مصر من مياه النيل، الشحيحة بالفعل.
كما أصبحت مصر ثالث أكبر مشترٍ للأسلحة في العالم من الأسواق الدولية، طبقًا لآخر إحصائية؛ ما يكشف التبذير الاقتصادي الذي غرقت فيه القاهرة، وتزعم الحكومة أنه دليل على التأييد العالمي لمصر.
في النهاية، الثناء والتمجيد اللذان لاقاهما السيسي بعد فوزه في الانتخابات من أطراف داخلية وخارجية «أمر مفرط»، وغير مجدٍ مع الرأي العام المصري، كما لا يمكن إنكار أنّ الانتخابات عززت ثقة السيسي ومثّلت توطيدًا لحكمه وشخصيته؛ لكنها في النهاية لا تتعدى كونها ديكتاتورية تسعى للبقاء إلى الأبد.