بعد ساعات من قراره السريع بالرد على الهجوم الكيميائي لبشار الأسد ضد مواطنيه في دوما، أكّد الرئيس الأميركي دونالد ترامب ليلة الاثنين أنّ النظام السوري سيتلقى ضربة عقابية، واجتمع مع كبار القادة العسكريين الأميركيين واتفقوا على الردّ بالقوة. وقال ترامب: سنتخذ قرارًا قويًا بشأن سوريا، ولدينا كثير من الاختيارات العسكرية؛ وسأتخذ قرارًا مع القائد العسكري الليلة أو بعد ذلك بقليل.
جاءت تصريحات ترامب بعد أسبوع من تصريحه في أوهايو بأنّ القوات الأميركية ستغادر سوريا «في القريب العاجل»، مؤكدًا أنّها وجهت ضربة قوية لتنظيم الدولة، وستغادر سوريا قريبًا و«لنترك الآخرين يعتنون بها». وطلب القادة العسكريون تحديد مهلة زمنية بين أربعة أشهر وستة على الأقل، لكنّ ترامب يرفض بصورة قاطعة إعطاء مهلة زمنية محددة؛ تاركًا الأمر مفتوح.
لكنّ الأوضاع تغيّرت بعد الهجوم الكيميائي لنظام بشار ضد مواطنيه في دوما، ويحتمل أن يكون الهجوم ردًا على قرار ترامب بالانسحاب والتطلع لإنهاء الدور الأميركي سريعًا؛ وكأنّ الرسالة هي: نعم هذه الطريقة التي سيعتني بها الآخرون في سوريا، وهو ما أكدته أيضًا الضربة الإسرائيلية لقاعدة جوية سورية وقتلت أربعة إيرانيين وأصابت عشرة آخرين.
هذا ما تراه المحللة الأميركية «جونا شيب» في مقالها بمجلة «نيويورك مجازين» الأميركية وترجمته «شبكة رصد». مضيفة أنّ البيت الأبيض يرفض توصيف الأحداث الأخيرة في سوريا؛ لكنه يتفق مع ترامب في أنّ أميركا لا يجب أن تظهر ضعيفة أو مترددة، كما يفتح الباب أمام استفادة أعدائها، وهو الخطأ نفسه الذي وقع فيه سلفه باراك أوباما.
ومن المفارقات العجيبة سعي ترامب لتحميل أوباما اللوم على الوضع الحالي في الأراضي السورية، ووجد نفسه في موقف مماثل تمامًا لما واجه أوباما في 2012؛ إذ كان عليه أن يلتزم علنًا بإبقاء القوات الأميركية بعيدة عن أيّ صراعات في الشرق الأوسط. لكنّ أميركا في الوقت نفسه مجبرة على الرد على جرائم بشار ضد الإنسانية، مرجحة إقدام ترامب بالفعل على توجيه ضربة مماثلة أو أكثر حدة من ضربة العام الماضي.
وتغيير نغمة ترامب لا يعني أنّ الاستراتيجية التي أكّد عليها تجاه سوريا ستتغير، لكنها أفضل من غياب استراتيجية؛ ومن المرجّح أن يستمر في الضغط على قياداته العسكرية لإنهاء مهامهم في سوريا المتعلقة بتنظيم الدولة بفارغ الصبر، ثم التفرغ لمحاربة بشار الأسد على جبهات أخرى، مضيفة أنّه الأمر نفسه الذي حاول فعله أوباما حينما رسم خطوطًا حمراء؛ لكنّ الديكتاتور السوري تجاوزها رغم ذلك، ولم يستطع فعل شيء حياله.
ولن يكون في صالح أميركا إطلاق تهديدات «قاسية» ثم التغاضي عن تنفيذها. وفي الوقت نفسه، أيّ ضربة أخرى بصورايخ توماهك لن تحل الأمور على نحو جذري، أو تضغط على بشار لتغيير سلوكه الإجرامي؛ ناهيك عن تخليه عن السلطة، ولذلك يتوقع الخبراء أن يكون الرد الأميركي هذه المرة أكثر قوة.
وهناك مؤشرات بالفعل تدل على أنّ ترامب سيفكر في الرد بشكل أكثر دقة، بعدما تحادث مع بريطانيا وفرنسا بإطلاق حملة متعددة الأطراف، وقدّم البنتاجون اختيارات أمام ترامب. وسواء أكان التدخل كبيرًا أو حكيمًا؛ فهناك سؤال منفصل عما إذا كانت الإدارة الأميركية تخطط لأهدافها بعناية.
فالضربات العسكرية لن تقدّم شيئًا للشعب السوري المحاصر، ولن تُحدِث فرقًا كبيرًا معهم؛ بينما تتمثل الخطوات التي ستُحدث فرقًا في تقديم مزيد من الدعم للاجئين والنازحين، والمساعدة في جهود إعادة إعمار المناطق المحررة من تنظيم الدولة، واحتلال دور قيادي وريادي سياسيًا ودبلوماسي دولية لإنهاء الصراع؛ «وهي أمور لا يبدو أنها موجودة على أجندة الإدارة».
وأكّدت أنّ تصعيد أميركا للأحداث في سوريا حاليًا أمر غامض، ومن المحتمل أن يؤدي إلى مخاطر كبرى، كما حذّر «دايف ماجومدار» الخبير العسكري، مؤكدًا أنّ وقوع اقتتال بين القوات الأميركية والروسية في سوريا قد يهدد بتصعيد للتوترات بين أكبر قوتين نوويتين في العالم منذ أزمة الصواريخ الكوبية.
فروسيا تصرّ على أنّ الأدلة على هجوم بالأسلحة الكيماوية في دوما اُختلقت ذريعة للعدوان الأميركي، وأعلنت بشكل لا لبس فيه أنّها ستضرب إذا تلقّت القوات الروسية على الأرض ضربات أميركية، موضحة أنّ الانتقام لن يكون بالضرورة محدودًا جغرافيًا بسوريا. ويقول «دايف» إنّ هذه ليست خدعة من جانب الكرملين؛ فخطر وقوع إصابات عرضية من جانب أميركا قد يقود لتصعيد لا يمكن السيطرة عليه.
والهجمات الكيماوية على المدنين أمر شائن وفظيع، ويجب أن يتحمّل بشار المسؤولية كاملة عنه؛ لكنّ توسيع الصراع والحرب في سوريا لن يحقق هذا الهدف، وأيضًا بشار الأسد سعيد لإحداث هذه الضجة.