أدّى انفتاح العالم على بعضه، وتطوّر وسائل الاتصال، وفرض شكل واحد للديمقراطية على جميع دول العالم؛ إلى رغبة الديكتاتوريين في إظهار صورهم كديمقراطيين أمام العالم أجمع؛ لذا يحرصون دائمًا على ضرورة إجراء انتخابات ورفع نسب المشاركة بالرغم من أنّهم حتمًا فائزون.
هذا ما تراه الكاتبة «جوين داير» في مقالها بموقع «قبرص ميل»، مؤكدة أنّ الديكتاتور الروسي فلاديمير بوتين فاز بولاية رئاسية رابعة (مدتها ست سنوات) بنسبة 76% من أصوات الناخبين، ومن المقرر أن يفوز الديكتاتور عبدالفتاح السيسي بنسبة تقارب 100% في الانتخابات، بالرغم من انخفاض شعبيته؛ لكنه أجبر المواطنين على التصويت.
انزعاج الديكتاتوريين
يسيطر الديكتاتوريان السيسي وبوتين على وسائل الإعلام في بلديهما ليثقا بأنهما لن يتعرّضا إلى انتقادات نتيجة سياساتهما وأفعالهما، وشرع الاثنان في قتل أيّ شخص يعارضهما أو اعتقاله؛ لكنهما في الوقت نفسه يشعران بضرورة وجود انتخابات ذات طابع ديمقراطي مزيف لإثبات شرعيتهما.
ووفقًا للقواعد في دول إفريقية؛ فالاحتجاجات الشعبية والثورات يعقبها وضع حد للمدة الرئاسية، وبعدها تُبطل هذه الاحتجاجات أو الثورات ويُقضى على آثارها وتبعاتها، ثم تُعدّل هذه المدد لتصل إلى مدى الحياة، ويعاد تدوير مفهوم الديمقراطية ويُنظّم؛ ليبقى «استفتاء» تديره الدولة.
وتعدّ الصين أحدث الديكتاتوريات التي طبّقت ذلك حرفيًا؛ ما جعل «شي جين بينج» رئيسًا لمدى الحياة، في ظل تظاهر الدولة الصينية بأنها ديمقراطية، بالرغم من أنّ الحزب الشيوعي الصيني دائمًا ما يحتل الدور القيادي، ولا توجد انتخابات وطنية مباشرة.
لم يشعر فرعون مصر بالحاجة إلى آراء مواطنيه بشأن آدائه حاكمًا، لا هو ولا من سبقوه؛ ما يعيد التذكير بملوك أوروبا في العصور الوسطى الذين كانوا يحكمون بموجب «الحق الإلهي» وليس الإرادة الشعبية. لكن، في مرحلة ما من التاريخ، فازت حجة الديمقراطية؛ وبالتالي بدأ تطبيقها في جميع أنحاء العالم؛ لذا يبدو أن معظم الديكتاتوريين حاليًا يريدون إظهار أنهم يتبعون المسار الديمقراطي، وأنّ الإرادة الشعبية وافقت عليهم واختارتهم ليحكموا، وما الانتخابات سوى وسيلة لتحقيق هذه الغاية.
ويرى علماء أنثروبولوجيا أنّ جميع البشر قبل الحضارة، أطفالًا ورجالًا ونساء، كانوا يعاملون على قدم المساواة، ولجميعهم حقوق متساوية في صنع القرار؛ حتى إنّهم كانوا يمتلكون أساليب راسخة وضامنة لوقف تعدّي كل فرد على حق الآخر. ثم انهارت هذه «الديمقراطية» في المرحلة الأولى من الحضارة، وارتفع عدد السكان بشكل هائل من عشرات إلى ملايين في ألف عام فقط؛ ما جعل من المستحيل فعليًا أن يشارك الجميع في نقاش واحد أو أن يطبق رأي كل واحد كالآخر.
كما فشلت جميع الضوابط التقليدية العادية، التي أبقت طموح الناس بعيدًا عن الاستيلاء على السلطة، وكانت النتيجة: خمسة آلاف عام من الاستبداد. لكن، مع استعادة المجتمعات قدرتها على التواصل بفاعلية، ونسوء وسائل الإعلام وتطوّر سبل الاتصال؛ تطلّع البشر للمعاملة بمساواة مرة أخرى، كما كان في بداية الحضارة، وحدثت أولى ثورة ديمقراطية في المستعمرات الأميركية في 1776، وتعلّم أكثر من نصف سكان الكرة الأرضية القراءة والكتابة.
ولأنّ وسائل الإعلام أصبحت منتشرة الآن في كل مكان؛ فالديكتاتوريون يجب أن يتظاهروا بأنهم ديمقراطيون وأن سلطتهم جاءت وفق إرادة شعبية، وهو ما نجحوا فيه حاليًا؛ فنصف الكرة الأرضية الآن يحكمه ديكتاتوريون متخفون تحت زعم الديكتاتورية، وإضفاء شرعية زائفة على وجودهم.
وأثناء إعلان نتائج الانتخايبات الروسية الأسبوع الماضي، سأل صحفيّ فلاديمير بوتين عما إذا سيخوض الانتخابات مرة أخرى؛ فأجابه بأنّ ما يقوله مضحك قليلًا، مضيفًا: «هل تعتقد بأنني سأبقى هنا لمائة عام؟»، وهو ما قاله روبرت موجابي، حاكم زيمبابوي السابق، الذي حكم لمدة 37 عامًا، وكان يخطط للترشح لولاية رئاسية جديدة.