انقضى اليوم الثاني للانتخابات الرئاسية، الأشبه بالمسرحية الهزلية ببرود متوقع، وبافتعال مشهد ديمقراطي؛ إذ حشدت السلطات الموالية لعبدالفتاح السيسي، أمس الثلاثاء، أعدادًا كبيرة من المواطنين أمام أغلب اللجان الانتخابية في المحافظات من دون تصويت، لإظهار حالة من الحضور «المزيف»، ردًا على ضعف إقبال الناخبين في اليوم الأول، في مشهد يُمهد لتزوير أعداد الناخبين.
وكما بدا واضحا على مدار اليوم في عدد من اللجان تراص العشرات من المواطنين على أبواب اللجان منذ الصباح الباكر دون المشاركة في العملية الانتخابية، وهو ما يؤكد حشدهم من قبل السلطات الأمنية، أو ما يعرف بـ«مقاولي الانتخابات»، الذين يستأجرهم رجال الأعمال التابعون للنظام، لجلب الناخبين مقابل مبالغ مالية.
ومن المفترض أنّ يُدلي الناخبون داخل مصر بأصواتهم في أكثر من 13 ألف لجنة فرعية على مستوى البلاد أيام الاثنين والثلاثاء والأربعاء أسوة بتصويت المصريين في الخارج الأسبوع قبل الماضي، والذي استمر ثلاثة أيام أيضًا. وتقول الهيئة الوطنية للانتخابات إن نحو 59 مليونًا يحِقّ لهم التصويت في هذه الانتخابات.
وبينما يتنافس مرشحان الأول المنتهية ولايته عبدالفتاح السيسي، والثاني رئيس حزب الغد موسى مصطفى موسى، إلا أن الانتخابات أشبه باستفتاء على السيسي وحده، فالمشهد الانتخابي في مصر ليس عصيًّا على التحليل، لا سيما بعد مسرحية البحث عن أي مرشح ينافس السيسي، حتى تم الاستقرار على مصطفى موسى.
على خطى المخلوع
أما إعلام النظام، فسار على خطى عهد المخلوع مبارك، حيث رسم صورة زائفة عن الإقبال على المشاركة في العملية الانتخابية، وتحدث عن الحشود والطوابير، وتوقع تزايد عدد الناخبين في الساعات المقبلة، كما واصل نشر البيانات الصحفية الواردة من وزارات الدولة ومؤسساتها بشأن تصويت الوزراء والمسؤولين في الانتخابات، وحرص أيضًا على نشر أخبار وصور الفنانين المشاركين في الانتخابات، مع رسائل منهم بشأن الوطنية وضرورة المشاركة وما إلى ذلك.
كما نشر الإعلام ، اللقطات الخاصة التي تبدو مصطنعة ومُحضّرة خصيصًا لهذه المناسبات مثل «كفيف يدلي بصوته في الانتخابات ويحث الشباب على المشاركة»، و«والدة الشهيد تدلي بصوتها»، و«سيدة تقبّل صورة السيسي على باب اللجنة»، غيرها من «اللقطات» المكررة في أغلب وسائل الإعلام المحلية.
إنقاذ المشهد
ويرى مراقبون أنّ عمليات حشد المواطنين البسطاء بواسطة أعضاء مجلس النواب، مقابل مبلغ مالي يتراوح بين 50 و100 جنيه للناخب الواحد، مع توفير «باصات» لنقلهم إلى مقار الانتخاب، ومنحهم المبلغ المتفق عليه بعد الإدلاء بأصواتهم، هو محاولة أخيرة من النظام لإنقاذ المشهد الانتخابي، والذي قد يُنذر بمشاركة أقل بكثير من انتخابات الولاية الأولى للسيسي في العام 2014.
مشهد لآخر أكثر عبثيًا، هو أداء الهيئة الوطنية للانتخابات، المشكلة من رؤساء هيئات قضائية أشرف على اختيارهم السيسي، إذ ادعى متحدثها الرسمي، المستشار محمود الشريف، عبر مؤتمرين صحفيين في اليوم الواحد، كثافة المشاركة من المواطنين في جميع المحافظات، إيذانًا بإعلان نسبة مشاركة أعلى من الاستحقاقات الماضية، حفاظًا على ماء وجه السيسي.
الورقة الأخيرة
وفي تزامن لا تخطئه عين، نشرت الأذرع الإعلامية الموالية للسيسي، خبرًا موحدًا، بصياغة مشابهة، نقلًا عن مصادر حكومية وقضائية «مجهلة»، بشأن تطبيق غرامة قيمتها خمسمائة جنيه على المتخلفين عن الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات الرئاسية، بعد فشل جميع محاولات الترهيب لحشد المواطنين، الذين ظهر عزوفهم الواضح عن «مسرحية الرئاسيات».
وأورد الخبر أن الحكومة ستعمل على تفعيل الغرامة، من دون بيان آلية تحصيلها، طبقًا لنص المادة (43) من قانون تنظيم الانتخابات الرئاسية رقم (22) لسنة 2014، ونص القانون على الغرامة المحددة لكل من كان اسمه مقيدًا بقاعدة بيانات الناخبين، وتخلف «بغير عذر» عن الإدلاء بصوته في انتخاب رئيس الجمهورية، علمًا باستحالة تحصيل هذه الغرامة، أو حصر الأسماء المتغيبة عن التصويت.
وعرضت بعض وسائل الإعلام آراء خبراء في القانون، في دستورية معاقبة غير المشاركين، مطالبين بحصر أسمائهم من كشوف الانتخابات لتقديمها للنيابة العامة لتحرير بلاغات ضدهم وتوقيع الغرامة فورًا.
وأفاد الخبر، الذي بثته في البداية وكالة «أنباء الشرق الأوسط» الرسمية، بأنه يُجرى حاليًا حصر بقوائم المواطنين الذين لم يدلوا بأصواتهم في الرئاسيات، اعتمادًا على قاعدة بيانات الناخبين، زاعمًا أن هناك آليات عدة يمكن من خلالها تطبيقها على المتخلفين عن التصويت «كفرض غرامات أثناء تجديد بطاقة الرقم القومي، أو رخصة القيادة أو تسيير السيارة».
ويرى سياسيون أن النظام يستهدف من بث هذه الشائعة تخويف المواطنين، ودفعهم للنزول إلى الانتخابات قسرًا، وبخاصة من العاملين في جهاز الدولة الإداري، وأصحاب المعاشات من كبار السن، بدعوى أن الغرامة قد تقتطع من رواتبهم أو معاشاتهم التي تتحكم بها الحكومة، بخلاف العاملين في القطاع الخاص، والسوق الحر، كون الحكومة لا تملك أي طريقة لاستقطاع الغرامة «المزعومة» منهم.