يتزامن تعيين «جون بولتون» مستشارًا جديدًا للأمن القومي مع تعيين مايك بومبيو وزيرًا للخارجية، وبالتالي أصبحت لدى ترامب الآن دوافع أكثر تدميرًا؛ لكنه سيفشل في استراتيجيته الجديدة ومساعديه الجدد، وأقصى ما يمكن أن يفلعه الانسحاب من خطة العمل المشتركة وتجديد العقوبات ضد إيران.
هذا ما يراه المحلل المختص بالشأن الإيراني «اسفنديار باتمانغيلدج» في تحليله بصحيفة «لوب لوج»، وترجمته «شبكة رصد»، مضيفًا أنّ الحكومات الأوروبية قابلت تعيين بومبيو وبولتون بسخط شديد؛ خاصة وأنّ الاتحاد الأوروبي من أشد معارضي الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي الإيراني، وسعى مرارًا لتهدئته عن طريق الضغط على الإيرانيين لتقديم تناول بشأن الأمور الأمنية؛ لكنّ موقف الأوروبيين كان ضعيفًا وتراجعت الثقة الإيرانية فيهم.
وحتى لو أجبرت إيران على تقديم تنازلات تماشيًا مع هوى ترامب، فتسييس الصفقة الإيرانية اكتمل بالفعل بحيث يبدو أنّ التنازلات لا معنى لها؛ والدليل واضح على أنّ الموقف الحالي لإدارة ترامب تجاه إيران تحوّل ليصبح أكثر عدائية، وهو أمر كافٍ لثني المستثمرين عن الاستثمار في إيران.
كما فشلت وزارة الخزانة الأميركية في إصدار ترخيص جديد للأنشطة التجارية في إيران، وذكر محامو العقوبات أنّ ما طرح إبّان ولاية أوباما رفضته إدارة ترامب، ويعمل مكتب مراقبة الأصول الأجنبية منذ مدة طويلة بواسطة موظفين براجماتيين ملتزمين بتطبيق العقوبات حرفيًا ودون أدنى تنازل.
حقائق إيرانية
ما سبق يؤكّد أنّ الاتفاق النووي الإيراني مات بالفعل؛ لكنّ ما فشل فيه التحليل التقليدي هو إدراكه أنه لا يمكن قتل الصفقة الإيرانية، فخطة العمل الشاملة المشتركة ليست مجرد اتفاقية لتحديد الأسلحة أو اتفاقًا يسعى إلى تخفيف العقوبات؛ بل اعتراف تاريخي بحقائق لا يمكن إنكارها عن إيران ومكانتها في العالم.
الحقيقة الأولى: إيران فاعل جيوسياسي قوي. وعلى الرغم من المزاعم الأخيرة لولي العهد السعودي محمد بن سلمان، فإيران لا تحتاج قوة عسكرية كبرى أو نفوذًا دبلوماسيًا لتؤثر على النظام الدولي؛ فكل الأحداث في السنوات الثمانية الأخيرة في الشرق الأوسط، أكّدت أنّ مكانة إيران تتزايد باستمرار، وانهيار الصفقة النووية لن يضيف شيئًا أو يؤثر عليها بالضرر.
الحقيقة الثانية: المشاركة الدولية لإيران زدات مؤخرًا بشكل مكثف، معتمدة على عوامل ديموجرافية واقتصادية تدفع بإيران نحو مزيد من التواصل الدبلوماسي والاقتصادي مع دول العالم.
وأصبحت المشاركة الإيرانية أيضًا ضرورة سياسية مدفوعة بعوامل هيكلية على عكس السنوات الأولى للثورة الإسلامية؛ فإيران تحتل حاليًا المرتبة الـ18 في الاقتصاد العالمي، وهي لا يمكن أن تنم بأيّ حال من الأحوال عن اعتمادها على نفسها فقط؛ بل يتطلب تواصلًا مع دول العالم المختلفة.
كما أصبح للشعب الإيراني سفيره الخاص في دول العالم الخارجي، وأصبح مرتبطًا بالمجتمع الدولي في المجال الرقمي؛ لذلك سواء بقي الاتفاق النووي الإيراني أو ألغي فلن ينيهم عن هذا التواصل، وبني الاتفاق في البداية على تطلعات الشعب الإيراني نفسه وطموحاته، التي ستدوم حتى لو ألغي الاتفاق؛ وربما يشبه الأمر انفصالًا بين معاملة الشعب ومعاملة النظام على المستوى الدولي، وإصرار ترامب على عداء إيران يعني عداء الشعب الإيراني وليس النظام.
الحقيقة الثالثة: أميركا ليس لها نفوذ كافٍ على إيران كسابق عهدها؛ خاصة بعد استراتيجيتها الجديدة المتركزة على سحب يدها من الشرق الأوسط تدريجيًا. لكن، على كلٍّ، ستُفهم العقوبات الأميركية الجديدة على أنها تحتفظ بنفوذ؛ لكنه أمر غير حقيقي.
وبالرغم من أنّ أميركا نجحت سابقًا بالاتفاق النووي في عزل إيران، فالأمر أصبح ماضيًا، وكانت حالة نادرة غير مرجح تكرارها مرة أخرى، ولم يعد أمام الإدارة الأميركية حاليًا أيّ خيارات لإجبار إيران على التراجع عن خططها، واستمرار تعنّت ترامب لن يزيد أميركا إلا خسارة؛ خاصة وأنّ العالم يرى نظرته واستراتيجياته مشوهة وغير منطقية.
وغير ذلك، لا تزال هناك جهات فاعلة وقوية في أوروبا وروسيا والصين والمجتمع الدولي الأوسع يفهمون جيدًا أنّهم يحتاجون لمواصلة العمل البنّاء مع إيران في مجالات؛ خاصة وأنّ هناك صفقات واتفاقيات لا يمكن التراجع عنها، لا سيما الاتفاقيات السياسية والتجارية، وسواء الكبرى أو الصغرى، والعالم غير مستعد للنزول على رغبة ترامب والضرب بهذه الاتفاقية عرض الحائط.