أصبح التراجع عن الاتفاق النووي الإيراني غير منطقي، وإذا طرأ أيّ إخلال من جانب إيران فيمكن معاقبتها بدلًا من إلغاء الاتفاق؛ وهو ما اتفق عليه أثناء التخطيط لها، أو حتى إذا رفضت التعاون، موضحة أنّ إلغاءها لمجرد رغبة ترامب في ذلك بعيد كل البعد عن المنطق، ولا يساهم إلا في زيادة التوترات في منطقة تعاني من التدهور.
هذا ما تراه المحللة الأميركية «جينيفر روبن» في تحليلها بصحيفة «واشنطن بوست» وترجمته «شبكة رصد»؛ مطالبة بضرورة الاستمرار فيها حتى لو كانت بالفعل «أسوأ صفقة» كما وصفها ترامب، رغم أنّ إيران أثبتت حتى الآن التزامها ببنودها فيه، باعتراف أميركا نفسها. لكنّ اعتراض ترامب على بنود الاتفاقية، المُسنّة بالتوافق مع الدول المشاركة، بما فيها الدول الغربية.
ومن ناحية أخرى، لا يميل الأوروبيون إلى رؤية ترامب، خاصة وأنه أثبت بأفعاله أنه يريد هدم كل ما بناه سلفه باراك أوباما فيما يتعلق بخطة العمل المشتركة، وأيضًا بأمور داخلية تمس أميركا وحديثها؛ مثل «أوباما كير».
وقال «جوش روجن»، الباحث في شؤون العلاقات الدولية، إنّ الإدارة الأميركية لا تمتلك خطة لما بعد إلغاء الاتفاق؛ ما يعني إعادة المواجهة بين الغرب وإيران بخصوص التسليح النووي. ويرى مسؤولون في الإدارة الأميركية أنّ وزارة الخارجية الأميركية ومجلس الأمن القومي بدآ بالفعل في تطوير اتصالات دبلوماسية واقتصادية من للانسحاب من الاتفاق، وإعادة فرض العقوبات والتعامل مع ردود الأفعال المتوقعة من أوروبا والصين وروسيا وإيران.
وتشبه الإدارة الأميركية في مسعاها «العصابة التي لا تستطيع التعامل مع أبسط المهام»، ولا يمكنها مواجهة حتى الحلفاء، وتصر على أن جميع العواقب المحتملة يمكن التعامل معها بسهولة، ويفترض بالجميع أن يصدق ذلك؛ ومن العجب ترك ترامب يدير الأمور بنفسه، ولا ينقطع عن التغريد على تويتر، ويُرى الرئيس المثالي للتعامل مع أمور وعوامل معقدة، وما يفعله يقربنا من مواجهة عسكرية.
شكّ وتساؤلات
ويقول السفير السابق لدى تركيا والمحلل الآن بمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى «إيريك إيدلمان» إنّه يشك في قدرة فريق ترامب على التعامل جيدًا مع الشرق الأوسط وقضاياه بعد إلغاء الاتفاق النووي الإيراني، موضحًا أنّ الحلفاء ملتزمون بالصفقة حتى الآن، ولا يوجد إجماع على أن الانسحاب منها ضروري، كما لا تستطيع أميركا اتخاذ إجراءات واقية تضمن مواجهة الاستفزازات الإيرانية، ولا توجد خطة لمواجهة الاختراق الإيراني في المناطق المتواجدة فيها بالشرق الأوسط سواء في سوريا والعراق أو غيرها.
وطالب السفير السابق المسؤولين في إدارة ترامب بضرورة الإجابة عن تساؤلات قبل الشروع في الانسحاب من الصفقة:
- كيف نعيد فرض العقوبات دون تعاون الاتحاد الأوروبي معنا؟
- وماذا لو لجأت إيران إلى الأمم المتحدة لإدانة أميركا؟
- وهل الأمم المتحدة على استعداد للوقوف بجانب أميركا في خطتها؟
- وماذا ستفعل أميركا إذا ضربت إيران «إسرائيل»؟
- وهل هناك خطط للرد على الأفعال الإيرانية الانتقامية؟
- وهل أميركا مستعدة لمواجهيتن في وقت واحد مع كوريا الشمالية وإيران؟
عواقب
ولا تنمّ أفعال ترامب إلا عن غطرسة وجهل شديدين. وقال المفاوض الشرق أوسطي المخضرم «آرون ديفيد ميلير» إنّ الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني يعني المخاطرة بصدق أميركا والتزامها في الاتفاقيات الحالية والمستقبلية مع الدول الأخرى، ويجعل كوريا الشمالية متشككة في التزامها؛ خاصة وأنها على أعتاب اتفاق تاريخي معها، ونقض الالتزام بتعدها مع إيران سيجعلها تشرع في برنامجها، كما تقدم أميركا بذلك ميزة دعائية يمكن أن تستغلها الصين وروسيا ضدنا.
وما لم يقدم الكونجرس تأكيدات للشعب الأميركي بأن جميع عواقب إلغاء الاتفاق سيُتعامل معها بحنكة، فالإدارة الأميركية لا تفعل شيئًا حاليًا سوى إغراق نفسها وأميركا معها وحلفائها في مستنقع المجهول؛ مطالبة المسؤولين الأميركيين بضرورة التفكير طويلًا وبشكل معمّق قبل الإقدام على خطوة كهذه.
والمفاوضون ذوو الخبرة في الشرق الأوسط مستاؤون فوق الوصف من سذاجة ترامب. وقال المفاوض «دنيس روس»: إذا ابتعدت الإدارة الأميركية عن خطة العمل المشتركة التي سعى فيها الأوروبيون وغيرهم لمعاجلة المخاوف بشأن البرنامج النووي الإيراني؛ فعلى أميركا أن تنسحب وحدها.