لا بد للكونجرس أن يصوّت على قرار بانسحاب أميركا من الحرب اليمنية والتراجع عن دعم التحالف السعودي؛ فالشعب الأميركي رافض هذا الدور من الأساس، ويرى فيه خيانة له وللدستور الذي أقسم عليه من أَخَذَ قرار التدخل (أوباما) وأعضاء الكونجرس.
هذا ما يراه المحلل السياسي «بول كاويكا مارتن»، كما ذكر في صحيفة «ذا هيل» الأميركية وترجمت «شبكة رصد»؛ مؤكدًا أنّ من بين عوامل تآكل الديمقراطية الأميركية تنازل الكونجرس عن واجب مناقشة قرار خوض الحروب والتصويت عليه. ومن بين الشعوب التي عانت من تبعية هذا التنازل اليمنيون؛ بسبب مشاركة أميركا مع السعودية في حرب تسببت في ما وصفتها الأمم المتحدة بـ«أسوأ كارثة إنسانية في اليمن».
وقدّم «بيرني ساندرز ومايك لي» مشروع قانون الأسبوع الماضي يهدف إلى معالجة هذا التنازل وعواقبه على الشعب اليمني؛ لإنهاء الدور الأميركي هناك.
فمنذ قرابة ثلاث سنوات، كانت أميركا شريكًا ثابتًا للتحالف السعودي، المؤلف من دول عربية، في خوض حرب متوحشة بأفقر بلدان العالم العربي لتثبيت سلطة الرئيس عبدربه هادي ضد الحوثيين المتمردين، وشرعت سفن البحرية الأميركية في تعزيز حصار التحالف؛ ما أدى إلى منع دخول المساعدات والغذاء الوقود والإمدادات الطبية اللازمة لإنقتاذ حياة المدنيين.
كما تزوّد الطائرات الأميركية نظيراتها الحربية الإماراتية والسعودية بالوقود في الجو، وتستهدف البنية التحتية المدنية بشكل منهجي ومنتظم؛ ويعتبر هذا الوقود جزءًا من عشرات مليارات الدولارات من مبيعات الأسلحة لدول التحالف الموافق عليها منذ بدء الحرب في 2015، التي استهدفت بشكل خاص المستشفيات والمدارس والأسواق، بعيدة تمامًا عن هدفها الأساسي «مواجهة الحوثيين».
وفي ديسمبر من العام الماضي، قُتل ما لا يقل عن 68 مدنيًا (بينهم ثمانية أطفال) في يوم واحد؛ بسبب غارة للتحالف قصفت مزرعة وسوقًا مزدحمًا، ومع استمرار الحرب حتى العام الجاري، أكدت تقارير أممية كثيرة أنّ الغارات قتلت من المدنيين كثيرًا.
ونتيجة مباشرة للحرب والحصار السعوديين والقصف المتواصل، أصبحت حياة ملايين اليمنيين في خطر، ولا يكافحون يوميًا من أجل الطعام فقط؛ بل للبقاء على قيد الحياة. واعتبارًا من ديسمبر 2017، يمثّل عدد المعتمدين على المساعدات الإنسانية في اليمن بشكل أساسي ثلاثة أرباع السكان؛ بما يعادل 22 مليون شخص.
بينما يواجه نحو 8.4 ملايين آخرين خطر المجاعة، كما قُتل الآلاف نتيجة وباء الكوليرا، بسبب نقص المياه النظيفة وشبكات الصرف الصحي.
وبما أن الحرب بمثابة كارثة لا مثيل لها على الشعب اليمني، ففي الوقت نفسه لم تفعل شيئًا لمصالح أميركا؛ إذ استغلت الجماعات الإرهابية انعدام الاستقرار وحالة اليأس المتفشية ووسعت أراضيها بشكل غير مسبوق داخل اليمن. وقال تقرير صادر عن وزارة الخارجية الأميركية بشأن مكافحة الإرهاب في 2016 إنّ تنظيم القاعدة واصل التوسع في شبه الجزيرة العربية؛ مستغلًا الحرب السعودية على اليمن وحالة الفراغ السياسي والأمني الناجمين عنها.
وبعيدًا عن استغلال فراغ السلطة، شمل تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة تحالفًا بحكم الأمر الواقع مع التحالف الذي تقوده السعودية لمقاتلة العدو المشترك «الحوثيين»، وفي حالات حصل «القاعدة» على أسلحة ثقيلة من القوات المينية التابعة للتحالف الذي تقوده السعودية وتدعمه أميركا وتسلّحه.
كما استخدم «القاعدة» أيضًا مجموعات من القنابل الأميركية الصنع عثر عليها في الحطام الذي خلفته الحرب.
وبعد قرار أوباما الأحادي الجانب بدعم التدخل السعودي في اليمن، كان بإمكان الكونجرس حينها أن يدق جرس الإنذار ويطالب بوقف الدعم الأميركي إلى أن يتاح وقت لمناقشة القرار؛ لكنّ مجموعات صغرى داخل مجلس الشيوخ الأميركي تسببت في منع المناقشة؛ وبالتالي استمرت الحرب.
في العام الماضي، صوّت مجلس الشيوخ بأغلبية ساحقة على أنّ الكونجرس كان عليه مناقشة القرار الأميركي بالتدخل في الحرب وأنها باطلة؛ لأن أوباما لم يحصل على إذن بها. وعقب التصويت، أجري استطلاع للرأي بين المواطنين الأميركيين؛ وأكّدت نسبة 57% أنّ المساعدات الأميركية العسكرية للتحالف السعودي ليست واجبة، ولا بد من سحبها، كما يعتقدون أن الحرب هناك جاءت بنتائج عكسية تمامًا.
ويعتقد 63.9% من الشعب الأميركي أنّ المساعدات العسكرية، بما فيها الموال والأسلحة، يجب ألا تُقدم للدول العربية؛ خاصة السعودية. واعتقد 70.8% أنّ الكونجرس يجب أن يمرر تشريعات تساهم في كبح جماح العمل العسكري الأميركي الخارجي.
كما وجد استطلاع آخر أن 51.3% من أعضاء الكونجرس أنهم سيصوتون لصالح انسحاب القوات الأميركية من اليمن ويتراجعون عن دعم التحالف السعودي.
والآن، بعد أن تقدّم أعضاء مجلس الشيوخ إلى الأمام لإجبار الكونجرس على التصويت بضرورة إنهاء الدور الأميركي في اليمن؛ يواجه هؤلاء الأعضاء سؤالًا واضحًا: كيف يمكنهم دعم قسمهم للدستور والشعب الأميركي دون دعم إنهاء الهجمات العسكرية الباطلة في اليمن؟ الجواب: لا يستطيعون.