فيما يبدو أنّ النشيد الوطني الرسمي الذي اعتاد عليه المصريون منذ عشرات السنين سيغيب قريبًا في المدارس، خاصة مع إلزام وزارة التربية والتعليم على ترديد أغنية «قالوا إيه» التي تمدح في قوات الجيش بدلًا من النشيد الوطني؛ ما رآه مراقبون محاولة لتغيير عقيدة الانتماء للوطن إلى تقديس الجيش.
صدرت أغنية «قالو إيه» تزامنًا مع غارة الجيش بحملاته الغاشمة على سيناء تحت مسمى «العملية الشاملة سيناء 2018».
وكان لإدارة بورسعيد التعليمية السبق في اتخاذ قرار تطبيق هذه الأغنية نشيدًا رسميًا، بناء على تعليمات من محافظها اللواء عادل الغضبان؛ وألزم بإذاعة النشيد في المدارس يوم 23 فبراير الماضي.
وأصدرت إدارة القاهرة التعليمية صباح السبت قرارًا رسميا يُنفّذ في جميع مدارس المحافظة، بإذاعة نشيد الصاعقة المصرية «قالوا إيه» من دون موسيقى؛ ليكون النشيد الرسمي. وعمّم خالد سعد حجازي، مدير إدارة القاهرة الجديدة التعليمية، أمرًا إداريًا على جميع المدارس التابعة للإدارة بإذاعة النشيد يوميًا في طابور الصباح والفسحة المدرسية.
عبادة الجيش
وفي هذا الصدد، قال اللواء عادل سليمان، الخبير العسكري والاستراتيجي، إنّ «السيسي يمجّد قواته العسكرية ويحاول رفع رايتها على راية الوطن؛ ما يعني أن الانتماء سيكون للجيش على الرغم من أن الأساس هو الوطن، والوطن يعني الانتماء للعلم والأخلاق والجيش وكل المناحي التي من شأنها النهوض به».
وأضاف، في تصريح لـ«رصد»، أنّ «هناك حالة اختلاق أزمة حرب وزعزعة أمنية يحاول النظام في مصر أن يكرسها عنوة في نفوس التلاميذ وعقولها؛ ليخلق جيلًا لديه فزّاعة من الساسة والمفكرين والعلماء وتكون الطاعة فقط لمن يرتدي البدل العسكرية».
عسكرة التعليم
ومنذ 28 أبريل 2015، بدأت دولة السيسي عسكرة التعليم؛ بإصدار وزير التربية والتعليم حينها «محب الرافعي» القرار الوزاري رقم 163 بندب اللواء محمد هاشم محمد، المعار من هيئة الرقابة الإدارية، ليكون رئيسًا لقطاع الأمانة العامة بديوان عام الوزارة؛ وبذلك ارتفع عدد اللواءات المنتدبين للوزارة إلى ستة: حسام أبو المجد (رئيس قطاع شؤون مكتب الوزير)، عمرو الدسوقي (رئيس الإدارة المركزية للأمن)، نبيل عامر (مستشار الوزير لتنمية الموارد)، محمد فهمي (رئيس هيئة الأبنية التعليمية)، كمال سعودي (رئيس قطاع الكتب)، بالإضافة إلى محمد هاشم.
وقال الأمين العام لنقابة المعلمين المستقلة «حسين إبراهيم» إنّ «وزير التربية والتعليم يتعامل مع إدارة العملية التعليمية بمنطق أقسام الشرطة ويحول المدارس إلى تخشيبات، وهي تجربة أثبتت فشلها أكثر من مرة؛ وهذه العقلية الأمنية دورها فقط التعامل مع أصحاب السلوك المنحرف ومنعهم من استخدام أساليبهم ضد المواطنين، وليس التعامل مع معلمين وطلاب داخل المدارس».
وأضاف أنّ «إصرار الوزير على استخدام الطريقة الأمنية في الإدارة أكبر دليل على غياب رؤية حقيقية لديه لتطوير منظومة التعليم المصري وتحديثها».
وطالبت النقابة المستقلة بإلغاء إدارات الاتصال السياسي كافة داخل الإدارات التعليمية، التي يُفرض عبرها السيطرة والاستبداد ضد كل مُعلّم يحاول أن يتكلم بحرية أو يعبر عن رأيه.
هيمنة الجنرالات
يأتي دخول جنرالات العسكر مجال الاستثمارات في التعليم في وقت تشهد فيه رسوم التعليم الأجنبي بمصر ارتفاعًا في غالبية مؤسساته التعليمية؛ نتيجة ارتفاع الدولار أمام الجنيه، إضافة إلى زيادة المصروفات بنسبة تصل إلى 50% سنويًا العام الجاري، خاصة في المدارس والجامعات الأميركية والبريطانية.
وتحوّل بذلك التعليم إلى تجارة تحقق أرباحًا طائلة تكاد تصل إلى مليارات الدولارات؛ إذ أُلزم أولياء الأمور بدفع الرسوم الدراسية بالدولار الأميركي أو العملات الأجنبية بدلًا من الجنيه المصري.
ويصل تعداد المدارس الدولية في مصر إلى نحو 13 ألف مدرسة في المتوسط، تمتلك أغلبها أسر قيادات وضباط بالجيش والشرطة وكبار رجال الأعمال المتحالفون معهم، وفيها قرابة 500 ألف طالب وطالبة بمختلف المراحل التعليمية، وشهدت ارتفاعًا ملحوظًا في مصروفاتها تراوح بين 36 ألفًا و162 ألف جنيه.
تشييد جامعات
تمتلك نرمين وشقيقتها دينا أحمد إسماعيل، ابنتا وزير الحربية الأسبق، سلسلة مدارس «مصر 2000»؛ الأولى في مدينة نصر بالقاهرة على أنقاض أرض أستأجرها زوج دينا (الدكتور حسن القلا) من قرية الأطفال اليتامى، بمساندة «حماته» زوجة الفريق أحمد إسماعيل وتشغل عضو مجلس إدارة الجمعية التي تدير قرية الأطفال اليتامي.
ثم امتد نشاط حسن القلا بإنشاء «جامعة بدر»، بخمس كليات على مساحة 45 فدانًا، وانتهي من مرحلتها الثالثة والأخيرة مطلع 2016؛ ويدرّس فيها أساتذة وشيوخ دعموا الانقلاب، من بينهم الدكتور علي جمعة.