وصل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى مصر هذا الأسبوع في زيارة تستمر ثلاثة أيام، من المقرر أن يلتقي فيها بشريكه عبدالفتاح السيسي، الذي أطاح بالدكتور محمد مرسي واستولى على السلطة في انقلاب عسكري عام 2013؛ وتواصلهما مهم جدًا؛ خاصة وأنه دعم حرب المملكة في اليمن وسلمهم جزيرتي «تيران وصنافير»، لكنّ تاريخ العلاقات مع السعودية لم يكن دائمًا وديًا.
ووفق ما ترجمت «شبكة رصد»، هذه نظرة عامة على العلاقات المصرية السعودية منذ حكم جمال عبدالناصر وحتى الآن، وما اعتراها من خلافات وتناقضات وتحالفات؛ وهو تاريخ أقلوصف له أنه «مضطرب».
قومية عبدالناصر
اتّسمت العلاقات المصرية السعودية حينها بالتعقيد الشديد، خاصة بعد حركة «الضباط الأحرار» في 1952؛ إذ بدأت العلاقات بين عبدالناصر والسعودية ودية، إلى أن انحاز للاتحاد السوفيتي ودعم القومية العلمانية وأسّس حركة «عدم الانحياز».
وعلى النقيض من عبدالناصر، تحالف السعوديون مع أميركا وبريطانيا، اللذان كانا داعيين قويين للملكية المطلقة والإسلام الوهابي حينها، ويخشان حينها من تصدير عبدالناصر قوميته إلى السعودية والعالم العربي، خاصة وأنها أيديولوجية تهدد النظام الملكي بشدة؛ ما يذكّر بالتخوف الذي اعترى الرياض في أعقاب ثورات الربيع العربي في 2011.
وتجلّى التنافس السعودي المصري وتصاعدت التوترات الأيديولوجية بعد الحرب اليمنية الأهلية من 1962 إلى 1970؛ إذ قاتل «الجمهوريون اليمنيون الثوريون الذين دعمتهم مصر والسوفييت» الملوك اليمنيين المدعومين من السعودية وبريطانيا، واعترفت السعودية في نهاية المطاف بالجمهوريين اليمنيين الذين أعلنوا تأسيس الجمهورية اليمنية عقب ذلك.
ومع ذلك، كانت مدة حرب الثماني سنوات كارثية جدًا لمصر؛ إذ تورّطت بـ75 ألف جندي في حرب اليمن، وذهب المؤرخ «مايكل أورين» في وصفه إلى أبعد من ذلك، مؤكدًا أنّ التورط المصري فيها كان أسوأ من تورط أميركا في حرب فيتنام.
السادات و«إسرائيل»
بعد وفاة عبدالناصر (عام 1970) خلفه نائبه وأحد المقربين منه أنور السادات، الذي كان مؤثرًا إبّان ولاية ناصر وأحد «الضباط الأحرار»؛ وبالرغم من ذلك أجرى «إصلاحات سياسية شاملة» على السياسة المصرية، خاصة الخارجية؛ وابتعد عن سياسة ناصر التي ترى في السعودية تهديدًا محتملًا لقوة مصر.
لكنه في عام 1979 حينما وقع اتفاقية كامب ديفيد مع «إسرائيل» كانت مصر أولى دولة عربية تعقد «معاهدة سلام» مع الكيان الصهيوني؛ ما جعلها عدوًا للسعودية والعالم العربي، ولاقت المعاهدة انتقادات وإدانات واسعة في العالم بأسره؛ وعلى إثرها علّقت السعودية محادثاتها الدبلوماسية مع مصر وطردت القاهرة من جامعة الدول العربية.
وقبلها، وافق السادات على رغبة السعودية بطرد 20 ألف مستشار عسكري سوفيتي من مصر؛ وبعدها مباشرة أغدق عليه السعوديون الأموال على هيئة إعانات وقروض ذات فوائد منخفضة، ومن أجلهم أيضًا ضيّق على جماعة الإخوان المسلمين والمنظمات الإسلامية الأخرى، وهي السياسة نفسها التي تدعمها السعودية؛ ما ساهم في علاقات أكثر دفئًا بين القاهرة والرياض.
لكنّ معاهدة «كامب ديفيد» قضت على هذه العلاقات وانتهت باغتياله على يد الملازم في الجيش «خالد الإسلامبولي» في عام 1981؛ لينهي عصرًا من التوتر بين القاهرة والرياض، وتعود مصر مرة أخرى متناغمة معها أثناء حكم حسني مبارك.
عهد مبارك
اتسمت رئاسة مبارك الطويلة للغاية بعلاقات هادئة مع الرياض؛ إذ لم يعد منافسًا سياسيًا أو أيديولوجيا للمملكة، كما لم تعد مصر الدولة العربية الوحيدة التي تقيم علاقات مع الكيان الصهيوني كما كان أيام السادات.
وكان قرار مبارك بالاشتراك مع السعودية وأميركا في معارضة غزو العراق للكويت في أغسطس 1990 قاسمًا مشتركًا، وقدّم صورة أكثر ارتياحا للعلاقات بين البلدين. وفي خطوة لم يسبق لها مثيل، أرسل مبارك 35 ألف جندي مصر للدفاع عن الكويت ضد العدوان العراقي. وفي المقابل، قدّم السعوديون والدول العربية النفط إلى مصر ومزيدًا من المساعدات المالية.
وأثناء ثورة يناير 2011، التي أطاحت بالديكتاتور مبارك، قدّمت السعودية الدعم الكامل لمبارك، وتخوّفت بشكل مبالغ فيه من دخول مصر مرحلة الديمقراطية؛ وهو ما سينتقل إليها في نهاية المطاف، وهو السبب الذي جعل الملك السعودي الراحل الملك عبدالله يعبّر عن دعمه لمبارك.
وقالت وكالة الأنباء السعودية، نقلًا عن عبدالله حينها، إنّه «لا يمكن لأي عربي أو مسلم أن يتسامح مع أي تدخل في أمن مصر العربية الإسلامية واستقرارها تحت مسميات حرية التعبير».
ثورة يناير وصعود مرسي للحكم
بعد ثورة يناير 2011 ضد نظام حسني مبارك، اُنتُخب محمد مرسي، الذي كان عضوًا بجماعة الإخوان المسلمين، أول رئيس مدني. وفي رحلته الخارجية الأولى في يوليو 2012، اختار المملكة العربية السعودية وجهة له؛ لتهدئة مخاوفها والتخفيف من الادعاءات التي تقول إن مصر ستصدّر ثورتها للمملكة.
وأكّد مرسي التزام مصر بأمن السعودية وحلفائه العرب الخليجيين، في إشارة خفية إلى التوتر بين السعودية وإيران، وأثنى على الملك الراحل عبدالله قائلًا إنه يتحدث بحكمة ومعرفة ويكنّ المحبة للشعب المصري.
لكن، بالرغم من ذلك، لم يستطع مرسي تجنّب غضب السعودية؛ فأطيح به في انقلاب عسكري في يوليو 2013 بقيادة عبدالفتاح السيسي، وزُجّ به في السجن وحوكم في تهم واهية؛ تتضمن «تجسسًا لصالح قطر، الهروب من السجن، تسريب وثائق سرية تخص الأمن القومي وخلافه»؛ ومنذ الإطاحة به قبض النظام المصري على عشرات الآلاف من أعضاء جماعة الإخوان وحاكمهم، بينما يواجه كبار قادة الحزب عقوبة الإعدام أو السجن مدى الحياة.
السيسي والسعودية
تنظر السعودية حاليًا إلى القاهرة باعتبارها حليفًا مهمًا؛ فالسيسي منافس قوي لجماعة الإخوان المسلمين التي كانت في توتر دائم مع المملكة بشأن قضايا لها علاقة بعلاقات الإخوان الودية مع قطر وإيران.
وقبل ثورات الربيع العربي في 2011، عبّرت الرياض مرارًا عن قلقها من أنّ جماعة الإخوان تدعم الجماعات الإسلامية في شبه الجزيرة العربية الذين يحاولون الإطاحة بآل سعود من حكم المملكة. وبانتخاب محمد مرسي رئيسًا لمصر في 2012 أصبح الإخوان فاعلًا رئيسًا ونموذجًا ديمقراطيًا يمكن أن تحتذي به بقية الدول العربية؛ وهو الدور الذي لم يرغب فيه السعوديون.
وبعد الانقلاب بساعتين، أصدر الملك عبدالله بيانًا يؤيد فيه تحركات عبدالفتاح السيسي، ولاقت حملته ضد الإخوان ثناءً سعوديًا وإمارتيًا خاصًا. وليتقرب السيسي من السعوديين أكثر، منحهم جزيرتي تيران وصنافير، كما زار الملك سلمان مصر في 2016 ووقّع اتفاقيات تجارية معها.
قيادة المنطقة
تاريخيًا، أدى السعوديون والمصريون دورًا رائدًا في العالم العربي. ومع ذلك، لا يمكن أن يكونا قائدين في الوقت نفسه؛ ويبدو أن مصر تفقد دورها القيادي الذي تمتّعت به في الستينيات والسبعينيات؛ إذ تضاءلت قوتها ونفوذها بسبب ضعف النمو الاقتصادي وتزايد أعداد السكان بشكل متسارع، والاعتماد على المساعدات الخارجية.
وهو ما جعل السعودية تتفوق على مصر وتحتل دورها الريادي؛ خاصة في عصر السيسي، الذي اعتمد عليهم في المساعدات بشكل مبالغ فيه. ولتغيير الأمور؛ على مصر أن تفكر في تحسين الوضعين الاقتصادي والاجتماعي، وأن تتخلى عن المساعدات الخارجية وتصبح مستقلة بشكل أكبر. لكن، على كل، مصر في موقف صعب للغاية.