في آخر شهر فبراير المنصرم، سارع «سعيد المصري» إلى موقع انفجار في بلدة «سقبة» بالغوطة الشرقية؛ ليرى منزله دُمّر تمامًا، ثم أدرك أن ابنه «يحيى» وزوجته داخل المنزل؛ لكنه لا يستطيع وصف المشهد: «رأيت أطفالًا تحت الأنقاض».
وأضاف، لـ«الجارديان» وفق ما ترجمت «شبكة رصد»، أنه كان ينتظر مولوده الوحيد لمدة أربع سنوات بعد زواجه، خاصة وأن ابنتين له توفيتا بعد الولادة بوقت قصير؛ وبمجرد وصوله منزله المدمر وصعوده الدرج وجد ابنه ينزف وبجانبه أمه تصرخ، وشرع في نقل الطفل إلى المركز الطبي، ثم عاد إلى مكان الحادثة لمساعدة باقي الجرحى.
«سعيد» أحد أفراد «الخوذ البيض»، وهم مجموعة متطوعة للدفاع المدني ويبحثون بين الأنقاض للإنقاذ؛ بعد قصف الحكومة السورية وحلفائها المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في الغوطة الشرقية، ويمتلكون كاميرات في خوذهم لتوثيق هذه اللحظات الدامية.
وفي الغوطة قرابة 400 ألف مدني محاصرون منذ عام 2013، وسمّيت المنطقة من قبل «سلة طعام دمشق»؛ لكنها تشهد أسوأ هجوم كيميائي، قتل فيه نحو مائة شخص بعد قصفهم بغاز السارين، وتضاعف العنف فيها على مدار الثلاثة أشهر الماضية. وقالت وكالات الأنباء الحكومية إنّ النظام السوري يستعد حاليًا لهجوم بري، وفي الأيام السابقة وحدها، منذ بدء القصف، قُتل أكثر من 500 مدني؛ ما أدى إلى إدانة أممية لنظام بشار الأسد.
أمور محيّرة
وتركت أحداث العنف في الغوطة قوات الإنقاذ المدني في حيرة من أمرهم؛ فمن ناحية لديهم عائلات في المنطقة ومطالبون في الوقت نفسه بإنقاذ آخرين، كما يتعرضون للقتل أيضًا؛ ففي الشهر الماضي قتل عشرة منهم، بينهم اثنان في الغوطة الشرقية، وقتل نصف هذا العدد أثناء إنقاذهم الناس، وأصيب ثمانية آخرين، بينهم اثنان أصيبوا في هجوم بالكلور يوم الأحد الماضي.
كما تعرّض أصحاب الخوذ البيضاء أيضًا إلى حملات تشويه ممنهجة على وسائل التواصل الاجتماعي، وحيكت عنهم نظريات مؤامرة عدة، واتهموا بتبعيتهم لتنظيم القاعدة. لكنّ هناك أدلة على أنهم عملوا أيضًا في المناطق التي تسيطر عليها القوات الحكومية، لإنقاذ الناس؛ ما يبدد الشائعات عنهم.
وقال «منير مصطفى»، نائب رئيس منظمة الخوذ البيضاء، إنّ المتطوعين عُبّئوا في الغوطة الشرقية ويعملون بشكل يومي، غير أنهم لا يستطيعون مواكبة القصف الهستيري، كما يطالهم القصف أيضًا.
خطة لمزيد من القتل
وأدانت جماعات حقوق الإنسان مرارًا وتكرارًا استخدام «استراتيجية القصف المزدوج» للإيقاع بأقصى عدد من الضحايا، ولم يستطع «سعيد» وأصدقاؤه تقديم المساعدة سوى القليل.
وأضاف منير: اشتكينا مرارًا للعالم، ولم يرد علينا أحد؛ فالشاشات تعرض كل شيء بشكل يومي، لكن لسوء الحظ لا يأتي أحد لمساعدتنا.
وأصدر مجلس الأمن الدولي قرارًا يطالب بوقف إطلاق النار في الغوطة الشرقية لمدة 30 يوما؛ لكن بشار الأسد ورعاته الروس والإيرانيين ما زالوا يواصلون الهجمات بزعم محاربة الإرهابيين. وفي الساعات التي تلت إصدار قرار مجلس الأمن، قتل 36 شخصًا مدنيًا؛ بالرغم من مطالبة المجلس بتطبيق القرار دون تأخير.
وبدلًا من ذلك، أمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بتوقف القصف لمدة خمس ساعات يوميًا فقط، من الساعة التاسعة صباحا حتى الثانية مساء، وأعلن وزير الدفاع الروسي استعداد بلاده للتخفيف من المعاناة داخل الغوطة على المدنيين؛ لكنّ روسيا لم توقف القصف بالرغم من ذلك.
وقال عامل إنقاذ آخر (لم يرد ذكر اسمه) إنّ النظام السوري وحلفاءه الروس يواصلون محاولة تدمير المجتمع، وبعد اتفاق الأمم المتحدة استخدموا أسلحة لم تستخدم في الأيام الماضية؛ إذ استخدموا الكلور والفوسفور، وارتكبوا مجازر جديدة في حق الأطفال والنساء، ولا تستطيع قوات الإنقاذ المدني إنقاذ الضحايا من بين الأنقاض، بينما تغرق الشوارع بالدم ومشاهد الدمار.
ويضيف سعيد المصري: لا أستطيع أن أقول شيئًا سوى: «اللعنة على العالم كله، الله معنا وهو الحامي».
