يوم تلو الآخر تنكشف الأهداف السعودية والإماراتية في اليمن منذ قيادتهما حربًا داخله في 26 مارس 2015م؛ وظهر مع وضع الإمارات يدها على أرخبيل سقطرى وجزيرة ميون، وابتلعت السعودية 42 ألف كيلومتر مربع من الأراضي في محافظة حضرموت.
ولم يعد معسكر الخراخير، أو الخرخير كما سمته الرياض في صحراء الربع الخالي، الحدّ الفاصل بين اليمن والسعودية وفق معاهدة جدة عام 2000م؛ إذ اقتلعت السلطات السعودية أعمدة الأسمنت التي وُضعت علامات حدودية بين اليمن والمملكة في الصحراء، من جوار معسكر الخراخير في محافظة حضرموت، ونقلها مسافة 700 كم إلى مثلث الشيبة على حدود عمان؛ لتغرسها ثانية داخل محافظة حضرموت بعمق 60 كم من العلامات الحدودية السابقة، مقتطعة بذلك 42 ألف كم مربع من الأراضي اليمنية.
عثرة الخراخير
وتتقاطر شاحنات من غرب نجران محملة بالخرسانة لاستحداث طريق في شمال محافظة حضرموت بطول 700 كم، بعدما تركت السلطات السعودية رمال صحراء الربع الخالي تزحف على الطريق الأسفلتي السابق حتى طمرته، ووزعت عشرات الجرافات على امتداد الطريق الجديد لمواجهة زحف الرمال.
وقال مغتربون عملوا هناك إنّ السلطات السعودية في سعيها لإخفاء معالم جريمتها لم يتبق لها سوى قرية الخراخير، التي تنتصب مساكنها في قلب الصحراء ويقطنها أكثر من ستة آلاف يمني يتحدثون اللغة المهرية وينتمون إلى عشائر المنهالي والعوامر والمهري.
ومنعت السلطات السعودية سكان قرية الخراخير من بناء مساكن جديدة، وعرضت عليهم التنازل عن مساكنهم القائمة مقابل مبالغ مغرية، والانتقال إلى منازل بديلة جُهّزت لهم كمدينة سكنية في منطقة الشقق بداخل نجران، على بعد 120 كم من القرية الحالية.
لكن كثيرين منهم رفضوا التنازل؛ فأغلقت السلطات مدارس الخراخير الثلاث، وحرمت أطفالها من التعليم، ومن سبق له الالتحاق بصفوفها عليه الذهاب إلى شرورة، على مسافة 501 كم غرب قريتهم، وهناك يحظر على المعلمين التحدث بلغتهم المهرية حتى فيما بينهم، ويطلب منهم التحدث بالعربية، لغة التعليم في المملكة.
ولم تفلح ممارسات التعسف في طمس هوية الخراخير اليمنية، التي تظل العلامة الأبرز للحد الفاصل بين اليمن والمملكة، وسط رمال الصحراء المتحركة ووفق معاهدة جدة؛ ليصدر في مطلع العام 2015م أمر ملكي انحصر تداوله في نجران وصحف محلية، وقضى بـ«إلغاء محافظة الخرخير، ونقل تبعية المراكز التابعة لها إلى مواقع أخرى بمنطقة نجران».
تهجير بالقوة
يحمل سكان قرية الخراخير وثائق هويتهم اليمنية، وتطالبهم سلطات المملكة بالتنازل عنها مقابل منحهم الجنسية السعودية؛ وبسبب رفضهم حُرموا من الحصول على أعمال ووظائف في المملكة، وهم يتسلمون من السلطات السعودية سلالًا غذائية كفقراء ومعدمين، وكل ما لديهم للسماح لهم بالتنقل على أراضيها بطائق «تابعية» من الدرجة الثانية يلزمهم تجديدها نهاية كل شهر.
في مطلع العام الحالي 2017م، قدمت عشرات المدرعات والأطقم برفقة مسؤولين سعوديين من الدفاع والداخلية والشؤون البلدية والقروية لاقتحام قرية الخراخير وتهجير سكانها بالقوة إلى الداخل السعودي، ولم تتراجع الحملة إلا بعد خروج النساء لمواجهتها بالسكاكين والأدوات الحادة من المطابخ.
منفذ إلى بحر العرب
بجوار القرية يوجد معسكر الخراخير الذي أنشأته الرياض أثناء ضعف السلطات في جنوب اليمن وانشغالها بالصراعات قبل الوحدة، لتسلمه للقوات اليمنية في 11 يوليو 2004م، ونقلت وكالة الأنباء السعودية الرسمية «واس» حينها خبرًا جاء فيه: «بناء على توجيهات صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع والطيران والمفتش العام، ووفقاً لمعاهدة جدة لترسيم الحدود بين المملكة واليمن، وذلك الموقف التاريخي الشجاع والحاسم لفخامة الأخ الرئيس علي عبدالله صالح وأخيه سمو ولي العهد الأمير عبد الله بن عبد العزيز يوم الثاني عشر من شهر يونيو عام 2000م، قام رئيس هيئة الأركان العامة الفريق أول الركن صالح بن علي المحيا اليوم، بتسليم مطار البديع في الخرخير ومعسكر القوة والمرافق العامة جنوب خط الحدود الجديد إلى الجانب اليمني، الذي يمثله رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة اليمنية اللواء الركن محمد علي القاسمي. وقد أقيم احتفال بهذه المناسبة، بدأ بعزف السلامين الوطنيين لليمن والمملكة، وتم إنزال العلم السعودي من الموقع وتسليمه لقائد قوة شرورة وتم رفع العلم اليمني. وإثرها، تم توقيع الوثيقة وتسليم المواقع من قبل رئيسي الوفدين».
وتسلم اللواء القاسمي معسكر الخراخير ومطار البديع، وعزز نظام صنعاء بعدها وجوده هناك بلواء عسكري مدرع مع كامل عتاده ومروحيات.
واليوم، تكشف المصادر لـ«العربي» خلو المطار والمعسكر من أيّ وجود للقوات اليمنية؛ عدا ضابط و20 جنديًا يتسلمون وجباتهم الغذائية من القوات السعودية يوميًا وينشطون في تجارة المخدرات، ولا يعترضون على الأشغال التوسعية للشركات السعودية داخل الأراضي اليمنية.
كما تؤكد المصادر أنّ السلطات السعودية تمكنت في أقل من عامين من البسط على مساحات واسعة في ثمود وخراخير بحضرموت والمهرة، ولم يتبق لها إلا بضعة كيلومترات وسيكون لها منفذ إلى بحر العرب.
ضم وإلحاق
على مسافة 60 كم من الطريق الأسفلتي والشريط الحدودي الذي رسمته السعودية مؤخرًا داخل حضرموت، يوجد معسكر قوات «النخبة الحضرمية»، بينما لا تحرك قوات «النخبة» ساكنًا؛ ومهمتها تمكين السعودية والإمارات من ثروات حضرموت ومقدراتها.
وكثير من سكان القرى شمال حضرموت يترددون يوميًا على مراكز سعودية خُصصت لمنحهم بطائق «تابعية»، ويتفاوض شيوخ عشائر مع مسؤولين سعوديين على ضم قراهم للمملكة بمباركة من قيادات معسكر «النخبة». كما تمنح الإمارت حاليًا أبناء للمهرة وثائق الجنسية.
ومن مفرق شرورة بنجران إلى خراخير إلى الأراضي التي ابتلعتها السعودية بحضرموت، مناطق محرمة يمنع الدخول إليها حتى للسعوديين إلا بتصاريح تتفحصها نقاط التفتيش. كما يمنع التصوير هناك حتى بالهواتف النقالة لمن يعملون بداخلها، أعمال حفر واستكشافات نفطية ومد أنابيب تنفذها شركة «أرامكو» التي أدخلت مؤخرًا حفارات إلى شمال حضرموت.
وما بين شرورة وخراخير، توجد قاعدة عسكرية أميركية للطائرات من دون طيار، ومركز دعم وإسناد وخدمات لوجيستية لـ«التحالف» الذي يخوض حربه في اليمن تحت يافطة «إعادة الشرعية».
الإمارات وسرقة الحضارة
وكتب الصحفي المصري عبدالناصر سلامه مقالًا بصحيفة «المصري اليوم»، المقربة من النظام، بعنوان «سرقة الحضارات.. اليمن نموذجًا»؛ هاجم فيه دولة الإمارات وقال إنها تسرق الآثار وحضارة اليمن لتبني لها حضارة مسروقة.
وجاء في مقاله: «إن الآثار الثابتة- إن صحت التسمية- غير القابلة للنقل كانت هدفاً لتنظيم داعش، وتم محو بعضها من على وجه الأرض، وتشويه البعض الآخر، في الوقت الذي كانت فيه الآثار السورية هدفاً للقصف الأرضي والجوي من القوات الأجنبية بمختلف ألوانها، الروسية والأمريكية بشكل خاص، وحتى من الفصائل المسلحة التي من المفترض أنها سورية بالدرجة الأولى، حتى وإن كانت تضم مسلحين أجانب من هنا وهناك».
وأضاف: الآن وفى هذه اللحظة، يمكن أن نقول صدّق أو لا تصدّق، حضارة اليمن يتم نقلها على مراكب وطائرات، الآثار، الشعاب المرجانية، الخناجر، السيوف، الطيور النادرة، كل ما يتعلق بالتاريخ والتراث، حتى الأشجار المعمرة، ناهيك عن شراء العقارات والأراضي، خصوصًا في تلك الجزيرة (سقطرى) المكونة من ست جزر على المحيط الهندى، قبالة سواحل القرن الأفريقى بالقرب من خليج عدن على بعد 350 كلم جنوب شبه الجزيرة العربية».
ويضيف أنّ «الجزيرة تم تصنيفها كأحد مواقع التراث العالمى في عام 2008، ولُقبت بأكثر المناطق غرابة في العالم، كما صنفتها صحيفة نيويورك تايمز الأميركية كأجمل جزيرة في العالم لعام 2010، نظرًا للتنوع الفريد والأهمية البيئية لها وانعكاسها على العالم، تبلغ مساحة الجزيرة نحو 3650 كلم مربعًا، بساحل إجمالي 300 كلم، ويبلغ طولها 125 كلم، وعرضها 42 كلم، كما يبلغ عدد السكان هناك نحو 175 ألف نسمة».
وتابع أنّ «الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي يبدو أنه فطن لذلك متأخرًا، أصدر قرارًا نص على وقف التصرف بأراضي وعقارات الدولة اليمنية في مختلف المحافظات المحررة، تحت أي ذريعة أو اسم، إلا عبر الجهات المخول لها قانونًا وذات الاختصاص، ممثلة في الهيئة العامة للأراضي والتخطيط العمراني، وطلب الرئيس اليمني من رئيس الهيئة العامة للأراضي الإسراع باستكمال دراسة الخطة الاستراتيجية لجزيرة سقطرى تحديدًا، التي تكفل الحفاظ على أراضي الجزيرة بمحمياتها المختلفة، وإيقاف أي تصرفات فيها تحت أي اسم».