ساهم غياب المعارضة عن محادثات «سوتشي للسلام» بشأن سوريا، التي توسّطت فيها روسيا وتركيا وإيران وحضرها 1500 مندوب من جميع الأطراف الفاعلة باستثناء المعارضة والحلفاء الأميركيين بالطبع، في انهيارها؛ وبذلك أصبح حل النزاع السوري الدموي مستعصيًا حتى الآن.
هذا ما يراه الكاتب الصحفي «كريم شاهين» وفق ما ذكره بصحيفة «الجارديان» البريطانية وترجمته «شبكة رصد»، ويؤكّد أنّ أميركا المسؤول الأول والأخير عن تزايد الانقسام داخل الأراضي السورية وغياب المعارضة، وأصبحت جزءًا من المشكلة وجزءًا من الحل.
ففي مقابل تحركات روسيا وتركيا وإيران لوضع حد للمأزق السوري، تحاول أميركا بناء جهودها بهدوء شمال سوريا وشرقها، بالاشتراك مع المليشيات الكردية والقوات العربية بالوكالة؛ وانتهى الأمر بإقامة منطقة تمتد شرق الفرات والجنوب باتجاه الحدود العراقية، تمامًا كما فعلت القوى الإقليمية الأخرى. وتسيطر تركيا ووكلاؤها حاليًا على المنطقة الواقعة شمال حلب، بينما تسيطر روسيا وإيران على وسط سوريا والحدود الشمالية بالقرب من «إسرائيل».
وبالرغم من أنّ الوجود الأميركي الحالي طمأن الحلفاء في السعودية و«إسرائيل»؛ فإنه في الوقت ذاته أشعر تركيا بالقلق، التي تخشى من تهديد التحالف بين أميركا والأكراد لأمن حدودها، كما يخاطر بتعزيز الانقسام داخل سوريا؛ ما يخلق مساحة خارجة عن سيطرة أيّ حكومة سورية مستقبلية، تحت مظلة أمنية أميركية؛ وهو وضع بدوره أبعد فكرة الوصول إلى تسوية سلمية للنزاع السوري أكثر من أي وقت مضى.
أهداف أميركية
واستبعد مصدر سوري يعمل مع الولايات المتحدة في محافظة الرقة التوصّل إلى حل سياسي قبل الاتفاق بين الأطراف الفاعلة في سوريا (أميركا وروسيا وتركيا وإيران والخليج) على مناطق النفوذ، موضحًا أنّه «بمجرد تقسيم الكعكة يمكن الوصول إلى حل سياسي».
وأوضح وزير الخارجية الأميركية «ريكس تيلرسون» أنّ استراتيجية واشنطن بشأن سوريا تهدف إلى تحييد إيران، وملاحقة فلول تنظيم الدولة، والعمل على استقرار المناطق المحررة، ودعم الإدارات المدنية المحلية؛ مؤكدًا أنّ الوجود الأميركي سيكون طويل الأمد؛ لضمان ألا تُكرر الأخطاء التي ارتكبتها أميركا في العراق وحتى لا يعود التنظيم من جديد.
ولتحقيق هذه الأهداف، تحالفت أميركا مع «القوات الديمقراطية السورية»، وتقود التحالف المليشيات الكردية برئاسة «وحدات حماية الشعب»، وهي الشراكة التي أغضبت تركيا، التي تعتبر «الوحدات» الجناح السوري لحزب العمال الكردستاني «جماعة إرهابية»؛ لخوضها تمردًا استمر عقودًا ضد تركيا. وفي الأيام الأخيرة، أعلن البنتاجون عن ميزانيته لعام 2019، ونصّت على وجود ستة آلاف جندي أميركي في سوريا.
قضية رئيسة
وتعتقد تركيا أنّ «وحدات حماية الشعب» تستفيد من المظلة الأمنية الأميركية لإقامة منطقة حكم ذاتي أو دولة مستقلة على طول الحدود مع تركيا، كما يساورها القلق من استمرار الولايات المتحدة في التحالف؛ إذ تسعى واشنطن إلى إعادة بناء هذه الأجزاء من سوريا واستقرارها، والسيطرة على «الوحدات» ومنع امتداد النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط.
وقال مسؤول تركي رفيع المستوي إنّ «القضية الرئيسة للمسؤولين الأميركيين ودول خليجية في الشرق الأوسط هي عرقلة إيران مهما كان الثمن»؛ لذلك الهوس بإيران يدفعهم إلى هذا النهج في السياسة، ما ساهم في أن تصبح سوريا أرضًا للحرب بالوكالة.
بيد أنّ أميركا واصلت العمل مع قوات الدفاع الذاتي وإعادة بناء الجسور المدمرة وتطهير الأراضي من الألغام وإصلاح البنية الأساسية، مع وضع المسؤولين الأكراد في المناصب الإدارية المحلية الرئيسة، كما واصلت تقديم الدعم السياسي والعسكري للتحالف. وقال «سيبان حمو»، القائد العام لوحدات حماية الشعب، إنّ «تعاون قوات الدفاع الذاتي مع التحالف الذي تقوده أميركا في الشمال أمر معروف للجميع»، مضيفًا أنّ «كوباني» كانت نقطة الانطلاق لهذا التحالف لمكافحة تنظيم الدولة.
وأضاف أنّه «بجانب ذلك، هناك علاقات متنامية مع الإدارات السياسية وتنسيق وعمل مشترك في جهود الإعمار والإدارة؛ وليست لدينا أيّ تطلعات أو نية لافتعال مشكلات مع المدنيين في هذه المناطق».
وهذا التعاون أثار انزعاج تركيا، التي قادت الشهر الماضي حملة عسكرية على عفرين؛ مستهدفة فيها «وحدات حماية الشعب»، ثم هددت بعدها بمهاجمة «منبج» التي توجد فيها القوات الأميركية. لكنّ هذا التهديد لم ينطلق إلا بعد إعلان أميركا نيتها بناء قوة حدودية قوامها 30 ألف جندي لأداء دوريات على الحدود السورية لاستهداف تنظيم الدولة.
وهذا الدور الأميركي جعلها جزءًا من المشكلة السورية وجزءًا من الحل أيضًا، وأكّد مسؤول تركي رفيع المستوى أنّ الأزمة السورية مختلفة عن غيرها؛ فالقوى العظمى والإقليمية تشارك فيها، ويبدو أنه لا نهاية لهذه الحرب على الأقل لسنوات قادمة.