في أحد مخيمات اللاجئين اليمنيين الذي تجتاحه الرياح الشديدة، كانت سيدة تدعى «ليمي» تقبل يدها بصحبة أطفالها التسعة، امتنانا للحصول على مساعدات قدمتها لهم المملكة العربية السعودية.
تقول شبكة «إيه بي سي» الأميركية، في تقرير ترجمته «رصد»، إن المفارقة، هو أن منزل السيدة تم تدميره بالكامل في إحدى الغارات الجوية التي شنتها السعودية بالقرب من بلدة «سيروة» على بعد نحو 30 كيلومترا من المخيم الموجود في محافظة مأرب.
تعكس قصة «ليمي» وجهى المملكة العربية السعودية، التي تعمل بهما في حربها في اليمن التي دامت حتى الآن لنحو 3 سنوات، وتقول السعودية، إنها أنفقت ما يقرب من مليار دولار كمساعدات في اليمن، فيما يعتزم شركاؤها إنفاق 1.5 مليار دولار أخرى.
في الوقت نفسه، فإن الحملة التي تقودها السعودية ضد المتمردين الحوثيين الشيعة في اليمن، كانت سببا رئيسيا في الكوارث التي أصابت أفقر بلدان العالم العربي.
ووفقا للمنظمات الحقوقية الدولية والأمم المتحدة، فإن غارات السعودية استهدفت بشكل رئيسي مرارا وتكرارا، الأسواق والمرافق الطبيعة والمطاعم والأهداف المدنية، وهو ما أثار موجة انتقادات دولية ضدها، وقالت الأمم المتحدة، وجماعات حقوق الإنسان، إن حصار التحالف السعودي على الموانئ الواقعة تحت سيطرة الحوثيين، كان عاملا رئيسيا في دفع البلد نحو حافة المجاعة.
غير أن مسؤولي الإغاثة السعوديين، أكدوا أن دورهم لا علاقة له بالمعارك السياسية الجارية، مؤكدين أنهم يحاولون أيضا إدخال المعونات إلى الأراضي التي يسيطر عليها الحوثيين.
ويقول «الله الوادي»، مساعد مدير المساعدة الطبية والبيئية في مركز الملك سلمان للإغاثة الإنسانية، إنهم جيراننا، وقبل ذلك فإنهم بشر.
وحتى قبل الحرب، كان اليمن من أفقر بلدان العالم العربي، وأحد أكثر الأماكن ندرة في العالم، ومنذ الحرب في 2015، تم الدفع بنحو 28 مليون شخص يمني إلى حافة المجاعة، وأدت حالة المياه السيئة واختلاطها بمياه الصرف الصحي، إلى تفشي وباء الكوليرا، والذي قضى على آلاف اليمنيين.
واستطاعت السعودية منذ حربها في 2015، أن تدمر بغاراتها الجوية، ميناء الحديدة الذي يسيطر عليه الحوثيون، على البحر الأحمر، وهو المنفذ الرئيسي الذي تعتمد عليه اليمن في استيراد أكثر من 90% من احتياجاتها الغذائية، ويحتفظ التحالف حاليا بالوضع الحصاري الذي فرضه على الميناء، مبررة ذلك لدرء توريد الأسلحة إلى الحوثيين.
وطالبت جماعات حقوقية مثل المجلس النرويجي للاجئين، السعودية بالسماح للواردات التجارية أن تمر دون عوائق، من أجل تخفيف الأزمة الإنسانية، إلا أن التحالف يقول إنه يريد زيادة قدرة الموانئ على الاستيراد، لكن ليس من الواضح ما إذا كان الحوثيون سيتعاونون، كما يتهم المسؤولون السعوديون أيضا الحوثيين بتحويل أو سرقة المساعدات.
فيما قال برنامج الأمم المتحدة الإنمائي: «إن اليمن يتم تمزيقه ببطء، ويتعرض الملايين هناك لخطر الموت بسبب الجوع والكوليرا، وأي تصعيد بسيط للنزاع الدائر حاليا سيقود أفقر بلد إلى أزمة إنسانية تفوق أزمتها الحالية».
ولتسريع عملية الاغاثة، نظم السعوديون نحو 20 رحلة مساعدات بطائرات أميركية من طراز C-130، وقال «فهد العصيمي» مدير المساعدات العاجلة لدى مركز الملك سلمان، إن المساعدات تشمل الأرز والدقيق والسكر والملح والزيت والفاصوليا وغيرها من المواد الغذائية بجانب أغطية وخيام وسجاد وغيرها من المواد اللازمة.
وقال العصيمي، إن محافظة مأرب تعد من أكثر المحافظات أمنا الآن في اليمن، وأيضا هناك آمنون في صنعاء رغم سيطرة الحوثيين عليها، وهم بحاجة إلى المساعدات أكثر من أي شخص، بجانب الذين أجبروا على ترك منازلهم.
كما يقدم السعوديون المعونات إلى الأماكن التي يسيطر عليها الحوثيون، من خلال صناديق غير مميزة بأية علامات تشير إلى السعودية، ويتم توزيعها من قبل الشركاء المحليين هناك، وتوزع في ثصنعاء ومناطق الشمال والكثير من المناطق الوسطى والساحل الغربي للبحر الأحمر.
ومنذ مايو 2015، وحتى يناير الماضي، أكد مركز الملك سلمان للإغاثة الإنسانية، أنه أنفق نحو 854 مليون دولار كمساعدات لليمنيين، ومعظمها أنفقت على الرعاية الصحية والغذاء، وفي يناير، أعلنت المملكة عن تقديم التحالف 1.5 مليار دولار أخرى كمساعدات إنسانية جديدة؛ لتوزيعها من خلال وكالات الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة الأخرى.
وقال مسؤولون سعوديون، إن الأولوية في الرعاية الطبية للجنود الجرحى الذين يدعمون الحكومة والمدنيين المعترف بهم دوليا، وفي مستشفى يمولها السعوديون دخل محافظة مأرب، يقوم العاملون بتركيب أطراف صناعية للذين فقدوا أطرافهم في الحرب، وقسم مرضاهم إلى جزأين المدنيين والعسكريين؛ حيث تتهم الأمم المتحدة، الحوثيين بزرع الألغام الارضية، كما تتهم والتحالف باستخدام القنابل العنقودية التى يمكن أن تبقى لفترات طويلة قبل أن تقتل وتشوه المدنيين.
وقالت «حيدا علي الناصري»، 26 عاما، والتي تعمل في قسم الأطرف الاصطناعية في المستشفى، إن معظم الجرحى من النساء والأطفال والشيوخ والعسكريين.
ولاحظ محرر «ABC»، وجود جندي تابع للحكومة اليمنية المعترف بها، ينتظر دوره لتركيب طرف صناعي بعد بتر رجله في اشتباك مع الحوثيين بالقرب من صنعاء.
وردا على سؤال حول النزاع الدائر حاليا، قال إنه يعتقد أن لا أحد في حاجة إلى استمرار تلك الحرب، غير أنهم طردونا من منازلنا لذا توجب علينا محاربتهم- يقصد الحوثيين.
وأقيمت مخيمات مؤقتة للاجئين في جميع أنحاء محافظة مأرب، ويوجد بها حاليا نحو مليوني نازح، وذكرت المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة، أن نحو 112 مخيما مؤقتا أقيمت في محافظة مأرب وحدها، وتضم نحو 35% من سكان اليمن.
وفي أحد المخيمات التي تعيش فيها «ليمي»، يستقبل الرجال اليمنيون الذين يحملون بنادق كلاشنيكوف، وخناجرهم التقليدية عمال الإغاثة السعوديين؛ حيث يصطف سكان المخيم للحصول على المساعدات.