تشهد الساحة اليمنية، تغيرات جذرية في شكل التحالفات وموازين القوى، خلال الفترة الأخيرة، وكانت أحداث عدن أبرز تداعياتها، بانقسام ضرب التحالف القائم بين قوات المجلس الانتقالي وقوات الشرعية اليمنية، خلافا لحربهم الموحدة سابقا ضد جماعة أنصار الله «الحوثيين».
ويثير الخلاف الذي نشب مؤخرا بين المجلس الانتقالي المدعوم من الإمارات، وقوات الشرعية المدعومة من السعودية التي تقود التحالف، اسئلة حول تأثير هذا التباين في الساحة اليمنية على المصالح الإماراتية والسعودية، وكيف تلعب أبوظبي دورا في تغيير مسار الحرب في اليمن، ودور المملكة أمام ما يمكنه أن يهدد مصالحها وأمنها.
الانفصاليون أداة الإمارات
استغلت الإمارات رغبة الجنوبيين في الانفصال، واستخدمتهم لتحقيق مصالحها في اليمن، فقدمت لهم الدعم المالي والأسلحة، لتكون قوات تابعة ولاءاتها لأبوظبي تسيطر من خلالها على المقار الإستراتيجية، والموانئ وغيرها.
وبحسب تقارير إعلامية، فإن قادة جنوبيين يتخذون من أبوظبي مقرا لهم، كما حصلت قواتهم على تسليح وتمويل من الإمارات، فمنذ اليوم الأول لدخول التحالف صراعه في اليمن، كانت أعين أبوظبي على مناطق الجنوب، وتحديدا المناطق القريبة من الموانئ الحساسة مثل ميناء عدن الإستراتيجي.
وبرزت تلك الصفقة التي عقدها الجنوبيين مع أبوظبي، من خلال معارك عدن والتي تفجرت بها الأوضاع خلال الأسبوع الماضي، وشهدت أحداثا متلاحقة، سيطرت من خلالها قوات الحزام الأمني على المقار الحكومية وكامل المدينة، في وقت تقف السعودية متفرجة على الأحداث، وتكتفي بتصريحات وبيانات، تكشف عن تراخٍ وموافقة إما ضمنية أو اضطرارية لمطامع أبوظبي.
ومن جهته، اعتبر المحلل السياسي خليل المقداد، أن الأوضاع التي آل إليها اليمن، وآخرها أحداث اليمن، تتحمل السعودية والإمارات مسؤوليتها؛ حيث حاولتا السيطرة على الأوضاع إلا أن الأمر خرج عن سيطرتهم.
وقال المقداد، في تصريح لـ«رصد»، إن الإمارات تستخدم أداوت محلية ومرتزقة، وهو ما اعتبره سيكون سببا في خروجها دون مكسب في اليمن، لافتا إلى أن «حماية المصالح تحتاج إلى قوة على الأرض، وهذه الأداوت التي تستخدمها أبوظبي قد تنقلب عليها في أي وقت خاصة وأن هذه الحرب لم تقدم لليمنيين إلا الموت والمرض والتشريد والخراب».
وتستمر قوات المجلس الانتقالي الجنوبي، في انتشارها المكثف بمدينة عدن معززة بالدبابات والآليات العسكرية، بعد أن باركتها القوات الإماراتية وحسمها اشتباكات عدن بتدخلها فيها عن طريق الطيران الحربي الإماراتي.
السعودية تحاول الخروج من المأزق
السعودية، لعبت في بادئ الأمر، دور التهدئة في اشتباكات عدن، إلا أنها مؤخرا انتقلت لمربع آخر وهو تثبيت أركان المجلس الانتقالي في عدن، فوفد قيادة «التحالف» الذي زار عدن عقد سلسلة لقاءات لمتابعة تنفيذ بنود «التسوية» التي جرى التوصل إليها بين «الشرعية» و«المجلس الانتقالي»، إلا أن هذه اللقاءات تعزز ما وصلت إليه قوات الحزام الأمني من سيطرة في اليمن.
المقداد، رأى أن «ما يحدث في اليمن، هو ورطة أكثر من تقاسم مصالح، فالإمارات تحاول توريط السعودية، وفي المقابل تستغل الأحداث وتسيطر على أهم المراكز الحيوية والإستراتيجية من موانئ وأراضٍ»، موضحا أنها تفعل ذلك من خلال «شراء الولاءات لشيوخ القبائل وسياسيين وإعلاميين، وتقدم لهم المال والسلاح».
أما عن الموقف السعودي، فأشار المقداد إلى أن الرياض، متورطة في اليمن، ولا يمكنها التقدم أكثر من ذلك، وإنها «بالكاد تحاول حماية حدودها»، مضيفا أنه «لن تجني الإمارات ولا السعودية أية مكاسب، بل على العكس، فاليمن مستنقع للدولتين، وقد نرى انعكاسات سلبية داخليا».
ولفت المقداد إلى أن الصراع في اليمن تحكمه أيضا قوى دولية بعيدة عن الإمارات والسعودية، فإيران تصرح دوما بدعم الحركات التحررية في اليمن، إضافة إلى الموقف التركي والأميركي والغربي.
تقسيم اليمن
تشير كل الترجيحات والتحليلات السياسية إلى أن اليمن، يتجه إلى التقسيم بقوة، فقوات جماعة أنصار الله تسيطر على الشمال، وقوات التحالف فشلت في حلحلة الأوضاع والتقدم أمام التقدم الحوثي المدعوم إيرانيا، وفي الجنوب تنازع الإمارات قوات الشرعية، وتسيطر من خلال الحزام الأمني على قطاعات واسعة، في الوقت التي تقف حكومة الرئيس اليمني عبدربه هادي منصور، مكتوفة الأيدي، وتقدم الانفصاليون وسيطرتهم على عدن.
واعتبر الباحث السياسي اليمني ياسين التميمي، أن «أحداث عدن الأخيرة كشفت طبيعة المخطط الذي يحاول التحالف السعودي الإماراتي تمريره في اليمن؛ وهو مخطط جوهره التقسيم وإعادة اليمن إلى ما كان عليه قبل 22 مايو 1990؛ وربما إلى وضع أكثر تفككا».
وأوضح التميمي، في تصريح لـ«رصد»، أن رد الحكومة وقوات الشرعية على قوات المجلس الانتقالي، تسبب في «وضع التحالف في مأزق حقيقي لا يستطيع المضي قدما في جني المكاسب السياسية لحرب عدن الأخيرة والتي تجلت في محاولة اقتطاع جزء مهم من الحقائب الوزارية في الحكومة لصالح ما يسمى المجلس الانتقالي الجنوبي».
الباحث السياسي، تحدث عن انعكاسات سلبية قد تؤثر على مصالح الإمارات والسعودية السياسية والاقتصادية والإستراتيجية، جراء المضي قدما في المخطط الذي أشار إليه، إلا أنه رأى أنه «ليس هناك ضمانات من إمكانية أن تنحدر العلاقات السعودية الإماراتية إلى مستويات خطيرة».
وأوضح التميمي أن هناك معلومات «تتحدث عن رغبة المملكة في التخلص من الترتيبات التي أفضت إلى هذه الفوضى والإخفاق في اليمن».
يذكر أن محاولة المجلس الانتقالي السيطرة على عدن والجنوب، ليست وليدة هذه الحرب التي بدأت منذ 3 سنوات ولم يظهر في الأفق قرب نهايتها، ولكن يسعى الانفصاليون الجنوبيون إلى إعادة دولة اليمن الجنوبي المستقلة التي اتحدت مع اليمن الشمالي في عام 1990.
ومن جهته، أشار الكاتب اليمني عبدالله الرحبي، إلى أنه بعد أحداث عدن «تغيرت المعادلة اليوم… سلطة شرعية في المنفى… وسلطة أمر واقع في صنعاء… وأخرى في عدن».
وقال الرحبي، عبر منشور في «فيسبوك»: «تغيرت خارطة المفاوضات القادمة، وهذا ما ذهبنا له في منشور قبل أيام وأكدت أن أحداث عدن تكتيك لفرض قضية انفصال الجنوب في أجندة أية مباحثات قادمة، بعد تغييب المؤتمر والإصلاح كأبرز المعارضين للانفصال، وشريكي حرب الدفاع عن الوحدة، إلى جانب هادي، الذي سيتم الإطاحة به قريبا».
وتابع: «لتكتمل بعد ذلك صورة المشهد لخارطة اليمن الجديد، التي رسمتها بريطانيا وينفذها تحالف العدوان الخليجي على اليمن، وسيتم التسوية السياسية عليها برعايه بريطانية… وهي تسوية تستهوي جميع الأطراف الفاعلة، فلنودع حلمنا الوحدوي، ومخرجات الحوار المؤسس لدولة مدنية ديمقراطية… قضي الأمر الذي كنتم عنه تستفتيان».