بالرغم من فقدان تنظيم الدولة «دولة الخلافة» التي أعلنها في 2014م، وفقدانه أراضي يمتلكها؛ لا يمكن للولايات المتحدة أن تعلن هزيمته بشكل كامل، وفقًا لتحليل «روبن سيمكوكس»، الزميل بمؤسسة مارجريت تاتشر والمتخصص في تحليل الإرهاب وقضايا الأمن القومي، بصحيفة ناشيونال إنتريست الأميركية المعنية بالاستراتيجيات العسكرية وترجمته «شبكة رصد».
والآن، يمتلك التنظيم ملاذات آمنة تمكّنه من العودة ربما بشكل أكبر، وحتى إذا التزمت أميركا بوجود دائم في سوريا من أجل منع عودته فسيناريو أفغانستان من الممكن أن يتكرر. فبالرغم من وجود القوات الأميركية هناك لأكثر من عقدين؛ لم تتمكن من هزيمة تنظيم القاعدة بشكل كامل.
وتعهّد ترامب أمام مؤيديه في أبريل 2016: «سنهزمهم سريعًا، لديّ خطة كبرى من أجل ذلك؛ لكني أفضل ألا أتحدث عنها»، وهو التعهد الذي تشكك فيه كثيرون. لكن، بعد مرور عام على توليه رئاسة الولايات المتحدة، تغيّرت الحقائق على أرض الواقع في سوريا والعراق؛ إذ فقد تنظيم الدولة السيطرة على الموصل (ثانية كبرى مدن العراق) في يوليو 2017، وبعدها بثلاثة أشهر سقطت عاصمتها في الرقة، وتراجع مقاتلون له إلى دير الزور (شرق سوريا)، وفي نوفمبر 2017 اختفى ضجيج دولة الخلافة التي أعلن عنها أبو بكر البغدادي في 2014.
وقال أيضًا في الخريف الماضي: «جنبا إلى جنب مع شركائنا، حققنا مزيدًا من التقدم ضد هؤلاء الأشرار في الشهور القليلة الماضية، أفضل مما تم في السنوات القليلة الماضية». وبناءً عليه؛ هل كان ترامب محقا؟ هل كانت هناك خطة سرية بالفعل؟ وهل هزم داعش الآن؟
التغييرات التكتيكية
انخرطت الولايات المتحدة في الحرب ضد داعش قبل مجيء ترامب إلى الرئاسة، وعملت مع الشركاء المحليين على استعادة الأراضي التي اكتسبها في العراق وسوريا، وقادت ضربات جوية عديدة لتنفيذ هذه المهمة، وكان التقدم حينها بطيئًا. وبعد أيام من تنصيبه رئيسًا؛ وقّع ترامب أمرًا تنفيذيًا يطلب فيه تقديم مراجعة من البنتاجون بشأن كيفية هزيمة تنظيم الدولة.
ووصف ترامب هذه الخطة بأنها سرية، وبدأت بالفعل التغييرات في التكتيكيات تظهر، وأوضح وزير الدفاع «جيمس ماتيس» أنّ ترامب فوضه بالتحرك بشكل صحيح وفي الوقت المناسب، وإطلاق هجمات ضد نقاط ضعف العدو، والسماح للحلفاء بشن هجماتهم أيضًا وتقديم المساعدة للقوات الأميركية على الأرض والعكس.
ويقول مسؤولو الإدارة الأميركية إنّه على سبيل المثال، في مارس 2017 عندما طالبت القوات الديمقراطية السورية المدعومة من الولايات المتحدة، وهي وحدات الحماية الشعبية وقوات الدفاع الذاتي التركي وقوات عربية أخرى تقاتل معهم، بقيادة هجوم مفاجئة في منطقة بالقرب من نهر الفرات يسيطر عليها تنظيم الدولة وافقت أميركا على الفور، وساعدت مقاتلي قوات الدفاع الذاتي في الهجوم؛ وكانت هذه نقطة الانطلاق نحو الرقة.
وقال «ماتيس» إنّ هناك تغييرًا آخر حدث، وهو العمل على استنزاف تنظيم الدولة بشكل مستمر، ومنع تدفق المقاتلين، والعمل على حصارهم في مناطق آمنة للقوات التي تقاتلهم؛ حتى تتمكن من إبادتهم عن بكرة أبيهم، وكان الغرض من ذلك منع تدفق المقاتلين إلى التنظيم.
وبالفعل توقف تدفق المقاتلين إلى تنظيم الدولة، كما لم يستطع كثيرون منهم الهرب. وكما أكّد رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال «جوزيف دانفورد» بأنهم لا يرون أعدادًا كثيرة من المقاتلين الأجانب يخرجون من سوريا والعراق، والأرقام صغيرة للغاية؛ غير أنه من الممكن أن يكون جزءًا منهم هرب عبر تركيا أو إلى مناطق نائية في العراق وسوريا.
وكان هناك تغيير إضافي، تمثّل في تغيير دور القوات الأميركية في الهجمات القتالية؛ إذ سُمح لشركاء أميركا ببذل مجهود أكبر، وهو ما حدث في الموصل؛ حيث دربت القوات الخاصة الأميركية مقاتلين عراقيين للعمل معهم. وأكد اللواء «ستيفن تاونسند»، رئيس الهجمات العسكرية الأميركية فى سوريا والعراق، فإنهم يعملون بشكل أوثق وأعمق على تدريب التشكيلات العراقية.
استمرار الاستراتيجية
وبالرغم من أنّ التكتيكيات القتالية الأميركية تغيرت، فالاستراتيجية الأوسع التي اتبعها الرئيس السابق أوباما لم تتغير؛ من ضمنها رفض السماح للإرهابيين بالوصول إلى الملاذات الآمنة التي مكّنت الإرهابيين القدماء من تنفيذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر؛ إذ التزمت أميركا بالعمل مع الشركاء الدوليين. إضافة إلى ذلك، زاد الاعتماد على الضربات الجوية وتوفير التدريب والدعم اللوجيستي والاستخباراتي للحلفاء المحليين.
وهو ما ظهر أثره فيما حدث مع قوات الدفاع الذاتي الكردية، التي تشكلت في 2015، وبذلت كثيرًا في الحرب ضد تنظيم الدولة، وتسليح حزب العمال الكردستاني، الذي يسعى حاليًا إلى إنشاء دولة كردية مستقلة.
وتأسس حزب العمال الكردستاني في 2003، ويتبع حزب الاتحاد الديمقراطي، وأنشأ الحزب بعدها بعام جناحًا مسلحًا تمثل في وحدات حماية الشعب، وهي القوة المهيمنة داخل قوات الدفاع الذاتي. وبينما تعتبر الولايات المتحدة وحدات حماية الشهب شريكًا رئيسًا في الحرب ضد تنظيم الدولة؛ فالثلاثة أحزاب «العمال الكردستاني والاتحاد الديمقراطي والعمال الكردستاني» متماشون مع بعضهما بعضًا ومشتركون أيديولوجيا.
الدروس المستفادة
وتحاول إدارة ترامب حاليًا الاستفادة من بعض أخطاء الماضي التي تسببت في عودة تنظيم القاعدة بقوة مرة أخرى إلى العراق بعد الانسحاب الأميركي في 2011، وحاول ترامب تجنب تخلي أوباما عن سوريا؛ تلافيًا للمصير نفسه الذي لاقته القوات الأميركية في العراق.
وفي خطاب ألقاه في «ستانفورد» هذا الشهر، أعلن وزير الخارجية «ريكس تيلرسون» أنّ أهم الدروس المستفادة هو ما حدث في العراق، مضيفًا أنّ أميركا لن تسمح بتكرار ما حدث هناك في سوريا، وذلك عبر الحفاظ على وجود عسكري طويل الأمد حتى التيقن من هزيمة التنظيم بشكل كامل.
وتوقّع تيرلسون أنّ تنظيم الدولة، بعدما فقد أراضيه في الدولتين، سيقود هجمات منفردة أو من الممكن العودة بشكل آخر مرة أخرى. مضيفًا أنّ القوات الأميركية ستؤدي دورًا حيويًا لمنع هذا.
لكنّ الأمر من الممكن أن يبقى، والمثال على ذلك أفغانستان؛ إذ توجد القوات الأميركية هناك منذ قرابة العقدين، وبالرغم من ذلك لم تتمكن من هزيمة تنظيم القاعدة بشكل كامل؛ وهذا السيناريو من الممكن أن يتكرر في سوريا والعراق.
ومما يزيد الأمر صعوبة على الولايات المتحدة أنّ تنظيم الدولة يمتلك قواعد عسكرية عديدة خارج سوريا والعراق، وينتشر أفراده عبر جميع أنحاء العالم تقريبًا بقوة، ومن المحتمل أن يتخذ التنظيم ليبيا نقطة انطلاقه الجديدة لو فشل في سوريا والعراق؛ وما زال التنظيم قادرًا على توجيه ضربات إلى الغرب.
لذلك؛ يحتاج إعلان انتصار أميركا على «تنظيم الدولة» تأنيًا، وعلى إدارة ترامب أن تنتهج سياسات لمعاجلة المشاكل الأيديولوجية التي من الممكن أن تتسبب في عودته مرة أخرى.
تنظيم الدولة في 2018
بالرغم من أنّ ترامب له الفضل في سقوط خلافة تنظيم الدولة؛ ما زال تهديده المستمر يحلّق في الأفق، ويحتفظ التنظيم بطريقة ما تمكنه من إلهام الأفراد في تنفيذ هجمات «الذئاب المنفردة»، كما أنه يمتلك الآن ملاذات آمنة بديلة تسمح له بالتعافي، ولديه إمكانية الوصول إلى مساحات إلكترونية تمكّنه من توظيف مقاتلين جدد.
وبناء عليه؛ لا يمكن لإدارة ترامب أن تحتفل بالتقدم الذي أحرزته ضد التنظيم، خاصة وأنّ هناك قدرًا كبيرًا من العمل ينتظرها في السنوات السبع المقبلة.