قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب في منتصف يناير الجاري إنّه سيخفف العقوبات عن إيران للمرة الأخيرة، مطالبًا بإجراء تغييرات واسعة على «خطة العمل المشتركة، أو ما يُعرف بالاتفاق النووي الإيراني» في غضون أربعة أشهر من الآن؛ فهل ستصبح الصفقة لاغية وباطلة بالفعل بحلول مايو المقبل، أم أنّ هناك مسارات مختلفة يمكن للحكومة الأميركية وأوروبا وإيران أن تتبعها؟
بالإضافة إلى ذلك، طرحت «ناشيونال إنتريست» أسئلة أخرى على خبراء ومحللين سياسيين أميركيين، بعضهم شغل مناصب مهمة في الدولة؛ ووردت الإجابات، وترجمتها «شبكة رصد».
في البداية، يقول نائب رئيس مؤسسة «هيلز آند كومباني» توماس بيكرينج، الزميل في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات وشغل منصبًا رفيع المستوى في وزارة الخارجية الأميركية، إنّ الاحتجاجات الإيرانية الأخيرة، التي بدأت بشكل مكثف في المدن والبلدات الصغرى بإيران وتوسعت إلى المدن الكبرى، ترجع إلى السياسات الاقتصادية لإيران. وبالرغم من أنّ الاقتصاد تحسّن نسبيًا؛ فإنه ليس كما وعد النظام في طهران، والاحتجاجات خفتت أيضًا بشكل أسرع من احتجاجات الحركة الخضراء في 2009 (قبل تسع سنوات من الآن).
وأضاف أنّ كبار المسؤولين الإيرانيين في ردهم على الاحتجاجات أكّدوا أنّ طهران في طريقها لتقليل الإنفاق في سياستها الخارجية، التي اعتراض عليها المتظاهرون بشكل أساسي. لكن، ما زالت هذه السياسات قائمة، ولم يتغير فيها شيء مطلقًا.
ولذلك؛ يعد الحفاظ على الاتفاق النووي الإيراني في مصلحة الولايات المتحدة الوطنية، وبالرغم من أنّ الصفقة ليست مكتملة، كما ذكر ترامب، وهي حقيقة يعلمها الجميع ومكّنت إيران من الاستمرار في تطوير منظومة الصواريخ الباليستية؛ فإنه أفضل من لا شيء. ويعتقد ترامب بالمهلة التي أعطاها لإيران كي تغير في الاتفاق أنها حيلة لدفعها إلى حجر الولايات المتحدة والأوروبيين والتعاون بشكلٍ بناء.
وفاة «الجمهورية الإسلامية»
لكنّ مارك جيرشت، الخبير السياسي في شؤون الشرق الأوسط، توقّع أن يكون مستقبل النظام الإيراني في خطر؛ مؤكدًا أنّ الجمهورية الإسلامية ماتت أصلًا منذ وفاة الخميني. ويرى أنّ النظام في طهران دعم الأغلبية المتعلمة، التي شكلت العمود الفقري للثورة الإسلامية عام 1979، مضيفًا أنها فقدت دعمها اليوم؛ لكن بجانب الطبقات الأكثر فقرا أيضًا.
وأضاف أنّ القوة الدافعة وراء احتجاجات عام 2009 رفضت نتائج الانتخابات حنيها، لكنها بدأت وسط الكتلة المتعلمة في المحافظات والمدن الكبرى كطهران (العاصمة)، أما تغيير مكان انطلاقها في الاحتجاجات الأخيرة، يشير إلى أن النظام فقد دعم الطبقات الأكثر فقرًا، وأصبح الاستياء منه متجذرًا لدى الملايين الذين تعبوا من «الثيوقراطية».
لكن، ماذا تعني هذه التطورات بالنسبة لإدارة ترامب التي أكدت دعمها للمتظاهرين؟
يتفق مارك مع توماس في أنّ ترامب لم يكن مستعدًا بشكل أفضل من أوباما للتعامل مع الاضطرابات، وكان مارك أكثر تشككًا في أن إدارة ترامب تريد التورّط في أي نوع من النزاعات المسلحة المباشرة مع إيران. وبدلًا من ذلك، وصف قرار ترامب الوشيك بشأن الاتفاق النووي بأنه «يوم نصر جديد لأميركا»؛ يقصد به استمرار الإبقاء على الاتفاق حتى مايو المقبل.
لكنه أعرب عن شكوكه في تحمّس الأوروبيين لمسار واشنطن بالرغم من تأكيدهم أنهم سيقفون إلى جانبها؛ فما زالت البنوك الأوروبية مترددة بشأن الاستثمار في البلاد بسبب الاضطراب المالي وشبح العقوبات الإضافية، معترفًا أنّ حربًا تجارية يمكن أن تندلع بسبب العقوبات الثانوية. لكنه أوضح أنه سيناريو غير محتمل؛ ما لم يلعب ترامب ببطاقاته السيئة، وخلص إلى أنه لا يمكن إكراه إيران اقتصاديًا؛ إلا بتطبيق مزيد من العقوبات الثانوية.
فهل يضغط ترامب فعلًا على إيران من أجل المصلحة الوطنية لأميركا؟
يرى جورج بيبي، مدير المخابرات والأمن القومي في مركز «ناشيونال إنتريست»، أنّ التغيير التطوري هو الخيار الأفضل حاليًا أمام إيران؛ لأنّ فرض عقوبات جديدة سيأتي بنتائج عكسية تمامًا وغير مقصودة لأميركا، وربما سيدفع إيران إلى الإصرار على مساعيها.
بينما أكّد مارك أنّ تحرير إيران وجعلها دولة منفتحة على العالم احتمالان غير قائمين؛ مبررًا ذلك بأنّ رئيسها الحالي حسن روحاني منع بسياساته أيّ فرصة لتغيير النظام الثيوقراطي في إيران. واتفق «توماس» مع «مارك» في نقاط؛ لكنه أكّد أنّ الولايات المتحدة تستخدم القوة بشكل كبير وغير ضروري ضد إيران؛ وهو ما يعزز النظام هناك، كما قال «بيبي».
وأضاف «توماس» أنّ الولايات المتحدة بارعة جدًا في استخدام الاختيار العسكري، لكنها لديها سجل تاريخي في التعامل مع آثار الاختيار الحربي، وطالب في ختام حديث لـ«ناشيونال إنتريست» الخارجية الأميركية بضرورة التعامل بحرص وحذر مع ما تعتقد أنه في صالح مصلحتها الوطينة، وقال إنّه لا يرى أيّ ملامح لتغيير النظام الإيراني في الأفق.