قال «إيلان جولدنبرج»، الخبير في شؤون الشرق الأوسط بمعهد الأمن الأميركي الجديد، إنّ زيارة نائب الرئيس الأميركي «مايك بينس» الحالية إلى الشرق الأوسط غير مجدية، ومساوئها أكثر من إيجابياتها، وسترتد بنتائج عكسية تمامًا؛ خاصة وأنّ المنطقة ما زالت مشتعلة بسبب قرار الرئيس ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لـ«إسرائيل».
وأضاف، في مقاله بمجلة «فورين بوليسي» وترجمته «شبكة رصد»، أنّ الزيارة ستكون محرجة أيضًا له مثلما حدث في زيارته السابقة ورفض مسؤولون دينيون بمصر وفلسطين لقاءه، ومن المخطط له أن يعالج مشكلة الأقليات في مصر، لكنّ هذه الأقلية رفضت لقاءه مسبقًا؛ فعلى أيّ أساس سيلتقيهم مجددًا؟!
وعلى نائب الرئيس الأميركي البقاء في منزله وألا يغادره؛ فزيارته مرفوضة سلفًا حتى من المسؤولين السياسيين، كالرئيس الفلسطيني محمود عباس، الذي أعلن في هذا الأسبوع أنه لن يلتقيه، كما سيسبب إحراجًا للسيسي والعاهل الأردني.
وسيزور بينس «إسرائيل» أولا ويدعو مشرّعيها إلى اتخاذ مزيد من التشريعات لإنهاء فكرة حل الدولتين؛ ما سيشكّل إحراجًا للسيسي والملك عبدالله، اللذان لا يرغبان في استبعاده، وفي الوقت نفسه لا يرغبان في ربط إنفسهما بما قاله في «إسرائيل».
نتيجة واحدة
ومن المقرر أن يتوجه مايك بينس إلى الشرق الأوسط، في زيارة تشمل مصر والأردن و«إسرائيل»؛ لدعم جهود ترامب في إبرام صفقة السلام النهائية في المنطقة. وبالنظر إلى كل الزيارات السابقة للمسؤولين الأميركيين، خرجنا بنتيجة واحدة؛ وهي أنه يجب إلغاء رحلته.
فبعد قرار ترامب الشهر الماضي الاعتراف بالقدس عاصمة لـ«إسرائيل»، اعترف مسؤولون في البيت الأبيض بأنّ الفلسطينيين سيحتاجون إلى وقتًا للعودة إلى الهدوء، قبل أن يعودوا إلى المناقشات المجدية مرة أخرى. ولكن، بدلًا من الانتظار والصبر حتى تهدأ الأمور؛ تسارع إدارة ترامب في إلقاء البنزين على النار.
وتعدّ زيارة بينس المخطط لها الأحدثَ في سلسلة من الخطوات التصعيدية؛ إذ أعلن عن زيارته منذ أكثر من شهر، وهو ما أدى إلى إعلان الرئيس الفلسطيني محمود عباس بأنه لن يجتمع مع بينس، ورد مكتب بينس ببيان اتهم فيه الفلسطينيين بأنهم فقدوا فرصة أخرى جادة لمواصلة محادثات السلام.
ومنذ ذلك الحين، تواصل إدارة ترامب العمل على إشعال الأمور بدلًا من تهدئتها؛ إذ هدد الرئيس الأميركي بقطع المساعدات عن الفلسطينيين إذا لم يعودوا إلى طاولة المفاوضات. وذكرت نيكي هالي، المبعوثة الأميركية في الأمم المتحدة، احتمالية قطع المساعدات عن وكالة الأونروا إذا لم يستجيب الفلسطينيون لاستكمال المفاوضات، وهي الوكالة التي تقدم جميع أنواع الدعم للفلسطينيين.
فرصة لإنهاء «حل الدولتين»
ولم يكن الرد الفلسطيني جيدًا؛ إذ أدلى عباس هذا الأسبوع بخطابٍ أكد فيه أنه لن يتفاوض مع ترامب. ولا تُجرى أيّ مفاوضات بالفعل حاليًا على أرض الواقع، وربما لن تعود مرة أخرى، كما قال عباس. وفي الوقت نفسه، يرى اليمين الإسرائيلي أنّ هذه فرصة لوضع مسمار في نعش حل الدولتين؛ إذ دفع بتشريع جديد بضم أجزاء من الضفة الغربية، وخلف عقبات سياسية من شأنها أن تجعل من المستحيل على أي حكومة مستقبلية التفاوض بشأن الوضع النهائي للقدس.
وهذه الخطوات الإسرائيلية كانت مقيدة في الماضي، لأن السياسيين الإسرائيليين حينها كانوا يدركون جيدًا أنّها يمكن أن تؤدي إلى توترات لا لزوم لها مع الولايات المتحدة؛ لكنّ البيئة والوضع الحالي ساعدا على تمريرها بسهولة، وما دام ترامب وعباس يسيران على هذا النحو فالأمر مفيد لـ«إسرائيل».
ويعد مايك بينس المسؤول الأميركي الأكثر ارتباطًا بقرار الرئيس ترامب، وزيارته إلى الشرق الأوسط في الوقت الحالي رسالة إلى الإنجيليين بأنّ إدارة ترامب تتفهم بعمق مسألة القدس بالنسبة لهم، وغالبًا ما يُنظر إليه على أنه المدافع الرئيس عن إدارة ترامب، وكان يقف وراءه في هدوء أثناء إعلان القرار؛ لذا من الفهوم لماذا لا يرغب الفلسطينيون في لقائه.
ووفقًا لمخطط الزيارة، سيزور بينس حائط المبكى، وهو ما يزيد الأمور سوءًا، وفقًا لتحليل الفورين بوليسي، وحائط المبكى هو المكان الأكثر حساسية في القدس، وزاره ترامب قبل أشهر قليلة وأثار أيضًا عاصفة بشأن وضع المدينة مستقبلًا، ووصفت الزيارة بـ«الاستفزازية أكثر من اللازم».
ولحسن الحظ، قرار الاعتراف بالقدس عاصمة «إسرائيل» لم يؤدّ حتى الآن إلى انفجار عنيف، إلا أنّ زيارة بينس المرتقبة قد تساهم في ذلك، ومن المقرر أن يتحدّث في الكنيست الإسرائيلي وأن يشجع السياسيين الإسرائيليين على اتخاذ مزيد من الإجراءات التشريعية التي تلغي إمكانية حل الدولتين، إلا أنه حتى لو لم يتلقِ بينس بالمسؤولين الفلسطينيين فما يقوله سيرفض بشكل قاطع في فلسطين وخارجها.
كما تبرز مشكلة أخرى، فوفقًا لمخطط الزيارة من المقرر أن يعالج بينس مسألة الأقليات الدينية في مصر، إلا أنّ هذه الأقلية عبرت عن رفضها اللقاء، لرفضهم قرار ترامب، كما رفض زعماء دينيون أيضًا لقاءه بهم في بيت لحم أو في كنيسة المهد، وتوقع المحلل السياسي أن تكون زيارته هذه محرجة أكثر من سابقتها.
ومن المقرر أن يلتقي بينس بالعاهل الأردني وعبدالفتاح السيسي، وسيزور بينس هذه البلدان، بينما لا يعرف قادتها ماذا يعلقون بشأن مسألة القدس؛ فمن ناحية لا يريدون إبعاده، وفي الوقت نفسه سيرتبط لقاؤهم به بزيارته المثيرة للجدل إلى «إسرائيل»، وهو ما سيشوّه صورتهم أمام شعوبهم، وتوقع المحلل أن لا تحظى الزيارة بتغطية إعلامية كافية لأجل هذا السبب، فقط صور وبيانات مقتبة عنها وليس تغطية موسعة.
وفي النهاية، أكّد الخبير في شؤون الشرق الأوسط أنّ زيارة بينس الحالية مساوئها أكثر من إيجابياتها، متوقعًا أن تلحق ضررًا بالمنطقة المتضررة بالفعل بسبب الرئيس الأميركي؛ لذلك عليه البقاء في منزله.