قالت مجلة «فورين بوليسي» إنّ مصر تقاعست عن التعامل مع الآثار المحتملة لفكرة بناء سد على رأس النيل الأزرق، التي كانت تختمر في ذهن إثيوبيا منذ عشرات السنوات، وتجاهلتها مصر؛ ولذلك تواجه حاليًا نقصًا فعليًا في مياه النيل. وقريبًا، بمجرد ملء سد النهضة ستواجه ندرة في المياه.
وأضافت، وفق ما ترجمت «شبكة رصد»، أنّ التوترات في المدة الأخيرة بين مصر والسودان وإثيوبيا تصاعدت، وتفاقمت بين القاهرة والخرطوم بشكل أكبر وأكثر إثارة للمخاوف؛ لاحتمالية اندلاع نزاع عسكري بينهما.
وحذّر السودانُ رسميا يوم الخميس من تهديدات على حدوده الشرقية، حيث تُحشد قوات مصرية وإريترية، في الوقت الذي تصاعد فيه الخلاف بين القاهرة والخرطوم على مثلث حلايب وشلاتين. وفي أواخر الأسبوع الماضي، استدعى السودان سفيره في القاهرة للتشاور؛ وهذا آخر فضل في معركة بدأت الصيف الماضي بمقاطعة تجارية بين البلدين.
وكانت مصر جزءًا من نزاع إقليمي مع دول أخرى ضد ما يرونه التدخل التركي في المنطقة؛ إذ دعمت أنقرة قطر في الأزمة الخليجية الماضية، ثم قفزت مباشرة إلى البحر الأحمر وتدخلت في النزاع بين مصر السودان؛ ما جعل القاهرة أكثر عصبية تجاه أنقرة.
ونظرت مصر إلى زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للسودان في ديسمبر الماضي وحصوله على حق الانتفاع من جزيرة سواكن على أنها تحدّ كبير، وأثار مخاوف لديها من إمكانية بناء أنقرة قاعدة عسكرية على الجزيرة.
كما أضاف دعم السودان لبناء إثيوبيا سد النهضة تعقيدًا آخر على الوضع الدبلوماسي المتأزم بين الدولتين، ومن المرجح أن يؤثّر السد على إمدادات مصر من المياه تأثيرًا كبيرًا. وقال السيسي من قبل إنّ سد النهضة «مسألة حياة أو موت».
وقالت «كلسي ليلي»، المديرة المنتدبة للمركز الإفريقي في المجلس، إنّ التنافسات الحالية في منطقة البحر الأحمر الإقليمية متشابكة ومعقدة للغاية؛ لكنّ سدّ النهضة كان له أكبر أثر في إثارة الخلافات. وبينما صعّدت «مصر وإثيوبيا والسودان» بسببه؛ فالخلاف بين مصر والسودان وحدهما آخذ في التفاقم بسرعة رهيبة.
وأضاف «ستيفن كوك»، الخبير في الشأن الإفريقي والشرق أوسطي بمجلس العلاقات الخارجية، إنّ التوترات كبيرة وحقيقية وأكبر مما كانت عليه، والأمور آخذة في التفاقم أكثر؛ عزّز من هذا النزاع تجميد المحادثات بين مصر والسودان وإثيوبيا بشأن كيفية إدارة سد النهضة بعد اكتمال بنائه بنحو 60%، ومن المرجح أن تبدأ إثيوبيا في بنائه في وقت مبكر من الصيف القادم؛ ما يترك وقتًا قليلًا أمام إيجاد حلول مرضية للأطراف كافة.
وقالت الدكتورة «آنا كاسكاو»، الخبيرة في مجال هندسة مياه النيل، إنّ عام 2019 سيكون حاسمًا للسدّ؛ ويتعين على عبدالفتاح السيسي اتخاذ إجراء فوري بشأن مسألة التعبئة.
حلم إثيوبي
وكانت فكرة بناء سد على رأس النيل الأزرق حلمًا إثيوبيًا منذ عام 1960، وأصبح حقيقة بعد عام 2011، بالتزامن مع ثورات الربيع العربي ومواجهة منطقة الشرق الأوسط اضطرابات محلية؛ ومنذ حينها قررت إثيوبيا اتخاذ قرارات أحادية وبدأت العمل على بنائه، وهو أكبر مشروع كهرومائي في إفريقيا.
ومنذ ذلك الحين ومصر مرتعبة من الآثار المحتملة لبناء السد، وبمجرد ملئه ستتأثر حصتها تدريجيًا؛ ما يشكّل خطرًا كبيرا على بلد يعتمد معظم اقتصاده على الزراعة ويواجه بالفعل نقصًا حادًا في المياه.
ومن الممكن لإثيوبيا أن تختار ملء السد ببطء، على أن يستغرق قرابة 15 عامًا؛ ما يقلل من أيّ آثار على تجاه المياه في مجرى النهر. وتوقعت «كلسي» ألا تنتظر إثيوبيا كل هذه المدة وتسارع في ملئه، مضيفة أنّ إثيوبيا تحتاج أن تشعر بالفوز.
وفي 2013، هدّد الرئيس محمد مرسي بقيادة عمل عسكري إذا تعطّل تدفّق المياه في النهر، مضيفًا: «دمنا هو البديل»، وتعهّد السيسي هذا الأسبوع ببناء محطة لتحلية مياه البحر بتكلفة أربعة مليارات دولار، وأيضًا حماية حصة مصر في مياه النيل.
وتوصّلت مصر والسودان وإثيوبيا إلى اتفاق في 2015 لكيفية إدارة المشروع، لكنهم لم يتمكنوا من الاتفاق على كيفية قياس آثار السد.
والآن، تصاعد التوتر بين مصر والسودان، التي هددت بوقف التعاون في مجال سد النهضة، وقالت وسائل إعلام إثيوبية في أول يناير الجاري إنّ مصر سعت إلى تهميش السودان من محادثات سد النهضة، وبالرغم من نفي مصر لهذا التقرير، فالفكرة تخمّرت في رأس السودان.
ويعدّ دور السودان في هذه القضية محوريًا؛ لأنها تقع في المنتصف بين مصر وإثيوبيا، وتمكنت الدولتان في خمسينيات القرن الماضي من إبرام اتفاق بشأن مياه النيل، لم تكن إثيوبيا حينها ضمنه. ووفقًا للقديم، يلتزم السودان بالسماح للمياه بالتدفق في المصب ناحية مصر، لكنه سعى في السنوات الأخيرة إلى زيادة استخدام المياه؛ بهدف تعزيز قطاعه الزراعي.
ولأنّ السودان يأمل في استخدام المياه في الري بشكل أكثر فاعلية الآن، اقترب من إثيوبيا وأصبح مؤيدًا لمشروع سد النهضة؛ ما يجعل العداء بين مصر والسودان خطيرًا جدًا، وفقا للخبيرة «آنا كاسكاو». وأضافت أنّ خسارة مصر دولة السودان باعتبارها البلد الوحيد الواقع على ضفاف النيل من الممكن أن تشكّل تهديدًا لها وأمرًا بالغ الخطورة.
وحاولت «فورين بوليسي» التواصل مع سفارات مصر والسودان وإثيوبيا للتعليق، لكنها لم تتلقَ ردًا من أيّ منهم.
وأكّدت في نهاية تقريرها أنّه بالرغم من ظهور بوادر هذه القضية منذ سنوات، فمصر تجنبت التعامل مع الآثار الحتمية لها على المدى الطويل؛ وبسبب تقاعسها تواجه حاليًا نقصًا في المياه، وقريبا ستواجه ندرة فيها.