أكدت صحيفة «واشنطن بوست»، أن النظام الإيراني الحالي، سيظل يعاني من الآثار الاقتصادية السيئة لسياسته، حتى لو تمكن من قمع الاحتجاجات، مؤكدة أن الغضب باق وسيظل يطبق على قبول الحكام الإيرانيين ما لم تتحسن أحوال الشعب اقتصاديا.
ووفق ما ترجمت «شبكة رصد»، أظهرت الاحتجاجات التي امتدت للعديد من المدن والبلدات الإيرانية، أن المواطنين الإيرانيين على استعداد لإزالة النظام الحالي، والذي يسيطر عليه متشددون شيعة، والذين تسببوا في انزلاق البلد إلى منحدرٍ صعب؛ بسبب التدخلات السياسية الخارجية واستنزاف موارد الدولة في حروب ليس للإيرانيين فيها ناقة ولا جمل.
وأشارت الصحيفة، إلى أنه رغم امتداد الاحتجاجات الغاضبة وتمددها لتشكل معظم المدن الإيرانية، إلا أنها من ناحية أخرى أظهرت مخاوف لدى الناس من الرد الانتقامي للدولة ومخاوف من انتشار الفوضى والتي ستنقلب في النهاية على الشعب نفسه، مضيفة «إلا أنه دون تغيير جذري في سبل معيشة المواطنين من المستبعد انخفاض حدة الاحتجاجات حتى لو خفتت لبعض الوقت، والتي أصبحت تشكل الآن أكبر تحدٍ للجمهورية الإسلامية القائمة منذ 40 عاما».
يأس اقتصادي
عانت إيران العام الماضي من انهيار ائتماني، تسبب في فقدان أغلب المواطنين الإيرانيين لمدخراتهم، ودخول البلد في مرحلة «يأس اقتصادي»؛ حيث يوجد حاليا متقاعدون لا يستطيعون توفير سبل معيشتهم بعد فقدانهم مدخراتهم العام الماضي، كما فقد طلاب الجامعات الأمل في العمل في مجالاتهم بعد التخرج، والمحظوظون والذين يستطيعون العمل هناك، لا يكتفون بعملٍ واحد بل اثنين وثلاثة.
ولا تزال البنوك الإيرانية تعاني من تعثرات في سداد القروض، وهو ما حذر منه صندوق النقد الدولي مرارا، ويعود عدم قدرتها على السداد إلى فترة ما قبل توقيع الاتفاق النووي، والمستمرة تبعاتها حتى الآن، بجانب الشؤون والسبل المالية الغامضة للحرس الثوري الإيراني والذي يسيطر على ثلث الاقتصاد الإيراني الكلي.
ورغم تراجع معدلات التضخم منذ أن بدأ روحاني فترته الرئاسية، إلا أنه قطع الإعانات عن المواطنين والتي أقرها سلفه محمود أحمدي نجاد، وكان يستفيد منها المواطنون الريفيون والفقراء في المقاطعات، وهم الأشخاص أنفسهم الذين خرجوا في الشوارع الآن؛ احتجاجا على ارتفاع أسعار المواد الغذائية.
ومن المحتمل أن تعيد الحكومة تقديم الإعانات وخفض أسعار المواد الغذائية لتهدئة غضب المحتجين، إلا أن الصحيفة أكدت أن الاحتجاجات لها فائدة واحدة فقط حتى الآن؛ حيث ساعدت على رفع أسعار النفط العالمية، إلى ما يزيد على الـ60 دولارا للبرميل؛ ما يوفر عملة صعبة تحتاج إليها الدول الأعضاء في منظمة الأوبك.
النجاح العسكري
وظهر في الاحتجاجات الأخيرة، الكثير من الأصوات الرافضة للحروب الإيرانية في الدول الأجنبية، مطالبين بتركيز الحكومة على أولئك الذين يعيشون في الداخل، فمنذ الغزو الأميركي للعراق في عام 2003، سعت إيران إلى زيادة نفوذها في الشرق الأوسط ودول الخليج كقاعدة موجهة ضد أميركا، واتهم الجييش الأميركي، إيران بتدريب المتمردين في العراق، والذين دأبوا على استهداف قواتها بالعبوات الناسفة، وأن طهران لها نفوذ قوي على الحكومة العراقية التي يسيطر عليها الشيعة.
وردا على تهديد «تنظيم الدولة» للدول حليفة إيران، قامت بإرسال قوات النخبة في الحرس الثوري الإيراني إلى العراق وسوريا، وفي العراق حول المستشارون الإيرانيون المليشيات الشيعية إلى قوات برية نظامية تستطيع خوض حروب قتالية تشارك فيها الدول، بدلا من حروب العصابات.
وفي سوريا، فتح بشار الأسد الباب على مصراعيه لتدخل إيران، وتولى جنرالات إيرانيون قيادة مقاتلين باكستانيين أفغانيين فضلا عن قوات حزب الله على الأراضي السورية.
أما في اليمن، فتتهم الولايات المتحدة وعدد من القوى الغربية، إيران، بمساعدة الحوثيين وتزويدهم بأسلحة وتكنولوجيا الصواريخ الباليستية.
ويطالب المتظاهرون الإيرانيون حكومتهم بمساعدتهم بتلك الأموال، بدلا من إنفاقها على حروب لا طائل منها.
إلا أن النجاح الإيراني في الخارج، كان أداة في يد الحكومة لتدافع عن نفسها وحشدها لمؤيدين، وتم رفع الجنرال قاسم سليماني إلى بطل شعبي؛ بسبب الحرب في الخارج، كما أسهم الهجوم الإرهابي بواسطة «تنظيم الدولة»، في طهران يونيو الماضي، من الدعم الشعبي للنظام الحالي، والذي يخشى عودة التفجيرات والاضطرابات التي أعقبت الثورة الإسلامية في عام 1979.
عصر جديد
ومع اقتراب الذكرى الـ40 للثورة الإسلامية الإيرانية، تنتظر إيران انتخابات في 2021، وهي انتخابات ستشهد مجالا مفتوحا على نطاق واسع، خاصة أن روحاني لن يستطيع الترشح لفترة رئاسية ثالثة كما ينص القانون الإيراني، وكانت الاحتجاجات في بدايتها خرجت ضد روحاني نفسه.
ويدفع المحافظون في إيران بأن سياسات روحاني فشلت وعليه الرحيل، رغم ما قالت عنه الصحيفة إنها عطاءات تمكن روحاني من جلبها لإيران، متوقعة أن يؤدي الاستياء الاقتصادي الحالي إلى ظهور شخص آخر من الشعب الإيراني المتشدد بطبيعته، على غرار أحمدي نجاد، ومن الصعب التوقع الآن من سيحكم البلد.
وحاول كل طرف من الأطراف استخدام الاحتجاجات الأخيرة لصالحه، والضغط على الآخر، وقبل الاحتجاجات بأسبوع اشتكى روحاني علنا من أن اجزاء كبيرة من ميزانية الحكومة تذهب إلى المؤسسات الدينية، والتي يُنظر إليها إلى حد كبير على أنها قواعد للمتشددين، إلا أنه من جهة أخرى، يُعتقد على نطاق واسع أن المتشددين هم من أثاروا الاحتجاجات في البداية لإحراج روحاني.
الاحتجاجات ستزول لكن الغضب باقٍ
تمكنت السلطات في الأيام الأخيرة من قمع الاحتجاجات من خلال منع وسائل التواصل الاجتماعية والتي تمكن المتظاهرين من التجمع ومشاركة الأحداث، كما تم نشر قوات من «الباسيج»، وألقي القبض على المئات من المتظاهرين وقتل أكثر من 20 متظاهرا، رغم أن مستوى القمع لم يصل إلى الحد الذي كان عليه في 2009.
إلا أن النظام الإيراني حتى وإن بقى، سيظل يصارع مع آثار المشاكل الاقتصادية المتقلبة في إيران.