قالت صحيفة «ميدل إيست مونيتور» إنّ السودان أقرب من أي وقت مضى إلى الدخول في مواجهات عسكرية مع مصر لحل مشاكل جيوسياسية كبرى يواجهها البلدان، مؤكدة أنّ مصر والإمارات سعيا إلى نشر قوات في قاعدة «سوا» الإريترية، واتخذ السودان رد فعل بالمثل؛ بنشر قوات على الحدود الإريترية وإغلاق الحدود بالكامل.
وأضافت، وفق ما ترجمت «شبكة رصد»، أنّه ليس من مصلحة أيّ دولة في المنطقة أن تدخل حربًا الآن؛ خاصة في ظل انتشار الفوضى والاضطراب اللذين صنعتهما الحروب السابقة. وربط المحلل السياسي «خليل تشارلز» هذه التوقعات بتحركات للسودان في الأيام الأخيرة؛ أبرزها إغلاق الحدود الإريترية، وزيارة الرئيس التركي مؤخرًا إلى السودان لاستئجار جزيرة سواكن وإقامة قاعدة عسكرية فيها.
وأثناء محادثات سوتشي في نوفمبر الماضي، أبدى الرئيس السوداني عمر البشير استياءه من مصر؛ ما أضاف توترًا على العلاقات المتوترة أصلًا. وبجانب ذلك، علّق أيضًا على المملكة العربية السعودية، كما اتهم الولايات المتحدة بالوقوف وراء المشاكل التي يواجهها السودان وتقسيمه إلى شمال وجنوب؛ وهو ما أثار دهشة المعلقين والمتابعين للأوضاع.
وأشير إلى طلب البشير من الروس توفير الحماية للسودان من العدواني الأميركي، ومحاولته تغيير ديناميات التوازن الجيوسياسي في منطقة حوض النيل. وبجانب ذلك، مثّلت حركة السفن الروسية المتزايدة في البحر الأحمر مصدر قلق. ولحسن حظ الولايات المتحدة ومصر، أعلنت روسيا أنّها ليست في حاجة إلى إقامة قاعدة عسكرية في السودان تسمح للمعارضين أن يتنفسوا الصعداء.
لكنّ زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى السودان، وتوقيعه عقد إيجار مدّته 99 عامًا لجزيرة سواكن؛ أعادا ذكريات الاحتلال الأجنبي لدول حوض نهر النيل، في إشارة إلى السلوك العثماني السابق تجاه هذه الدول.
وقبل انتهاء زيارة أردوغان، التي استغرقت يومين، قادت وسائل الإعلام المصرية هجومًا حادًا على السودان. وفي مقال للإعلامي عماد الدين أديب، عنونها «انتحار عمر البشير سياسيًا»، أكّد فيه أنّ هناك تآمرًا يحاك بين السودان وتركيا ضد مصر، وأنّ السودان ينتهك قواعد التاريخ والجغرافيا انتهاكًا صارخًا ضمن الخطة التركية الإيرانية الإثيوبية لتجويع مصر، وتمويل قطر للجهود الرامية إلى تقويض استقرار مصر.
لكنّ إيران وقطر لم تعلّقا على ذلك. وفي اليوم الثالث من موجة الإعلام المصري، أصدرت الخرطوم تصريحات منفصلة أنكرت فيها سعي تركيا إلى إنشاء قاعدة عسكرية في جزيرة سواكن؛ لكنّ الإنكار المتأخّر ساعد على تأجيج النظرية الراسخة التي تحيط بالموقف التركي الرفيع المستوى في العالم الإسلامي ويدّعي أنّ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في طريقه إلى إحياء الإمبراطورية العثمانية مرة أخرى.
وادّعى مقال نشر على موقع «الهاف بوست»، بعنوان «أردوغان.. سلطان الإمبراطورية العثمانية الوهمية»، أنّ أردوغان يسعى إلى استخدام الإسلام بطريقة مموهة لإعادة الإمبراطورية العثمانية مرة أخرى. وبغية إضافة وقود إلى الحريق، قالت تقارير إعلامية -وصفتها القاهرة بالمفبركة- إنّ مصر حاولت إخراج السودان من محادثات نهر النيل؛ داعية الجانب الإثيوبي إلى إجراء المحادثات معها مباشرة دون السودان، وبالرغم من الاجتماعات الثلاثية التي عقدت بين جميع الأطراف؛ كانت نتائجها غير ملموسة.
وقبل أيام، أكّدت تقارير أنّ مصر والإمارات نقلتا قوات من المدفعية إلى قاعدة سوا الإرترية، ولم يُثِر هذا التحرك دولة السودان وحسب؛ بل أفادت التقارير أنّ إثيوبيا نشرت تعزيزات عسكرية على المثلث الحدودي مع إريتريا. وفي نهاية الأسبوع الماضي، نفى السودان جمعه آلاف الجنود على الحدود الإريترية؛ لكنّ محافظ كسلا (شرق السودان) أغلق الحدود بشكل كامل معها، وشمل الإغلاق رفض مرور البضائع أو الأشخاص؛ سواء للدخول أو المغادرة.
ويبدو أنّ السودان وإثيوبيا وجماعات المعارضة في البلدين يستعدون لأسوأ سيناريو، وهو إطلاق مصر غارة جوية على سد النهضة؛ ما من شأنه إحداث كارثة في المنطقة المضطربة أصلًا، وهو الأمر الذي سيزيد من الاضطرابات والفوضى والضربات التبادلية الانتقامية. وقالت مصادر في السودان إنّ الضربات ستشمل السد العالي في أسوان.
وشكّل انسحاب السفير السوداني من مصر علامة على استياء بلده، ويقول المراقبون إنّ الخرطوم تعكف حاليًا على تخفيض حدة التوتر؛ ما يترك المجال لحل القضايا الخلافية دبلوماسيًا، وأوضح مثال على ذلك الأمل في أن ينظم السفير عبدالمحسن عبدالحليم جولات إلى القاهرة وإعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين إلى طبيعتها.