«تراشق إعلامي، أعقبه أزمة دبلوماسية ثم تهديد بالحرب». هكذا تزداد حدّة التوتر بين سلطتي مصر والسودان يومًا تلو الآخر دون محاولات لحلها؛ فاستجدت الخرطوم دول الخليج وتركيا ليكونا البديل في دعم اقتصادها بعد تخلي مصر عنها.
بدأت الأزمة في أكتوبر بالتراشق الإعلامي بين سلطتي البلدين وأذرعهما الإعلامية في منتصف 2017؛ حتى آلت إلى قرار السودان أمس الخميس بسحب سفيره من مصر «بغرض التشاور».
النظام السبب
ويقول المحلل السياسي السفير معصوم مرزوق، في تصريح لـ«رصد»، إنّ «هناك أسبابًا للأزمة بين السودان ومصر؛ منها تهميش دور البلد الشقيق واعتباره ثانونيًا من دون قيمة كبرى، وكذلك تجاهل الاحتياجات السودانية من الدعم العسكري والسياسي، ثم التحالف مع جنوب السودان».
وأضاف أنّ «السودان يحتاج إلى استثمارات اقتصادية، وهو ما تفعله دول الخليج وتركيا؛ ومن الواضح أنّ العلاقة بين السودان ومصر، التي كانت بمثابة دولة أم، ستنتهي عن قريب».
وقال إنّ «السودان وجد نفسه منبوذًا من مصر، والحكومة تركت الإعلام ينبح نحوه دون حساب أو ممانعة؛ ما يعني أنّ هناك قبولًا بهذا الاتجاه الإعلامي الذي يثير الفتن بين البلدين؛ وبالتالي لم يكن التراشق الإعلامي بين البلدين إلا وسيلة تزيد من تعقيد الأمور. وفي النهاية، المنابر الإعلامية تعبيرٌ عن اتجاه الدول يضر بالعلاقات».
وطالب «معصوم» الإعلام بالابتعاد عن التدخل في العلاقات بين مصر والسودان، كما إنّ «استدعاء السودان لسفيره في القاهرة ليس له أي مبرر؛ لكنه يوحي بأنه تدخّل في ترتيبات إقليمية تستعدي مصر، القادرة على مواجهة كل هذا».
دعم التمرد
من جانبه، اتّها الرئيس عمر البشير رسميًا نظام عبدالفتاح السيسي بدعم الحركات المسلحة السودانية المتمردة، وشدّد على أنّ «قوات الجيش والدعم السريع غنما مدرعات ومركبات مصرية استخدمها متمردو دارفور في هجومهم على الولايتين»؛ بعدما انطلقت القوات المهاجمة من دولة جنوب السودان ومن ليبيا على متن مدرعات مصرية، وهو ما نفته الحكومة المصرية في بيان رسمي.
وفي السياق، تبرز المقابلة التلفزيونية المؤجّجة للأزمة، مع قناة RT الروسية، التي قال فيها وزير الخارجية السوداني إبراهيم الغندور: «نحن والمصريون حبايب إلى أن نصل لحلايب»، مؤكدًا أنّ السودان لن يتنازل عن المنطقة.
وحينها، نقلت وسائل إعلام سودانية بيانًا للخارجية السودانية تقول فيه إنّها أخطرت الأمم المتحدة برفض الخرطوم «لما يعرف باتفاقية تعيين الحدود البحرية بين السعودية ومصر»، وتشدد فيه على «كامل رفضها لما ورد فيها من تعيين للحدود البحرية المصرية بما يشمل إحداثيات لنقاط بحرية تعتبر جزءًا لا يتجزأ من الحدود البحرية لمثلث حلايب السوداني».
وردًا على ذلك، رفضت الخارجية المصرية في بيان «ما انطوى عليه الخطاب من مزاعم حول السيادة السودانية على منطقة حلايب وشلاتين أو الادعاء باحتلال مصر لها».
إنذار بالحرب
وعادت الأزمة بقوة بعدما اشتدت حدة التراشق الإعلامي عندما قرّرت الخرطوم منح تركيا جزيرة سواكن، الواقعة في البحر الأحمر شرقي السودان؛ لتتولى إعادة تأهيلها وإدارتها مدة زمنية (لم تُحدد) أثناء زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
وأثار قرار السودان سجالًا بين إعلاميي البلدين؛ فانتقدته صحف مصرية واعتبرت أنّ الخرطوم «فتحت موانئها لانتقال سلاح الإرهاب والإرهابيين إلى مصر».
فذكر الكاتب الصحفي عماد أديب، المقرّب من الأجهزة الأمنية المصرية، أنّ البشير «يلعب بالنار من أجل الدولارات». وادّعى في مقال بصحيفة «الوطن» بعنوان «عمر البشير والانتحار السياسي» أنّ الجزيرة «سوف تتحول إلى قاعدة دفاع وتدريب وتخزين للسلاح يتم إنشاؤها بواسطة شركات تركية وبتمويل كامل من دولة قطر».
وفي المقابل، قال الكاتب السوداني إسحق فضل الله إنّ المنازل التي بنتها مصر في حلايب مؤخرًا «تمتد تحت أرضها مخازن الأسلحة والذخائر والتشوين استعدادًا للحرب».
موقف مصري غريب
وفي صحيفة «الانتباهة» السودانية، يقول كمال عوض في مقال بعنوان «موقف مصري غريب» إنّ الإعلام المصري يحاول «التقليل من شأن زيارة أردوغان للسودان.. ويكيل الاتهامات ويصور الزيارة وكأنها حلقة تآمر ضدهم».
وفي سابقة هي الأولى من نوعها، نقلت مصر شعائر صلاة الجمعة على التلفزيون المصري من حلايب، وخطب فيها وزير الأوقاف محمد مختار جمعة من مسجد «التوبة» بالمدينة الواقعة جنوبي محافظة البحر الأحمر، عقب بثه مقدمة تلفزيونية عن مصرية المنطقة ودعوات لاستقرار البلاد، بحضور رؤساء جامعات وقيادات أمنية مصرية.
استبعاد السودان من مفاوضات سد النهضة
وفي غضون ذلك، نشرت صحيفة «أديس فورشن» الإثيوبية عن مصادر (لم تسمّها) أنّ مصر طلبت من إثيوبيا استبعاد السودان من مفاوضات سد النهضة، وترجمته عنها وسائل إعلام سودانية؛ لترد الخارجية المصرية بالنفي.
وفي اليوم التالي، نشرت وكالة أنباء السودان أبرز ما تناولته الصحف الصادرة في البلاد؛ منها قول رئيس اللجنة الفنية للحدود من الجانب السوداني «عبدالله الصادق» أنّ استمرار «العدوان المصري» على مثلث حلايب يهدف إلى جر السودان للدخول في اشتباكات مباشرة مع مصر، كما نشرت صحيفة الوفاق على لسان نقابة عمال الغابات أنّ «مصر تسعى لخنق السودان وإيقاعه في فخ الاستعمار».
وفي مقاله بصحيفة الانتباهة، قال الكاتب السوداني كمال عوض إنّ «التنفيذ لهدم المنطقة كلها يبدأ في أول فبراير المقبل أو منتصفه بضربة صاروخية تسددها مصر لسد النهضة… والدلائل على ذلك تبرز في الحشد الهائل في أحداث الأسبوع الماضي والشهر الماضي».