من أبرز أحداث 2017، هو أزمة استقلال إقليم كتالونيا واحدةً من أكثر الأزمات التي واجهت إسبانيا استعصاء منذ عقود، أي منذ انتهاء حكم الديكتاتور الإسباني الجنرال «فرانسيسكو فرانكو» ، خصوصاً بعد أن واصل طرفا الصراع (الحكومة الكتالونية الداعمة للاستقلال، وحكومة مدريد الرافضة له) عمليةَ التصعيد السياسي أخيراً، إلى الدرجة التي دفعت كلا الطرفين إلى نقطة لا تُتيح مساحة كافية للمناورة أو التراجع من أجل تجاوز الأزمة بعد أن أعلنت الجنراليتات (الحكومة المحلية للإقليم) في أكتوبر الماضي قرارها بإعلان الاستقلال بشكل منفرد، وهو ما دفع حكومة مدريد – في المقابل – للتحرك نحو فرض الحكم المباشر على الإقليم، وإصدار قرار توقيف لأعضاء حكومته المحلية، بمن فيهم «كارلوس بوجديمون» رئيس الإقليم.
نقطة اللاعودة
منذ عام 2015 وبحيازة القوى المؤيدة للانفصال عن إسبانيا الأغلبيةَ في برلمان كتالونيا؛ عاد الزخم للحديث عن استقلال الإقليم ليأخذ بُعداً جديداً يتجاوز حالة التعبئة التقليدية غير الرسمية التي جرت في السنوات السابقة، بتحرك الحكومة المحلية للإقليم نحو اتخاذ إجراءات سياسية فعلية في سبيل تحقيق هذا الهدف، كان أبرزها إعلان البرلمان الكتالوني في 27 أكتوبر 2017 انفصال الإقليم عن إسبانيا، وهو قرار جاء بعد استفتاء رسمي في بداية الشهر نفسه وافق فيه 90% من المُصوِّتين على الانفصال، فيما اقتربت نسبة المشاركة فيه من 43% من الناخبين المُسجَّلين. وقد كانت تلك الإجراءات مصحوبة بعملية تعبئة جماهيرية بمسيرات دعت إليها حركات داعمة للاستقلال ودعمتها الحكومة.
وفي مقابل تلك التحركات المحلية التي بدت أنها تتخذ طريق اللاعودة، وتغلق طريق المناورة أو التفاوض؛ كانت الحركة – على الجانب الآخر – تحمل سمات تصعيدية وحاسمة مماثلة. وهنا فقد كان قرار المحكمة الدستورية الإسبانية التي أعلنت عدم دستورية الاستفتاء قُبيل إجرائه، وأعلنت تعليقه قبل ساعات من بدء التصويت، وهو ما أعطى – بدوره – الشرطة الإسبانية غطاءً للتدخل اتسم بالعنف من أجل الحيلولة دون وصول الناخبين إلى مراكز الاقتراع، مما خلّف مئات المصابين.
من جانبها، تبنت الحكومة الإسبانية رواية عدم دستورية الاستفتاء وبطلانه. وبعد دقائق من إعلان كتالونيا الانفصال رسمياً، كان قرار مجلس الشيوخ الإسباني باستخدام ما عُرف بـ«الخيار النووي» عبر تفعيل المادة 155 من الدستور، والتي تنقل إدارة الإقليم إلى حكومة مدريد، وتجعله خاضعاً لحكمها بشكل مباشر، ثم كان إصدار مذكرة اعتقال بحق رئيس الإقليم «كارلوس بوجديمون» الذي سافر إلى بلجيكا، فضلاً عن وَضْعِ القيادات السياسية في الإقليم قيد المحاكمة.
و هناك مجموعة من العوامل التي أدت إلى عدم نجاح الإقليم في الحصول على استقلاله، وذلك على النحو التالي:
الانقسام الداخلي
تُعد حالة غياب التوافق في الإقليم التي تُظهرها استطلاعات الرأي، وتباين المواقف، سواء على مستوى النخبة أو الجمهور، نحو فكرة الاستقلال كقرار مصيري، عنصراً مهماً في محاولة فهم المشهد في كتالونيا.
في نفس الجانب حينما خرجت مسيرات ضمت مئات آلاف الداعمين لاستقلال الإقليم، فقد كانت هناك تحركات مضادة رافضة لفكرة الاستقلال، وقد نُظمت عمليات تعبئة مماثلة وإن كانت أقل زخماً عبّرت عن فئات تضم مَن يحملون تصورات سياسية مناهضة لفكرة القومية، أو من يتمسكون بروابط كتالونيا مع المجتمع الإسباني، أو من يخشى مخاطر عدم الاستقرار أو التداعيات الاقتصادية السلبية في حالة تحقق الاستقلال فعلياً، بما قد يؤثر على الأوضاع المعيشية للسكان.
ويجب عدم إغفال أن نسبة المشاركة في استفتاء الانفصال كاستفتاء مصيري قد مثلت 43%، فيما بلغت نسبة المشاركة في قرار خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي مثلاً 73% تقريباً.
أهمية الإقليم بالنسبة لإسبانيا
بخلاف القيود الدستورية التي تحول دون استقلال الإقليم، هناك أبعاد أخرى تجعل تخلي إسبانيا عن سيادتها على الإقليم أمراً مستبعداً، أبرزها البُعد الاقتصادي، أخْذاً في الاعتبار حقيقة أن الإقليم الذي يُعد جغرافياً سادس أكبر منطقة في إسبانيا، هو واحد من أغنى الأقاليم الإسبانية، مساهماً بـ25.6% من الصادرات، و19% من إجمالي الناتج المحلي، فيما يضم 20.7% من الاستثمارات الخارجية لإسبانيا، وهو ما يجعله ذا أهمية حيوية بالنسبة لحكومة مدريد، ناهيك بمخاوف أخرى لدى الحكومة الإسبانية من أن يُثير الانفصال نزعات انفصالية في مناطق أخرى من البلاد.
معارضة الغرب
ظهر واضحا الموقف المناهض الذي عبّرت عنه القوى الكبرى، خصوصاً الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية، وكلاهما اعتبر الأمر مسألة داخلية إسبانية.
ووفق هذا المنطق يمكن قراءة تصريحات «جان كلود يونكر» (رئيس المفوضية الأوروبية) التي قال فيها: «ليس لدينا الحق في إقحام أنفسنا في هذا الحوار الإسباني – الإسباني»، وأكد فيها أن «الاتحاد الأوروبي ليس بحاجة لانقسام جديد وصدع جديد».