أكدت صحيفة «ميدل إيست آي»، أن قرار الإمارات بحظر سفر التونسيات إلى أرضها، يأتي كعقاب لهم على ديمقراطيتهم وليدة الثورة التونسية في 2011، بعد أن فشلت مساعيها في تكرار نموذج الإنقلاب المصري على الديمقراطية، والصراعات التي أصلت لها في اليمن بجانب السعودية، ودورها في إشعال التوترات في ليبيا وسوريا وغيرها، موضحة في مقال للكاتبة والخبيرة في شؤون الشرق الأوسط «سمية الغنوشي» أن القرار سخيف ويشكل إهانة للمرأة التونسية وانتهاكا لكرامة الشعب التونسي.
ووفق ما ترجمت «شبكة رصد»، تساءلت الصحيفة عن الهدف من منع التونسيات بمن فيهن الرضع والأطفال من الوصول إلى الإمارات، متعجبة من تبعات القرار التي ستجبر الأزواج على الانفصال عن زوجاتهم إذا ما اضطروا السفر إلى هناك، وهو إجراء لم يسبق له مثيل في تاريخ الملاحة الجوية الدولية.
وكانت الرسالة وراء القرار والتي أرادت الإمارات إيصالها إلى تونس، هي أن كل امرأة تونسية مجرم مشتبه فيه، ويشير أيضا إلى أنها أصبحت دولة معادية علنا لتونس، وهو نهج قديم لكنه كان مخفيا عن الشعب التونسي والعرب أما الآن أصبح معروفا للجميع، وأضافت الصحيفة: النظام الحاكم هناك، رأى في الإطاحة بزين العابدين بن علي، خطيئة لا تُغتفر، بحكم العلاقة الخاصة التي أقامها قادة الإمارات مع «نادي الطغيان العربي، من ابن علي إلى مبارك وعلي عبدالله صالح وغيرهم».
وأكدت الصحيفة مرة أخرى، أن الثورة التونسية أثارت غضب الإماراتيين، بسبب «رسالة الأمل» التي بثتها إلى الشارع العربي، وأن التغيير أمرا ممكنا عبر الاحتجاج السلمي، بعد أن تسببت الثورة التونسية في تجريد صورة الأنظمة الاستبدادية بأنها لا تُقهر، وتأكيد هشاشتها.
وما أثار غضب الحكام الإماراتيين أيضا، بحسب الصحيفة، هو ربط الثورات العربية بفكرة الديمقراطية، بكل معانيها من انتخابات حرة ونزيهة ومنافسة سياسية مفتوحة بين الأحزاب والكتل السياسية ووجود برلمانات حرة وحكومات مقيدة بسياسة القانون والدستور.
عقاب التونسيين
اعتبرت الإمارات تلك التطورات، تهديدا مباشرا لأمنها وكارثة لا يمكن أن تتسامح معها، خاصة وأن السياسة الخارجية التونسية، عادة ما تكون محايدة تعمل على تجنب الصراعات والاشتباكات مع الدول العربية، بجانب تأكيد التونسيون مرارا أن ثورتهم كانت انتفاضة وطنية لمعالجة مشاكل تونس الداخلية، وليس تجربة يسعون إلى تصديرها.
إلا أن قادة الإمارات أصروا على معاقبة التونسيين، على «خطيئة الثورة وإرساء الديمقراطية»، وعقدت العزم على تخريب انتقالهم الديمقراطي بكل الوسائل الممكنة، ولم تدخر وسعا في تمويل الثورات المضادة في مصر وتونس واليمن وليبيا وسوريا، والتي قادتها دول الخليج مجتمعة؛ من أجل تأكيد فائدة وفاعلية الاستبداد في العالم العربي.
تكرار الانقلاب المصري
واستخدمت الإمارات جميع الوسائل الممكنة لإثارة الصراعات والتوترات في فترة ما بعد الثورة؛ كي تظهر للعالم صحة سردها، وأن الديمقراطية في العالم العربي مرادفة للفوضى وانعدام الأمن والتدهور الاقتصادي، «على سبيل المثال عملت الإمارات في تونس على التسبب في أزمات سياسية وزرعت بذور صراع داخلي، عن طريق تعميق الاستقطاب وتقويض أسس الاستقرار والتعايش بين التونسيين».
وخططت الإمارات لتكرار نموذج الانقلاب المصري في تونس بطرق جديدة، عبر نشر الفوضى وتقويض الديمقراطية الوليدة، وأثارت الصراع ين القوى السياسية التونسية، وخططت لجعل المرحلة الانتقالية صعبة، إلا أن التونسيين نجحوا في تجنب السقوط إلى الهاوية، بصعوبة بالغة بعد رحيل ابن علي.
ونوهت الصحيفة، إلى أن التونسيين مهدوا الطريق نحو التحول الديمقراطي بتمكنهم من تخطي تلك المرحلة، إلا أن الإمارات مازالت مصرة على إجهاض تلك التجربة، موضحة أنه تلك الخطة كانت على رأس أولوياتها منذ أن بدأت الثورة التونسية، والهدف منها «إرسال رسالة إلى القوى العالمية بأن الديمقراطية ليست مناسبة للعرب، ولا بديل عن الأنظمة الاستبدادية، والتي تستطيع فرض الأمن والاستقرار وحماية مصالح تلك القوى».
إثارة الصراعات الايديولوجية
ولفهم طبيعة دور الإمارات في تونس والمنطقة بشكل عام، طالبت الصحيفة، بمتابعة تصريحات حلفاء أبوظبي في تونس، والاطلاع على برامجهم السياسية «المليئة بالكراهية والتصميم على القضاء على المعارضين»، ونظرا للتجانس النسبي للمجتمع التونسي وانعدام الانقسامات الدينية والعرقية التي يمكن استغلالها، ركز وكلاء أبو ظبي على إثارة الصراع الأيديولوجي، وخاصة ضد الحركة الإسلامية الديمقراطية.
أما المحور الثاني في الخطة الإماراتية فركز على وسائل الإعلام، باستخدام قدراتها المالية، حيث شجعت وسائل الإعلام الإماراتية ومراكز البحوث التي دأبت على انتقاد العملية الديمقراطية في تونس، عددا من الصحفيين التونسيين والشخصيات البارزة والمثقفين على شن مثل تلك الهجمات.
واستخدمت الإمارات هذه الوسائل لنشر اليأس بين التونسيين، وزرع مشاعر الحنين للنظام السابق واعتبار الثورة جريمة، واتبعت سياسات مماثلة في ليبيا واليمن، حيث تدخل التحالف الذي تقوده الإمارات والسعودية لإنقاذ علي عبدالله صالح، غير الجهود التي بذلتها لإعادة نظام مبارك في مصر وعودة رجاله إلى السلطة.
الانسجام مع إسرائيل
وبسبب تلك السياسات البغيضة أصبحت الإمارات خطرا على نفسها وعلى المنطقة العربية بأسرها، بسبب تنسيقها المستمر مع جماعات الضغط المتطرفة والجماعات المتطرفة في الولايات المتحدة وأوروبا والذين يعتقدون أن الدول العربية متخلفة ولا يمكن السيطرة عليها إلا بواسطة العنف، مثل السيسي وخليفة حفتر وغيرهم.
ووصفت الصحيفة ما تفعله الإمارات بـ«اللعبة القاتلة» والمكلفة لشعوب المنطقة ومن ضمنهم الإمارات نفسها، مضيفة: في الذكرى السنوية للثورة التونسية فإن نساء ورجال تونس مصممون على أن تدخل أبو ظبي ومؤامراتها لن يزيدهم إلا تصميما على إبقاء شعلة الثورة مشتعلة، فبحسب الصحيفة، «لهيبها وحده من أنقذها من الهواية والإذلال والاضطهاد والخوف».
وأكدت غنوشي في نهاية مقالها، «أن التونسيين سيدافعون عن تجربتهم الديمقراطية الرائدة، ولن تعود تونس إلى الوراء بغض النظر عن عملاء البترودولار ومخطاطاتهم المفضوحة».