أكّدت صحيفة «لوب لوج» أنّ سياسة الرئيس دونالد ترامب، الازدواجية والمتخبطة، تسبّبت في عزل أميركا عن محيطيها الإقليمي والدولي، وأفسدت العلاقات بينها والدول المنافسة والحليفة على حدٍ سواء؛ إذ جاءت استراتيجيته للأمن القومي مغايرة تمامًا لتصريحاته التي دأب فيها على مهاجمة الجميع.
وأضافت، وفق ما ترجمت «شبكة رصد»، أنّه أغرق سياسة أميركا الخارجية بتصريحاته من الشرق الأوسط إلى آسيا، وتخبطاته، التي كان آخرها عن كوريا الشمالية بأنه «غير متأكد مما يجب فعله تجاهها»، بالرغم من تصريحه السابق والأشهر: «سنرد عليها بالنار والغضب»؛ ويبدو أنه فقد الأمل في أي دعم كان يأمل فيه من روسيا والصين.
وفي الشرق الأوسط، تختلف مشاكله عن بعضها، لكنها متساوية؛ إذ خسر ترامب دولًا هدّدها بقطع المساعدات عنها، على لسان «نيكي هالي» مبعوثته في الأمم المتحدة أثناء التصويت على قرار يدين اعترافه بالقدس عاصمة للاحتلال.
تخبط بشأن روسيا والصين
وبالرغم من أنه يصعب معرفة تقدير موقف ترامب؛ فالظاهر أنّه صعب للغاية. ففي آسيا، وعلى مستوى علاقته بالصين، ورّط أميركا في أسوأ صفقة ستؤثر على وضعها الاقتصادي؛ بإقراره ممارسات تجارية غير عادلة مع الرئيس الصيني «شي جين بينج».
وفي بيانه عن استراتيجية الأمن القومي، أكّد ترامب على هدفه أثناء حملته الرئاسية: «جعل أميركا دولة عظمى مرة أخرى»، لكنّ خطاباته المتتالية عمّقت الشقوق بين أميركا والقوى المتنافسة، والخطر الأكبر أنه تسبب في عزل أميركا عن الأصدقاء والخصوم على حدٍ سواء. وبينما يفعل هذا، لا يتخذ أي إجراء جديًا لحل المشاكل المتصاعدة في الشرق الأوسط وشمال شرق آسيا؛ خاصة كوريا الشمالية.
وغير ذلك، وجّه ترامب انتقادات حادة إلى الصين، التي كانت مصدر إلهام لمسؤوليها الذين اعتبروها عودة إلى سياسات المواجهة الباردة حينما كان «ماو تسي تونج» زعيمًا للصين. والسؤال الأهم الآن ما إذا كان «شي»، أقوى زعيم صيني منذ «ماو»، سيتخذ إجراء لوقف تهديدات زعيم كوريا الشمالية؛ خاصة وأنّ الصين أيّدت عقوبات أميركا المفروضة على كوريا الشمالية بعد اختبارها لصواريخ بعيدة المدى.
والأغرب من ذلك: اتهامه لروسيا والصين بمحاولة تقويض دور أميركا العالمي كقوة عسكرية واقتصادية هائلة، وذكر تصريحاته هذه في أحلك الظروف أثناء الحرب الباردة؛ عندما شكّلت الصين وروسيا كتلة كبرى قوية معادية لأميركا، وتأتي هذه الاتهامات في الوقت الذي انخفضت فيه التوترات التي شابت علاقة العملاقين التاريخيين بعد تفكك الاتحاد السوفيتي ونهاية الحرب الباردة.
والأغرب مما سبق، وما يدل على أنّ ترامب شخصية غير مفهومة، استراتيجيته للأمن القومي الأميركي التي تحدثت عن علاقات حارة بين الصين وأميركا وروسيا؛ ما يصعّب تحديد ما يفكر فيه بالضبط، وكذلك مشاركته في محادثات ودية مع الرئيس الصيني، وكذلك المكالمة الودية اللطيفة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
في الواقع، كانت معظم محادثات ترامب مع بوتين ودية للغاية؛ إلى الحد الذي دفع «جيمس كلابر»، المدير السابق للاستخبارات الوطنية، أن يقول إنّ «الرئيس الروسى فلاديمير بوتين يتعامل مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب باعتباره أحد ممتلكاته وأنه يتلاعب به كضابط ماهر في جهاز استخباراتي».
ولا يوجد شك في أنّ روسيا في ظل بوتين تحاول تدمير الولايات المتحدة، وبذلت كل ما في وسعها لفوز ترامب على منافسته هيلاري كلينتون، التي بدت أكثر صلابة من ترامب، بينما يحاول ترامب الآن إفساد التحقيق الذي يجريه روبرت مولر، المدير السابق لمكتب التحقيقات الفيدرالية، بشأن دور روسيا في الانتخابات الأميركية وروابط ترامب السرية معها.
وإذا كانت استراتيجيته للأمن القومي دليلًا، فقد لا يكون مواليًا لروسيًا فعلًا؛ غير أنّ أفعاله تجاه روسيا والصين تسعى إلى تدمير الهيبة والقوة الأميركيتين.
إضافة إلى ذلك، ستتضح معالم خطوط الحرب الباردة بين أميركا والصين وروسيا معالمها أكثر في ما يتعلق بالأزمة الكورية الشمالية؛ إذ تظهر دلائل على أنّ الدولتين ستتخذان جانب كوريا الشمالية إذا اشتعل صراع مسلح.
الإخفاقات في الشرق الأوسط
وعلى مستوى الشرق الأوسط، تزداد مشاكل ترامب بعد قراره بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، وهو أمر منطقي فقط من وجهة النظر الإسرائيلية؛ لكنّ قراره قوّض العلاقات الأميركية العربية والإسلامية في جميع أنحاء الشرق الأوسط. وغير ذلك، عمّق من العداء مع إيران التي هددت بإبادة «إسرائيل» بالرغم من الاتفاق النووي القاضي بمنع إيران من بناء رؤوس نووية.
وعلى مستوى الشعب الفلسطيني، لم تعد أميركا وسيطًا نزيها فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية الإسرائيلية.
خسارة الحلفاء الأوروبيين
بذلك؛ تمكّن ترامب من عزل الولايات المتحدة عن كثير من دول العالم، بما في ذلك حلفاؤها الأوروبيون، الذين اتهمهم من قبل بأنهم لم يدفعوا ثمن ما تقدمه الولايات المتحدة لهم. وفي جو من التورات المتزايدة، خسر ترامب الدول في محيط شبه الجزيرة الكورية، وأجبر خصوم أميركا على الوقوف في وجهها صراحة. وبالرغم من كل هذا؛ راهن على مستقبل أميركا في العالم وقدرته على الوفاء بوعده بجعلها قوة عظمى مرة أخرى.