نشرت «شبكة الجزيرة» مقالًا للكاتب زيد العلي، المستشار القانوني للأمم المتحدة في العراق، عن الجولة القادمة «السياسية» من الصراع فيه بعد هزيمة تنظيم الدولة؛ داعيًا المرشحين المحتملين في الانتخابات المقبلة إلى التركيز على التحديات التي واجهت الحكومات السابقة ومواطن فشلها، وضرورة صنع سياسات قوية تؤثر على العراق وتحرّكه.
وقال الكاتب، وفق ما ترجمت «شبكة رصد»، إنّه مع هزيمة تنظيم الدولة والقضاء على الحركة الانفصالية الكردية ستكون الجولة العراقية المقبلة سياسية للغاية؛ إذ ستُعقد الانتخابات البرلمانية في مايو المقبل، والمواجهة بين معسكرين رئيسين لكلّ منهما رؤيته المتميزة عن الآخر تجاه الدولة العراقية المقبلة.
ويخطّط رئيس الوزراء السابق نوري المالكي إلى خوض التحدي ضد رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي، ويقدّم المعسكران سردين مختلفين تمامًا؛ فالأول يسعى إلى تحقيق مصالحة، والآخر يعتمد المواجهة والحماس في خطته. ومع ذلك، وبعد أن انتهت الحرب ضد التنظيم؛ فأيّ تحالف بين المقاتلين والسياسيين لن يُقدّم كثيرًا في الانتخابات المقبلة.
فبعد سنوات من فشل الدولة، من المرجح ألا يكون هناك مهتمون بالانتخابات بين أفراد المجتمع العراقي. ومن ناحية أخرى، سجلّ نوري المالكي رئيسًا للوزراء فاشل، بينما سيحاول العبادي الاستفادة من انتصار الدولة ضد التنظيم؛ ومن المرجّح أن يدعمه مقتدى الصدر، زعيم الحركة الصدرية (القوية) التي أعادت تشكيل نفسها داعمًا لسلطة الدولة وسيادة القانون.
وبغض النظر عن الظروف المفاجئة؛ ينبغي النظر إلى الآثار الطويلة المدى لنتائج هذه الانتخابات على السياسة العراقية، وقدرة الدولة على العمل. وفيما يتعلق بذلك، أعلن العبادي مؤخرًا أنّ حكومته ستقود حربًا ضد الفساد؛ لكنّ هذا يُقال منذ عام 2005، وفشله سيكون محققًا في هذه الحالة.
ومن دون تغييرات كبرى في النظام السياسي في العراق، فأيّ مجهود لإصلاح الفساد سيعتمد على موافقة البرلمان، الذي يسكنه أكثر الناس فسادًا في الدولة؛ وبالتالي الموافقة لن تمر أبدًا. إضافة إلى ذلك، لو أحرز العبادي فعلًا أيّ تقدم في مجال مكافحة الفساد فالوضع لن يؤثر على العراقيين العاديين؛ فهم في حاجة إلى إصلاح اقتصادي هيكلي كبير.
وهناك مشكلة طويلة الأمد لدى العبادي، وهي وصفات حكومته واستراتيجيتها، التي يتضح من تلك الموضوعة للعام المشرف على الانتهاء 2017 أنها تكرار للقائمة منذ عام 2005 أيضًا، وتكرار الاستراتيجيات غير مجدٍّ؛ وإذا أراد العبادي وداعموه من التيار الصدري أن يحققوا إنجازًا فعليًا للعراقيين فعليهم أن يحققوا قفزة نوعية في جهودهم نحو صنع سياسات قوية.
الخطوة الأولى في سبيل ذلك: إعادة تعريف السياسة والحكومة في العراق؛ كوسيلة لتحقيق أهداف سياسية محددة، والسماح لجماعات سياسية أخرى باحتلال مناصب وزارية. ونتيجة للابتعاد عن هذه السياسة؛ فالوزراء آخر من يناقشون أي شيء سياسيًا بشكل جاد.
بينما يدفع عراقيون من التيار الصدري بأنّ الحل تشكيل حكومة تكنوقراطية؛ أي يديرها خبراء وفنيون لا سياسيون. لكنّ ما يثار سوء فهم للمشكلة وتقدير خاطئ للحل؛ فالمشكلة ليست أنّ الحكومة يديرها سياسيون، بل سياسيون من النوع الخاطئ. وبجانب ذلك، لا يتقاسم الوزراء رؤية موحدة أو مشتركة للأمور.
وعليه؛ لا بد من معالجة الأداء الحكومي، وأن يشارك الجميع في وضع السياسات، وتكريس الجهود لتحقيق تقدّم هائل في التعليم والصحة، أهم قطاعين يجب الاهتمام بهما. وبالنظر إلى إخفاقات الماضي؛ نستنتج أنّ النجاح يكمن في اختيار جيل جديد من العراقيين لقيادة هذا الجهد، وإجراء تعديلات دستورية على دستور 2005 الفاشل؛ فمن دون إصلاح دستوري ستعجز السلطة القضائية عن أداء دورها رقيبًا.