قالت الكاتبة سمية الغنوشي، إن الثورة التونسية بدأت بـ«حركة احتجاجية بطلها الشاب محمد البوعزيزي وإحراق نفسه ردا على منعه من عرض بضاعته في سوق شعبية وتحطيم الأمن المحلي لعربته الصغيرة، ثم توسعت هذه الحركة الاحتجاجية، قبل أن تنتقل إلى قلب العاصمة تونس، وتتحول إلى ثورة سياسية واضحة المعالم».
وأشارت الباحثة في شؤون العالم العربي، إلى أن الثورات هبت في الأنظمة العربية بسبب «تشابه الأوضاع العربية العامة، ومن ذلك الحكم الديكتاتوري والفردي المختلط بالفساد المالي والتهميش الاجتماعي، ثم طبيعة الروابط الجغرافية وعمق الصلات الثقافية والاجتماعية العربية، ولكن الأهم من كل ذلك أنها توسعت فيما بعد إلى الجوار العربي الأوسع باتجاه مصر ذات الثقل السياسي والإستراتيجي، ثم ليبيا المجاورة واليمن وسوريا وحتى العراق».
وتابعت في مقالها: «ثار الشعبان التونسي ومن بعده المصري ضد نظامين تآكلت شرعيتهما، ليس فقط بسبب تكلسهما السياسي، ولكن أيضا نتيجة ارتباطهما بالسياسة الأميركية وتذيلهما لإسرائيل، حتى لم يعد ممكنا فصل العاملين عن بعضهما البعض».
وقالت: «لم يكن عجبا أن ظلت اللوبيات اليمينية المتحالفة مع إسرائيل تدافع عن نظام بن علي وتعده نموذجا للنجاح الاقتصادي والسياسي، وتثني على براعته في التخلص من معارضيه الوطنيين والإسلاميين المعتدلين، وحينما سئل دنيال بايبس، أحد أبرز الأكاديميين المناصرين لإسرائيل، أي الأنظمة السياسية في العالم العربي تمثل نموذج الاعتدال في المنطقة، لم يتردد في التصريح بأنه نظام الرئيس التونسي زين العابدين بن علي ولا أحد غيره».
وأضافت «لا شك أن قضيتي الحرية والكرامة كانتا في مقدمة مطالب الشارع التونسي والمصري. بيد أن جمهور الثورات العربية اكتشف أن هذه الديكتاتوريات المتآكلة ما كان لها أن تعمر دون دعم أميركا وإسرائيل، لقاء تمرير رؤيتهما للمنطقة وضمان تفوقهما العسكري والإستراتيجي على العالم العربي، تحت عنوان: ضمان الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط».
واستطردت: «لعل أحد المؤشرات القوية التي تدل على عمق ارتباط ثورات الربيع العربي بالقضية الفلسطينية ما نشهده اليوم من حراك شعبي في مناصرة القدس وفلسطين، خصوصا في البلدان التي تقدم فيها الربيع العربي نسبيا وانتزعت شعوبها بعض مساحات الحرية».
وأكملت: «وبينما ارتأت الولايات المتحدة مسايرة موجة التغيير التي باغتتها من حيث لا تحتسب، والسعي لاحتوائها وكبح جماحها، بالمجاملات الشكلية واستخدام القوة الناعمة ما أمكن، بغية تخفيف وطأتها وتداعياتها على المنطقة، فقد خيّرت تل أبيب التصدي للموجة العاتية منذ البداية والعمل على إفسادها وإجهاضها بكل الأشكال والصيغ».
ورأت أن ثورات الربيع العربي مرت بطورين مختلفين تماما؛ طور أول انطلقت فيه بديناميكيات داخلية بحتة فاجأت القوى الدولية وأربكتها بينما كانت منهمكة في ترتيب وضع التوريث وانتقال الحكم داخل المنظومة القديمة، سواء في مصر أو تونس، ومرحلة ثانية دشنها تدخل حلف الناتو في ليبيا، ثم توغل الأجندات الإقليمية والدولية أكثر في سوريا واليمن، بما أتاح للقوى الكبرى وبعض الدول الإقليمية إعادة ترتيب أوراقها والانخراط في خط حرف هذه الثورات عن مسارها، بل تخريبها من الداخل».
وتابعت: «اكتشف الشارع بحسه السليم الارتباط الوثيق بين مطلبي الانعتاق من ربقة الاستبداد، والتحرر من الاحتلال الصهيوني الغاشم الذي ما انفك يكبل إرادة العرب ويفرض عليهم دكتاتوريات طيعة تابعة، وهكذا، انتقل الشعار سريعا إلى «الشعب يريد تحرير فلسطين»، مضيفة:«إن موجات الارتداد هي التي تحمل بصمات الدسائس الدولية والإقليمية، لا هبات الشعوب وثوراتها ضد حكوماتها الدكتاتورية والتابعة. ما من مؤامرة أبشع من التسلط على رقاب الخلق والاحتماء بترامب ونتنياهو».
وأكدت «هذا ما دفع إسرائيل إلى إيقاف عدوانها على قطاع عزة في 2012، دون أن تجني منه شيئا، رغم حجم القتل والدمار الذي ألحقته بالقطاع المنكوب المحاصر، بعدما واجهت موقفا رسميا مصريا وتونسيا قويا ضد هذا العدوان السافر، عكسته قرارات الجامعة العربية المعززة بحراك شعبي واسع على الأرض».
وطالبت الذين ما انفكوا يرددون بأن ثورات الربيع العربي محض مؤامرة أميركية إسرائيلية أن «يتخلصوا من العدسات الأيديولوجية التي يضعونها على أعينهم فتشوّه لهم الحقائق، وينظروا إلى معطيات الواقع، بعيدا عن عمى الألوان».
وطرحت تساؤلا على الذين يدّعون بأن الربيع العربي الذي فجرته تونس لم يكن إلا مؤامرة أميركية إسرائيلية هو: «لماذا إذًا لا تسمحون لشعوبكم بالاحتجاج والتحرك في مواجهة المؤامرة الجلية التي تدور أمام أعين الكل للاستيلاء على القدس والإجهاز على ما تبقى من فلسطين؟والجواب واضح وبسيط: هؤلاء لا يجازفون بإطلاق حرية الشارع لأنهم يهابونه وترتعد فرائصهم من شعوبهم في الداخل، تماما كما يخشون غضبة حلفائهم في واشنطن وتل أبيب».
المصدر: الجزيرة