هناك وعلى مسافة 20 كم فقط غربي مدينة رام الله، وسط الضفة الغربية المحتلة، وتحديدا في قرية النبي صالح، برزت عهد التميمي (17 سنة)، والتي اعتقلتها جنود الإحتلال الإسرائيلي، فجر اليوم، بعد اقتحام منزلها، ومن ثم قاموا باقتيادها إلى مركز تحقيق في تجمّع مستوطنات «بنيامين»، شرقي مدينة رام الله.
ولدت «عهد» وحملت لقب عائلة «التميمي»، المعروفة بتاريخها النضالي في فلسطين، حرمها الاحتلال من والدها، عقب أسره، فشبّت شجاعة، لا تأبه لما يفعله جنود الاحتلال الإسرائيلي، كما قالت في لقاء تلفزيوني: «إحنا في القرية، بنعمل مظاهرات في وجه العدو، كل يوم جمعة».
لم تكن عهد طفلة عادية، فمنذ طفولتها تصدّرت أحداث قرية النبي صالح، والمواجهات التي تندلع مع جنود الاحتلال هناك، وتصدت، وهي في الثانية عشرة من عمرها، للجنود المدجّجين بالسلاح، وقهرت بشجاعتها فوهة البندقية التي لم تشعرها بالخوف قط.
نضال العائلة
ترعرعت الطفلة الشجاعة وسط عائلة ناشطة في مجال مقاومة الاستيطان، وشهدت عدة حالات اعتقال لوالدها باسم التميمي، الذي اعتُقل لأكثر من عشر مرات بمجموع خمس سنوات أمضاها في السجن، منذ بداية الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987، ولأمّ تُدعى ناريمان التميمي تصدت قبلها ومعها عشرات المرات لجنود الاحتلال المقتحمين للنبي صالح واعتقلت نحو ثلاث مرات، واستمر اعتقالها في كل مرة لعدة أيام.
وقد اعتقلت قوات الاحتلال الإسرائيلي، ظهر اليوم الثلاثاء، ناريمان التميمي، والدة الطفلة الأسيرة عهد التميمي، أثناء محاولتها متابعة قضية ابنتها في مركز شرطة بنيامين شرق رام الله وسط الضفة الغربية.
ولعهد عمةٌ استشهدت في عام 1992م، لحظة اعتداء مجندة إسرائيلية عليها أثناء حضورها جلسة محاكمة لابنها، دخلت حينها بعد السقوط على الأرض في العناية المكثفة لعدة أيام قبيل الإعلان عن استشهادها.
شجاعة باسلة
أول ظهور لـ «عهد» كان في مثل هذا الشهر قبل خمس سنوات، وهي تصرخ في وجه جنود الاحتلال عندما اعتُقل شقيقها الأصغر محمد، وبدت وهي توبخ الجنود المحتلين بسبب اعتقالهم له.
حينها؛ صرخت كثيراً في وجه العشرات منهم على مدخل قريتها، وانتشر مقطع الفيديو الذي تم تصويره في ذلك الوقت، كالنار في الهشيم، على مواقع التواصل الاجتماعي، كبطلة لم يقدر على طفولتها جنود الاحتلال إلا باستهدافها بقنابل الغاز المسيل للدموع، في محاولة لإبعادها، ولم يتمكنوا من ذلك.
اكتسبت «عهد التميمي» الشجاعة من المواجهة في الميدان، ومنعت، أكثر من مرة، جنود الاحتلال من اعتقال شبان في قريتها، ومنعتهم أيضاً، في أكثر من مرة، من استهدافهم بالرصاص الحي والمعدني المغلف بالمطاط، حين كانت تتصدى بجسدها وقلبها الطفولي لفوهات البنادق التي كان يصوبها جنود الاحتلال نحو الشبان المحتجين على الاستيطان هناك.
واستحقت «عهد» جائزة حنظلة للشجاعة التي نالتها من الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، قبل خمس سنوات، بعد ظهورها في العديد من مقاطع الفيديو التي تتصدى فيها لجنود الاحتلال الذين يهاجمون شبان قريتها لحظة خروجهم في كل جمعة بمسيرة أسبوعية رافضة للاستيطان على أراضيهم.
في مقابلة، أُجريت مع «عهد» عبّر برنامج «دنيا»، عام 2014، لم تخف الفتاة الصغيرة حينها، مما فعلته، أو المصير الذي ينتظرها، ظلّت تردد رسالتها، وتقول: «إذا بنضل نشوف الأخبار في التلفزيون، مين بيحرر الأرض، صلاح الدين؟».
وعندما سألتها المذيعة عن اعتقال بعض أقاربها، قالت، دون تردد: «بحزن عليهم لكن كل شىء فداء فلسطين»، وأضافت «بيشرفنّا نموت شهداء لفلسطين، هنكمل شو ما صار، رحّ نضل مكملين».
وفي أغسطس 2015، وثق فيديو منعها برفقة والدتها جنود الاحتلال من اعتقال شقيقها محمد مرة أخرى، الذي كان يعاني آنذاك من كسر في اليد، وانطلقت على إثر الفيديو ردود أفعال كثيرة لتصرفات جنود الاحتلال الإسرائيلي بحق الأطفال الفلسطينيين واعتقالهم بطريقة وحشية، وأخرى تشيد بشجاعة تلك الطفلة التي تمكنت من تخليص شقيقها من الاعتقال.
ولعل آخر مقاطع الفيديو، التي أظهرت شجاعة «عهد» كان الجمعة الماضية، عندما منعها جنود الاحتلال من اقتحام منزلها ونصب كمين لعدد من الشبان المتظاهرين في المسيرة الأسبوعية ضد الاستيطان والغاضبة ضد قرار ترامب، الذي اعترف بالقدس الفلسطينية عاصمة لدولة الاحتلال.
وظهرت التميمي وهي تطرد، بعنفوان الفلسطيني الرافض للاحتلال، الجنود من منزلها. وفي ذات الفيديو، الجنود يتراجعون للخلف مقهورين من شجاعة أنوثتها، وتمكنت من منعهم من اقتحام المنزل ونصب المكيدة للشبان والأطفال هناك.
ومع بداية فجر الثلاثاء، اعتُقلت «عهد» من منزلها، وكتب والدها على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي، «فيس بوك»: «الأصدقاء الأعزاء.. اقتحم الجيش الإسرائيلي بيتنا، وتم اعتقال ابنتي (عهد التميمي) ومصادرة كل أجهزة الكمبيوتر وكاميرات التصوير، بالإضافة إلى أجهزة الاتصال الخاصة فينا والاعتداء بالضرب على الجميع وتفتيش البيت وقلب محتوياته».
حملة صهيونية
ورغم أن فلسطين زاخرة بالأبطال كأمثال «عهد» الذين يتصدون لجنود الإحتلال الذين يسرقون أرضهم، ويقتحمون منازلهم، ويستهدفونهم بالرصاص وقنابل الغاز المسيل للدموع، لكن عهد التميمي تعرضت لحملة كبيرة على وسائل الإعلام العبرية، ومواقع التواصل الاجتماعي الإسرائيلية، واتهمت بضرب الجنود المقتحمين للمنزل وهم يحاولون الاعتداء على عائلتها بمنزلهم في القرية.
اكثر من ذلك، وفي تحريض مكشوف، دعا كل من وزير جيش الاحتلال افغدور ليبرمان ووزير التعليم نفتالي بينيت إلى عدم الاكتفاء باعتقال عهد بل بمعاقبة افراد اسرتها جميعا.
وبعد اعتقال «عهد»، شنّ رواد مواقع التواصل الاجتماعي حملات للإفراج عنها، فيما كتب المتحدث الرسمي لجيش الاحتلال الإسرائيلي، «أفيخاي أدرعي»: «تخيلوا ماذا كان ليحدث لهذة المستفزة لو تصرفت بهذا الشكل مع ضباط أو جنود عندكم؟».
وأضاف: «من التحقيق الأول الذي أجراه قائد الكتيبة يتضح أن قائد السرية وصل بنفسه إلى المنزل لمنع دخول المشاغبين، وتعامل بمهنية عندما لم ينجر إلى العنف وذلك مع التاكيد أنه كان يحق له اعتقال الفلسطينيات في الميدان على خلفية استخدامهن العنف إلى جانب محاولتهن اعتراض مهمة الجنود».