إذا كان لعبدالفتاح السيسي طريقٌ حاليًا فهو عاصمته الإدارية الجديدة، التي سترتفع وسط الصحراء على مدار الـ18 شهرًا المقبلة؛ ومن المقرر أن ينقل وحكومته مقراتهما إلى هناك، تاركين وراءهم الازدحام والتلوّث والقاهرة الحالية السيئة السمعة.
ومن المتوقّع افتتاح العاصمة الإدارية الجديدة في منتصف عام 2019، وهو المشروع الأكثر جدلًا بين مشاريع أطلقها السيسي، الذي يقود جهودًا لإعادة بناء الاقتصاد المهزوز وتحسين صورة نظامه.
وقال خالد الحسيني، مدير إدارة التنسيق الحكومي والدولي في العاصمة الإدارية الجديدة: «لدينا الحق في أن نحلم»؛ فـ«هناك دول أخرى مثل البرازيل وساحل العاج بنت عواصم جديدة لها».
ويشرف الجيش على شركات البناء الخاصة المشاركة في المشروع، وهو ما يؤكد تعزيز نظام السيسي من دور الجيش في الاقتصاد المصري.
واكتسب السيسي زخمًا في مصر بعد انقلاب عسكري قاده ضد سلفه المنتخب ديمقراطيًا محمد مرسي في عام 2013، واعتمد على الجيش لإدارة مشاريعه الكبرى؛ متجاوزًا البيروقراطية الحكومية، البطيئة وغير الفعالة. وكنتيجة مباشرة لذلك؛ توسّعت البصمة العسكرية على قطاعات أخرى؛ بدءًا من المستحضرات الصيدلانية وحتى إنتاج الصلب والأسمنت.
وينوي السيسي نقل مقرات الحكومة إلى العاصمة الإدارية الجديدة؛ مثل البرلمان والقصر الرئاسي والمحكمة الدستورية والبنك المركزي، ومن المقرر انتقال مليون شخص إلى هناك.
ومن المقرر، في العاصمة التي لا يُعرف اسمها، وجود مطار ودار أوبرا ومركز تجاري ضخم مكون من 20 برجًا و32 مكتبًا وزاريًا، وكبرى ناطحة سحاب في إفريقيا، وأكثر من عشر جامعات، وسيكون هناك أيضا حيٌّ دبلوماسي لأكثر من مائة سفارة، واُستُكملت قرابة 30 ألف شقة سكنية حتى الآن فيه.
إهمال القاهرة الحالية
ومن المتوقع أن تكلف المرحلة الأولى قرابة 4.5 مليارات دولار. وبينما يقول مسؤولون إنّ الحاجة إلى عاصمة جديدة ملحة بسبب الضغط الكبير على القاهرة؛ يرى المعترضون أنّ مصر لا تتحمل تكلفة بناء مدينة جديدة، ويشعر آخرون بالقلق من أنّ القاهرة الحالية ستعاني من الإهمال الحكومي؛ وبالتالي ستضمحل مع الوقت.
وبالفعل انتقل أثرياء مصريون إلى «كمباوندات» على حواف القاهرة في العقد الماضي؛ بعدما أصبحت أكثر ازدحامًا وتلوثًا.
وتعتقد مي الإبراشي، مهندسة معمارية ورئيسة جميعة الفكر العمراني، وهي مجموعة تهدف إلى الحفاظ على تراث القاهرة التاريخي، أنّ الموارد المستخدمة في بناء العاصمة الجديدة كان من الممكن استخدامها لمعالجة مشاكل القاهرة.
وتساءلت: «لماذا لا تُستخدم الموارد المتاحة للعاصمة الجديدة في تطوير الأصول الموجودة لدينا وتحسينها؟»، ماذا سيحدث للقاهرة بعد النزوح منها؟ بالتأكيد ستُهمّش. لدينا هنا في القاهرة موارد مدهشة؛ فكيف نذهب ونترك شيئًا يعبّر عن هويتنا وراء ظهورنا؟
بينما اشتكى مصطفى كامل السيد، أستاذ السياسة بجامعة القاهرة، من أنّ المناقشات بشأن العاصمة الجديدة لم تكن بشكل كافٍ، مضيفًا أنّ «البلاد تواجه مشاكل الفقر والبطالة؛ ما يعني أنّ الموارد لا بد أن تتجه لتطوير الأنشطة الإنتاجية، وبناء العاصمة الإدارية الجديدة عكس الأولويات، التي لا بد أن يحدّدها الشعب بأكلمه وليس شخص واحد فقط: السيسي».
عجز الموانة
وفي ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية من بعد ثورة يناير 2011، تعاني الحكومة من عجز مستمر في الموازنة قدره 10.9% من ناتج الإجمالي المحلي؛ ولجأت إلى صندوق النقد الدولي للحصول على قرض قيمته 12 مليار دولار.
لكنّ المسؤولين يصرون على أن العاصمة الجديدة لن تحمّل خزينة الدولة المتوترة عبئًا إضافيًا. وقال أحمد زكي عابدين، رئيس شركة العاصمة الإدارية الجديدة ووزير التنمية المحلية السابق، إنّ التمويل سيأتي من بيع الأراضي إلى مطوري القطاع الخاص، وستُموّل تكلفة بناء الحي الحكومي من الشركة، ثم تُسترد من بيع المباني القديمة للوزارات في القاهرة أو إيجارها.
وأضاف أنّ الموظفين الحكوميين الذين انتقلوا إلى هناك سيستفيدون من الدعم المالي لتمكينهم من شراء منازلهم.
لكنّ النقاد يتحدثون عن سجل مصر الطويل من الفشل في بناء المدن الجديدة، التي تفتقر إلى المرافق وجذبت عددًا قليلًا من السكان. ومع ذلك، يصرّ أحمد عابدين على أنه لا يبني مدينة أشباح، ويقول: «الناس يقولون إن المشروع يهدد خزينة الدولة؛ لكنّي أقول لهم: لا؛ بل سيجلب عوائد للدولة»!