نشرت صحيفة «ميدل إيست آي» مقالًا شرحت فيه الأسباب التي تُصعّب على السعودية خوض حرب عسكرية ضد إيران، التي تمكّنت في العقود القليلة الماضية من تشكيل قواعد داعمة لها في المنطقة، بجانب الصواريخ المنتشرة بين أيدي الحوثيين وهدّدت بها المملكة بطريقة غير مباشرة، إضافة إلى أنّ «إسرائيل» والولايات المتحدة غير مستعدتين للتضحية من أجل السعودية؛ خاصة وأنّ مصالحهما لا تتعرّض إلى الخطر بشكل مباشر، وغيرها من العوامل.
وأضافت، وفق ما ترجمت «شبكة رصد»، أنّ «نيكي هالي»، مبعوثة أميركا لدى الأمم المتحدة، قدّمت في عرض بقاعدة بولينج للقوات الجوية بواشنطن، مقر المخابرات الأميركية، يوم الخميس «أدلة على أنّ إيران أطلقت الصاروخ تجاه الرياض من الأراضي اليمنية».
وأضافت «نيكي» أنّ هناك أدلة ملموسة على انتشار الأسلحة الإيرانية غير الشرعية، جُمعت من أماكن هجمات عسكرية مباشرة ضد شركائنا في المنطقة، داعية إلى تشكيل «ائتلاف عالمي لمواجهة الجمهورية الإسلامية».
وقالت: سنواصل بناء مواقف دولية، لكنها لا تتعلق بالاتفاق النووي الإيراني؛ بل بشأن ما تفعله إيران غيره، وسيمضي الرئيس والكونجرس قدمًا في مواجهتها وإيقافها عما تفعله.
ورحّبت السعودية على الفور بتعليق «نيكي»، وحثّت المجتمع الدولي على مُساءلة النظام الإيراني عن أعماله العدائية.
وما أشير إليه آخر مثال على تصاعد التوترات بين الرياض وطهران على الساحة العالمية.
هل هناك مواجهة عسكرية محتملة؟
التنافس الجيوسياسي بين السعودية وإيران ليس جديدًا، حتى قبل «الثورة الإسلامية» عام 1979 نُظر إلى إيران تحت حكم «محمد رضا شاه بهلوي» على أنها منافس إقليمي للدول العربية، وامتلكت حينها علاقات قوية مع الولايات المتحدة و«إسرائيل».
وبعد الثورة بقيادة «آية الله الخميني»، اكتسب التنافس الإيراني العربي بُعدًا أيديولوجيًا قويًا، وعرف بأنه «صراع طائفي».
واستمر التناحر الجيوسياسي والأيديولوجي من أجل السلطة والنفوذ في الشرق الأوسط حتى الآن، لكن بأشكال متفاوتة؛ لكنّ التوتّرات وصلت اليوم إلى مستوى غير مسبوق، فعندما قاد «تنظيم الدولة» هجومًا مسلحًا في طهران يوم 7 يونيو الماضي اتّهمت إيران السعودية وأجهزة استخباراتها بأنهما وراءه.
لكنّ طهران ردت على ذلك بقصف مواقع للتنظيم في محافظة دير الزور السورية في 18 يونيو. وعندما أطلق الحوثيون صاروخًا تجاه الرياض، اتّهمت السعودية طهران بالوقوف وراءه؛ بل وذهبت إلى أبعد من ذلك، إذ قال ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إنّه من أعمال الحرب، واتّهم إيران بالعدوان العسكري المباشر على المملكة؛ ما يشير إلى أنّ مخاطر المواجهة بين الدولتين خرجت عن نطاق السيطرة إلى حد كبير، لكنّ السعودية لن تستطيع خوض حرب ضد إيران.
والخبر السيئ للسعودية أنّ إيران استطاعت في السنوات الماضية صنع شبكة قوية من العلاقات مع دول في المنطقة، كما شكّلت قواعد في دول تعد عامل ردع قويًا لمن يفكر في مهاجمتها، ويمكن استخدام هذه العوامل لصالحها إذا اندلع أيّ صراع.
وقال الجنرال حسين سلامي، نائب قائد الحرس الثوري الإيراني، في خطاب بثه التلفزيون، إنّ الحوثيين لديهم القدرة على إمطار السعودية بصواريخ متعددة وفي وقت واحد بعد الهجوم الصاروخي الباليستي الحوثي على الرياض.
وأضاف أنّ اليمنيين يمتلكون كثيرًا من الصواريخ، لكنهم يمتنعون عن إطلاقها على السعودية حاليًا؛ لكنّ الظروف قد تتكشف بطرق تجعلهم يستخدمونها.
وكانت كلمات «حسين سلامي» تهديدًا غير مباشر للسعودية وحلفائها إذا قرّرا استخدام القوة ضد إيران؛ فترسانة صواريخ الحوثيين يمكن أن تنطلق في أيّ لحظة إلى السعودية.
والحقيقة أنّ التدخل العسكري السعودي في إيران أمر بعيد المنال، والتدخل العسكري في اليمن لم يحقق أهدافه حتى الآن؛ فلم تستطع السعودية هزيمة الحوثيين وإعادة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي إلى السلطة بالرغم من قرابة ثلاث سنوات حربًا.
طريق السعودية للحرب مع إيران
الواقع أنّ حملة السعودية على اليمن كلّفتها كثيرًا دون أن تأتي بثمارها أو تحقق أيّ انتصار يُذكر، كما أنّ إيران لن تتردد في نشر صواريخها الباليستية ضد الأهداف السعودية الرئيسة على الجانب الآخر من «الخليج الفارسي»، بما في ذلك البنية التحتية لإنتاج النفط السعودي وتصديره.
ومن المؤكد أنّ هذا سيؤثر على إمدادات النفط العالمية بطريقة دراماتيكية، وسيشكّل صدمة لأسواق الطاقة الدولية. وعلى الرغم من أنّ الرياض مُجهّزة بشكل جيد لاعتراض الصواريخ الإيرانية مع قدرات الدفاع المتقدمة التي تقدمها لها الولايات المتحدة، ويبدو أنّ قادة الحرس الثوري يعتقدون أنّ أنظمة الدفاع الجوي الأميركية الصنع لن تستطيع التعامل مع الصواريخ المتعددة في وقت واحد.
وبصرف النظر عن التهور الذي يعتري ابن سلمان، هناك عوامل هيكلية ذات طبيعة نفسية تدفع السياسة السعودية الخارجية لتكون عدوانية.
إحساس بالدونية
وفي المواجهة المتصاعدة مع إيران، يبدو أنّ السعودية تعاني من الإحساس بالدونية، وتحاول التعامل مع هذا الإحساس بردود فعل سلبية عدوانية؛ مثل التدخل العسكري الفاشل في اليمن، الذي بدأته الحكومة في أوائل عام 2015؛ أي ضمن المفاوضات النووية بين إيران والقوى العالمية.
بالإضافة إلى الحصار السعودي ضد قطر، وإجبار رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري على الاستقالة؛ وهما تحركان فشلا في نهاية المطاف. وهذه مجرد أمثلة على السياسة الخارجية القصيرة النظر الهادفة في المقام الأول إلى إيذاء المنافسين السعوديين؛ لكن دون أي نتيجة.
وأخيرًا، لا يمكن للسعودية أن تخوض حربًا ضد إيران؛ لأنّ حلفاءها -مثل أميركا و«إسرائيل»- ليسوا على استعداد لتقديم تضحيات كبرى بالنيابة عنها ما دام أنّ مصالحهم الاستراتيجية الخاصة لا تتعرّض إلى الخطر بشكل مباشر.
واعتبر كثيرون أنّ الاستقالة المشبوهة لسعد الحريري، التي أعلنها من الرياض وعُلّقت بعد، كانت محاولة يائسة من السعودية لتقويض الجمهورية الإسلامية بإثارة «إسرائيل» في مواجهة عسكرية مع حزب الله، الحليف الإقليمي الرئيس لإيران.
وعلى الرغم من كل الضجيج السياسي والإعصار الإعلامي للتهديد الإيراني المتنامي في المنطقة، تُركت السعودية وحدها في نهاية المطاف للتعامل مع طهران؛ ما يقودها إلى الحل الوحيد المقبول لمشاكلها مع إيران، وهو الدبلوماسية.
فما لم تنتهج السعودية وإيران طريق الدبلوماسية لن تُحلّ أيّ أزمة نشأت نتيجة للتقدم الإيراني وردود الفعل السعودية في الشرق الأوسط نهائيًا. والواقع أنّه يتعين على القوتين المتنافستين إدراك أنه لا يمكن لأيّ منهما أن يحكم بمفرده المنطقة ويكفل الأمن والاستقرار الإقليميين على حساب الآخر أو استبعاده.