نشر موقع «ناشيونال إنترست» مقالا للباحث في العلاقات الدولية في جامعة أكسفورد صموئيل راماني، يقول فيه إن وزارة الخارجية الإماراتية أعلنت في 5 ديسمبر عن تشكيل لجنة تعاون وتنسيق مشتركة مع السعودية.
ويشير الكاتب في مقاله، الذي ترجمه موقع «عربي21»، إلى أن هذه اللجنة تشكل منتدى رسميا بين السعودية والإمارات للتعاون الأمني خارج إطار مجلس التعاون الخليجي، لافتا إلى أنه بعد التصريح الصادر على الإمارات مباشرة، فإن المحللين الغربيين والعرب اعتبروا أن إنشاء اللجنة يعني التصعيد في الأزمة مع قطر، وشكل خطوة ضرورية تجاه تحالف أقوى بين الرياض وأبو ظبي.
ويعلق راماني قائلا إنه «مع أن السعودية والإمارات تشتركان في العديد من المصالح الاستراتيجية المشتركة، إلا أن تفحصا قريبا للدينامكية الجيوسياسية داخل مجلس التعاون الخليجي يكشف أن تحالف الرياض مع أبوظبي قد يكون أضعف مما يبدو، فقابلية التوتر بين السعودية والإمارات يظهرها عدد متزايد من الخلافات في السياسات الخارجية للبلدين، فعلى مدى الأشهر العديدة الماضية قامت السعودية بدعم قوات متنافسة في اليمن، بالإضافة إلى أنهما تتبنيان نهجين متناقضين لحل الحرب الأهلية السورية».
ويجد الباحث أن «الفرق الواضح والمتنامي بين السعودية والإمارات في السياسات تجاه التعامل مع الأزمات الإقليمية يشير إلى احتمال تصعيد مستقبلي في التوتر بين الرياض وأبو ظبي، وقد يكون أصعب في الحل من المواجهة مع قطر، ويمكن إيضاح الصعوبة في تخفيف أي خلاف بين السعودية والإمارات بطبيعة تلك الخلافات بين البلدين».
ويبين راماني أنه «على خلاف النزاع بين السعودية وقطر، الذي يتعلق مبدئيا بصراع لفرض الهيمنة، فإن الخلاف بين السعودية والإمارات ناشئ عن رؤى استراتيجية متنافسة، حيث كانت كل من السعودية والإمارات مستعدة لاستخدام القوة العسكرية والمبادرات الدبلوماسية أحادية الجانب لتشكيل النظام الإقليمي بحسب رؤيتهما، فالتوترات الناجمة عن الرؤى المختلفة ستستمر مستقبلا».
ويلفت الكاتب إلى أن «الرؤية السعودية للسياسة الخارجية قائمة على فهم طائفي للصراعات في الشرق الأوسط، وتصرفات الرياض الدولية تحركها الهوية السنية، ما يجعل القوى الشيعية الموالية لإيران أعداء لدودين يجب قمعهم بأي ثمن، حيث يقوم حكام السعودية بتقديم الدعم المادي والعسكري للحركات الإسلامية السنية في مناطق الصراع للمضاربة على إيران، وشجعت السعودية الفكر الوهابي بصفته حصنا ضد التأثير الإيراني في الشرق الأوسط».
ويوضح راماني أن «الرؤية الإماراتية ترفض النهج الطائفي للسعودية في تعاملها مع الصراعات الإقليمية، وعلى عكس تسامح الرياض مع الحركات الإسلامية، فإن أبو ظبي تدافع عن العلمانية في الشرق الأوسط، وعملت على خلق تحالفات غير أيديولوجية في مناطق الصراع، وكما أشار الخبير في مجلس التعاون الخليجي لدى (تشاتهام هاوس) نيل كويليام، في حوار في جامعة أكسفورد، إلى أن صناع القرار الإماراتيين يرون في الحركات الإسلامية المتطرفة خطرا على الاستقرار الإقليمي أكثر من خطر إيران. وهذا الاستنتاج قائم على حجة الإمارات بأن الشبكات الإسلامية لها جاذبية عابرة للحدود وتقاوم التنازلات السياسية».
ويفيد الباحث بأن «تقييم الإمارات لمفهوم التهديد يختلف عن تقييم السعودية بشكل واضح، وهذا ما أدى بصانع القرار الإماراتي لأن يأخذ موقفا مختلفا تجاه إيران، وتدعم الإمارات الفصائل الشيعية التي تدعم الاستقرار السياسي، وترفض التدخلات الإيرانية في الشؤون الخاصة لدول الشرق الأوسط التي تزعزع الاستقرار».
وينوه راماني إلى أن «الصدام بين أجندة الإمارات المؤيدة للعلمانية والسياسات السعودية الداعمة للسنة كان واضحا في توجهات كلا البلدين لحل الأزمة في اليمن وسوريا، والصراع بين المقاربتين السعودية والإماراتية في إيران يدور حول خلافات بين البلدين بشأن التهديد الذي يشكله الفاعلون الشيعة والشرعية السياسية للمجموعات الدينية المتطرفة».
ويذهب الكاتب إلى أن «المقاربة الطائفية التي تتبناها السعودية تجاه النظام الإقليمي تسبب بأن ترى الرياض في صعود حكومة شيعية في اليمن على علاقة قوية بإيران تهديدا لأمنها القومي، وانشغال السعودية بالتهديد الحدودي الذي يشكله الشيعة المدعومون إيرانيا كان واضحا في مقاربتها للتدخل العسكري في اليمن».
ويذكر راماني أن الجيش السعودي قام بغارات جوية في اليمن ليقوي من الوضع الاستراتيجي للرئيس السني المبعد عبد ربه منصور هادي، وقامت السعودية بنشر القوات على الحدود مع اليمن لمواجهة هجمات المليشيات الشيعية، لافتا إلى أن السعودية ترى أن حزب الإصلاح، المرتبط بالإخوان المسلمين، لاعب سياسي شرعي، حتى وإن حصل حزب الإصلاح على مساعدات مادية من قطر، حيث استمرت الرياض في استضافة أعضاء من الإصلاح، وتعاون الجيش السعودي مع الحملات العسكرية للإصلاح ضد الحوثيين.
ويقول الكاتب إن «الإمارات لا تشارك السعودية وجهة النظر ذاتها بخصوص الحكومة المدعومة شيعيا في اليمن، على أنها تهديد أمني مباشر، وبدلا من استهداف المليشيات الشيعية بشكل عشوائي، فإن أبو ظبي ركزت على المجموعات الإسلامية السنية والشيعية، وتعاونت الإمارات مع الحملة الجوية السعودية لقصف الحوثيين بنشر قوات في جنوب اليمن، لكنها أيضا دعمت الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، في عملياته العسكرية ضد الإصلاح».
ويرى راماني أن «استعداد الإمارات لاستخدام القوة ضد مليشيات الإصلاح المتحالفة مع السعودية يظهر التزام الإمارات في دعم القوى العلمانية في اليمن، بغض النظر عن انتماءاتها الطائفية، واستغلت الإمارات خلال الصيف خلافا بين صالح والحوثيين، بأن أصبحت الداعم الدولي الأول لصالح، وبررت الإمارات تحالفها مع صالح بحجة أن عودة صالح للحكم في اليمن كانت ستعيد الاستقرار للبلد التي مزقتها الحرب».
ويشير الكاتب إلى أن «وفاة صالح دفعت باليمن إلى مستقبل سياسي مجهول، حيث ترك فراغا في السلطة بين الشيعة المعتدلين، وغالبا ما ستلقي الإمارات بثقلها خلف قائد معتدل يسعى إلى حل سياسي شامل للصراع اليميني، وإن استغلت السعودية مقتل صالح لتبرير القصف الجوي العشوائي ضد الشيعة المتطرفين في اليمن، فإن الخلاف قد يصبح بين البراغماتية الإماراتية والطائفية السعودية أكثر حدة في الأشهر القادمة».
ويبين الكاتب أن «كلا من الإمارات والسعودية كانت لهما رؤى مختلفة بالنسبة لمستقبل سوريا السياسي، فمنذ بداية الحرب الأهلية السورية عام 2011 قدمت السعودية دعما عسكريا لفصائل المعارضة السنية، التي كانت تسعى للإطاحة بالرئيس العلوي الذي تدعمه إيران بشار الأسد».
ويستدرك راماني بأنه «بالرغم من تراجع فرص الإطاحة بالأسد على مدى العام المنصرم، إلا أن السعودية استمرت في استضافة قادة المعارضة السنية المتشددة، التي ترفض المفاوضات الدبلوماسية مع مسؤولي نظام الأسد، وتدل هذه التصرفات على أن احتواء النفوذ الإيراني في سوريا هو الهدف الرئيسي للسياسة السعودية في سوريا، ويستمر هذا الهدف خلف الجهود العسكرية في سوريا، مع أنه أصبح واضحا أن الدعم العسكري لمجموعات المعارضة المتشددة قد يعرقل الحل السلمي الذي يمكن أن يعيد الاستقرار إلى سوريا».
ويقول الكاتب إنه «مع أن الإمارات قدمت دعما عسكريا للمعارضة السنية في سوريا، إلا أن موقفها من تغيير النظام في سوريا كان أكثر فتورا من السعودية، وبدلا من ذلك فإنها ركزت على إعادة الاستقرار عن طريق نظام علماني، وتؤيد ذلك المفاوضات عبر قنوات خلفية مع نظام الأسد في بدايات الصراع السوري، وتعاونها مع جهود الوساطة الروسية في سوريا».
ويختم راماني مقاله بالقول إنه «مع أن النزاع بين السعودية وقطر يبقى التهديد المباشر الأخطر على بقاء مجلس التعاون الخليجي بصفته منظمة أمنية مشتركة، إلا أن الهوة المتنامية بين السياسة السعودية الداعمة للسنة، والإماراتية الداعمة للعلمانية، تهدد بصراع بالوكالة يشكل تهديدا أخطر لتماسك مجلس التعاون الخليجي».