سلّطت صحيفة «ميدل إيست موينتور» الضوء على ترشح الفريق أحمد شفيق إلى الرئاسة وموقف القوى المعارضة، المنقسم بين المثاليين المتمسكين بقيم الثورة والآخرين الواقعيين الذين يرون فيه أملًا في إنقاذ مصر من المستنقع الذي أسقطها فيه السيسي، بعدما شارك شفيق في إسقاط الرئيس محمد مرسي ثم خدعه المجلس العسكري وأوهمه بأنّ بإمكانه الترشح في الانتخابات الرئاسية بعد الإطاحة بمرسي؛ وكان مجرد كارت في أيديهم.
ووصفت الكاتبة المصرية أميرة أبو الفتوح، وفق ما ترجمت «شبكة رصد»، ترشح شفيق بالمسرحية السخيفة، مؤكّدة أنّ السخافة أصبحت سمة رئيسة بعد انقلاب 2013، وأصبحت الأمور في حالة من الفوضى، وبِتنا نسمع أمورًا بعيدة عن العقل والمنطق من الشعب المصري، الذي تعرّض إلى «غسيل دماغ» وتنويم مغناطيسي؛ باستثناء قلة قليلة تمكّنت من الحفاظ على عقلها، وهم المجموعة الذين أُنقذوا، لكنّ العقلانية تحوّلت إلى اتهام؛ وبسببها يُساءلون.
وشهد «السيرك المصري» ظهور أحمد شفيق، المرشح الذي خسر أمام الدكتور محمد مرسي في أول انتخابات ديمقراطية وحرة ونزيهة في تاريخ مصر وتوّجته أوّل رئيس مدني منتخب منذ سبعة آلاف سنة.
بعد هزيمته، حزّم حقائبه وهرب تحت عباءة الليل بناءً على تعليمات من المجلس العسكري؛ لتجنّب انتقام الإخوان المسلمين بمجرد توليهم حكم البلاد. لكنّ الحقيقة أنّ المجلس العسكري أراد التخلص منه؛ لأنهم كانوا يعدّون شخصًا آخر لتولي رئاسة الجمهورية، ولن يتقبلوا شخصًا مدنيًا رئيسًا لهم؛ ولن يسمحوا به مطلقًا في دولتهم التي يبنونها منذ عام 1952.
فلم يسمحوا لمرسي بأن يحكم أكثر من عام، ووضعوا كل العقبات في طريقه، وتآمروا ضده من خلف الكواليس.
واعترف شفيق قبل ثلاث سنوات بفخر في مقابلة تلفزيوينة أنّهم كانوا يخططون مع المندوب الأميركي للانقلاب ضد الرئيس الشرعي مرسي في الغرفة التي تُسجّل فيها المقابلة، وانتقد شفيق هذه الأيام الحكومة في مصر لأنها لم تقدّر الجهود التي بذلها للإطاحة بجماعة الإخوان المسلمين.
وفي الأشهر الستة التي سبقت الانقلاب، كان شفيق على اتصال يوميّ بوزير الدفاع الأميركي، مؤكدًا أنه لا يوجد أيّ استخدام لجماعة الإخوان المسلمين ولا بد من القضاء عليهم، واعترف بنفسه بهذا الانقلاب في مقابلة مع صحيفة أميركية، كما اعترف بدور المخابرات المصرية في الانقلاب؛ بعدما شكّلت «حركة تمرد» بتمويل من الإمارات العربية المتحدة.
وشعر شفيق بالغضب والخيانة من أولئك الذين ادّعوا أنهم يحمونه؛ لكنّهم رحلوه إلى الإمارات بطريقة كريمة، وفي قاعة كبار الزورا بمطار القاهرة، وادّعى أنه في رحلة لأداء عمرة. لكن، يبدو أنه نسي أن الكعبة في مكة وليست في دبي!
وكان يأمل في الترشح إلى الانتخابات عقب الانقلاب؛ لكنه عندما رأى الرئاسة خُصصت لشخصٍ آخر والمسرحية انتهت وأسدلت الستائر، أُجبره على دعم ترشيح السيسي؛ بعد تسريب شكك فيه في نزاهة الانتخابات المقبلة، وأكّد أنّ كلّ شيء أُعدّ مسبقًا وصناديق الاقتراع أُعدّت في وقت مبكر ودُبر كل شيء لصالح السيسي.
لم يتمكن شفيق من الترشح في الانتخابات، وانتقد بشدة المجلس العسكري، وقال: «إنهم لا يفهمون في السياسة»؛ فما الذي تغيّر فجأة في مصر؟ لقد سيطر المجلس العسكري على كل شيء في البلاد وأصبح أكثر وحشية عن ذي قبل، و«الجميع يعلم أنّ الانتخابات المقبلة أيضًا لن تكون نزيهة؛ بل هي مسرحية ساخرة، لا تحتاج إلى شيء إضافي لضمان فوز السيسي بمدة رئاسية ثانية، وهو الأمر نفسه الذي حدث مع شفيق في الانتخابات الماضية».
ولن يتمكن شفيق من خوض الانتخابات المقبلة، بالرغم من أنّ لديه مؤيديه ومشجعيه؛ خاصة أعضاء حكومة مبارك، بمن فيهم أعضاء الحزب الوطني ورجال الأعمال.
وما من شك أنّ إعلانه المفاجئ بالترشح إلى الرئاسة تسبب في ردود فعل على كل المستويات، بما في ذلك الرسمي والمعارضة، اللذان كانا هشّين للغاية. فبعد إعلان قراره بالترشح هاجمته أبواق وسائل الإعلام المحسوبة على النظام، وأثارت قضايا فساد كانت مرفوعة ضده.
والجميع يرددون التهم والقضايا نفسها، ويبدو أنه نصٌ أُقرّ ووزع عليهم من المكان الحاكم لكل القنوات الفضائية ولا يسمح لهم بالارتجال.
وفي الوقت نفسه انقسم المعارضون؛ فهناك «المثاليون» الذين يتمسكون بمبادئ الثورة ولم ينحرفوا يومًا عن هدفهم، ويرفضون الانتخابات الرئاسية من حيث المبدأ؛ لأنّ لهم رئيسًا منتخبًا شرعيًا اُختُطف. ويمثل شفيق لهم تحديًا كبيرًا للثورة؛ لأنّه من بقايا دولة مبارك الذي قامت ضده الثورة، كما يعتبرون شفيق مسؤولًا عن موقعة الجمل.
بينما يعتقد الجزء الآخر من المعارضة أنه يجب أن نكون واقعيين، وأن نغتنم الفرصة وندعم شفيق باعتباره منقذًا للبلاد من الأزمات التي تشهدها؛ ويشعرون بذلك بسبب موقفه من بيع جزيرتي «تيران وصنافير»، وكذا موقفه من الاتفاقية التي وقّعها السيسي مع إثيوبيا والسودان واعترفت بحقوق مصر التاريخية في مياه النيل.
وغير ذلك، يعتقد «الواقعيون» أنّ شفيق قادر على تحقيق مصالحة شاملة في البلاد وإنقاذها من شرنقة الانقسام والصراع؛ حتى إنهم ذهبوا إلى حد مقارنته بالرئيس التركي الراحل «تورغوت أوزال».
وأعلن شفيق في تسجيل بثته قناة الجزيرة أنّ السلطات الإماراتية تمنعه من السفر، وكان من المقرر أن يسافر إلى فرنسا للقاء الجاليات المصرية هناك؛ كجزء من حملته الانتخابية، واعتبر أنّ هذا تدخل في شؤون مصر الداخلية، بينما اعتبر أنصاره أنّ الإمارات اختطفته لمنعه من الترشح ضد السيسي، وهاجموا الحكومة الإماراتية لتدخلها في شؤون مصر الداخلية، وهذه «نكتة الموسم»؛ فالإمارات موّلت الانقلاب ومكّنت الحكومة الحالية «الانقلاب» من السيطرة على السلطة.
وازداد هجوم وسائل الإعلام «الفاسد» بسبب الفيديو الذي أذاعته قناة الجزيرة، وبدأت الأحداث في التسارع؛ فرحلته الإمارات إلى مصر على متن طائرة خاصة، ولم يشاهده أيٌّ من أفراد أسرته أو أنصاره الذين ذهبوا لمقابلته في المطار.
وبدؤوا يصرخون بأنّ «شفيق اختفى قسريًا»، وخاطبوا المجتمع الدولي، ومرّ يوم دون أن يعرف أحد مكانه؛ لكنه ظهر بعد ذلك على شاشة التلفزيون التي أكّد فيها قبل ستة أشهر مصرية تيران وصنافير، وقال إنه «سيعيد النظر في مسألة ترشحه للرئاسة»، وقدّم الشكر للإمارات على كرم الضيافة، وشكر السيسي على ترحيبه الحار، ثم ادّعى أنّ الجزيرة اخترقت هاتفه المحمول وسرقت الفيديو.
ويعتقد الجميع أنّ ماقاله شفيق ملفّق وأعدّته مسبقًا أطراف معينة؛ لكنّ الكاتبة لا تعتقد أنّ هذا صحيح؛ فهناك شخص أثّر على الفريق شفيق وخدعه وجعله يعتقد أنه سيدعمه وسيصبح بطلًا والجمهور سيقف خلفه. ويبدو أنّ بيانه أُملي عليه بضغط من الحكومة، ويبدو الآن في موقف ضعيف؛ لكن يظل السؤال: هل أُحرق شفيق إلى الأبد؟ وهل سيُسدل الستار عليه أم ستحييه هذه الواقعة من جديد؟