بدأت السلطة الفلسطينية تحركات على أرض الواقع، استباقا لإعلان ترامب المزمع يوم الأربعاء «القدس عاصمة لإسرائيل»، بعد تسريب تقارير أفادت نيته ذلك، وإرجاءه لنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس.
تحركات فلسطينية
وأجرى أمس الرئيس الفلسطيني محمد عباس اتصالات مع قادة وزعماء العالم، وعلى رأسهم الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون.
وقالت وكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية، إن عباس أطلع ماكرون على الوضع وخطورته، وحثه على المسؤولية الدولية من أجل عدم تغيير الوضع القائم، وفق الاتفاقات والقانون الدولي الذي ينص على أن القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية.
وشدد عباس في اتصاله مع ماكرون على عدم اتخاذ أية مواقف تجحف بنتائج مفاوضات الحل النهائي سلفا (المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية متوفقه منذ أبريل 2014)، وضرورة التحرك على كل المستويات من أجل ضمان ذلك.
ويوم 4 ديسمبر، يأتي ميعاد تمديد تأجيل نقل السفارة، ويحق لإدارة ترامب التوقيع على مذكرة لتمديد تأجيل نقل السفارة لمدة 6 أشهر، وهو إجراء دأب عليه الرؤساء الأمريكيون منذ إقرار الكونغرس، عام 1995، قانوناً بنقل السفارة إلى القدس.
وبحث عباس مع عدد من الرؤساء، منهم الرئيس التركي رجب أردوغان، ونظيره التونسي الباجي قائد السبسي، وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد، وأمير الكويت الشيخ صباح الجابر الأحمد الصباح، والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني. بالإضافة إلى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان تطورات الأوضاع وعواقب القرار الاميركي وتأثيره على المفاوضات.
وطالب عباس من الرؤساء حماية المدينة والمقدسات الإسلامية والمسيحية من المخاطر التي تتعرض لها.
الجامعة العربية تحذر
واعتبر الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، أن نقل السفارة من تل أبيب إلى القدس، «لن يخدم السلام والاستقرار، بل سيغذي التطرف واللجوء للعنف».
وقال أبو الغيط، في تصريحات صحفية، من القاهرة، إنه «يستشعر قلقاً عميقاً إزاء ما يتردد عن اعتزام الإدارة الأمريكية نقل سفارة الولايات المتحدة إلى القدس والاعتراف بها كعاصمة لإسرائيل».
وتابع: «الجامعة العربية تتابع المسألة بكل تفاصيلها الدقيقة لأنها إن حدثت ستكون لها انعكاسات بالغة الأهمية ليس فقط على الوضع السياسي، ولكن أيضًا على مستوى الأمن والاستقرار في المنطقة وفي العالم»مشددا على أنه «من المؤسف أن يصر البعض (لم يسمهم) على محاولة إنجاز هذه الخطوة دون أدنى انتباه لما تحمله من مخاطر كبيرة علي استقرار الشرق الاوسط وكذلك في العالم ككل».
وأشار أبو الغيط إلى أن الاقدام على مثل هذا التصرف ليس له ما يبرره، مؤكدا على أن نقل السفارة الأمريكية إلى القدس «لن يخدم السلام أو الاستقرار بل سيغذي التطرف واللجوء للعنف، وهو يفيد طرفاً واحداً فقط هو الحكومة الإسرائيلية المعادية للسلام».
وقال الصحفي الفلسطيني حسن شاهين، إنه من المتوقع «أن يكون اعتراف الإدارة الأميركية بالقدس الغربية عاصمة لدولة إسرائيل، على اعتبار أن القسم الشرقي هو فقط المحتل، وهو أمر يتطابق مع الموقف الروسي».
وأشار شاهين في تصريح لـ «رصد»، إنه إن حدث ذلك وفق التسريبات فإنه «يؤكد من جديد انحياز الإدارة الأميركية السافر لإسرائيل، فهي تعطي إسرائيل إنجازاً سياسياً هاماً في الوقت الذي تستمر فيه بالاستيطان وقدم أجزاء من القدس الشرقية والتضييق على سكانها وعزلهم عن امتدادهم الديموغرافي الفلسطيني».
لا رجاء في السلطة
واستبعد شاهين أن يكون للسلطة الفلسطينية موقف إزاء القرار الأميركي، وقال إنه «من غير المرجح أن ينعكس على موقف القيادة الرسمية من التسوية، قبل ذلك الإدارة الأميركية غطت سياسيًا على اجتياح الضفة الغربية وحروب إسرائيل على غزة ولم يمنع ذلك القيادة الفلسطينية من الاستمرار في التسوية».
وانتقد الصحفي الفلسطيني، إصرار القيادة الفلسطينية والأنظمة العربية على التعامل مع الولايات المتحدة كوسيط نزيه للسلام والتبرع مقدماً بالإعلان عن التعاون معها بخطتها المعروفة ب«صفقة القرن».
وصرح عضو اللجنة المركزية لحركة «فتح» عزام الأحمد، إن العلاقات الفلسطينية الأمريكية ستدخل في مأزق حقيقي إذا أعلن الرئيس، دونالد ترامب القدس عاصمة لإسرائيل، أو إذا لم يجدد قرار منع نقل سفارة بلاده إلى القدس.
وقال الأحمد «إنه سواء أعلن (ترامب) ذلك(القدس عاصمة لإسرائيل)، أو لم يجدد قرار منع نقل السفارة إلى القدس، فذلك يعني دخول العلاقات الفلسطينية الأمريكية بمأزق حقيقي، ويضع كل الحركة السياسية حول إحياء عملية السلام في مأزق مماثل»، لافتا إلى انحيازا أمريكيا لإسرائيل، وأنه لا يمكن التعامل مع واشنطن بعد هذا الإجراء إذا حصل«.
هل تتأثر المصالحة وعملية السلام
تتركز تصريحات السلطة الفلسطينية، في التحذير من تأثير القرارات الاميركية المتعلقة بالقدس على سير عملية السلام بين الاحتلال وفلسطين برعاية أميركية، إلا أن تلك العملية المعروف بـ «عملية السلام»، تجمدت المفاوضات الخاصة بها منذ 2014.
ووصف شاهين أن ما يسمى بعملية «السلام»، « أثبتت التجربة منذ مؤتمر مدريد للسلام عام 1991؛ أن ما يجري ليس عملية سلمية بل عملية تسليم، يقدم فيها الطرف الضعيف كل شيء مقابل لاشيء على صعيد الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.».
وأضاف أنه «حتى في إطار الفهم المجحف والظالم لتلك الحقوق بأنها مجرد إقامة دولة للشعب الفلسطيني على حدود 1967، الذي تبنته القيادة الفلسطينية والأنظمة العربية في مبادرتها الشهيرة للتسوية».
أما بالنسبة لعملية المصالحة بين السلطة وحماس، أشار إلى أن «من غير المتوقع أن تتأثر لقاءات وخطوات المصالحة لأن العنوان السياسي بالأساس شكلي وهامشي فيها، بينما يتمحور اهتمام طرفي الانقسام الفلسطيني على النفوذ والهيمنة على سلطة حكم ذاتي بائسة تحت الاحتلال».
وتشهد اتفاقات المصالحة بين حركة حماس والسلطة الفلسطينية عراقيل، وتبادل الاتهامات، حول تنفيذ بنود الاتفاق، وطالبت حماس أمس حكومة «الحمد لله» برفع العقوبات عن غزة أو الاستقالة ، بينما اتهمت «فتح» ، الطرف الآخر بأنه يسعى لإفشال عملية المصالحة.
وقال شاهين إن «عملية المصالحة متعثرة قبل القرار الأميركي، ومن المستبعد أن تثمر عن إعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني على أسس ديموقراطية كما يُعلن، هي لا تعدو أن تكون محاولة لترتيب الأوضاع الفلسطينية تمهيدًا للصفقة الأميركية المرتقبة».