في سيارة الأجرة من القاهرة حتى العريش , كان من المفترض كما في كل مرة أن يجيب علي عند إتصالي عندما طلبت هاتفه صديق لي ينتظرني في الموقف إلا أني تفاجئت بشخصٍ يسألني بالله عليك كن صادقاً معي وأحذرك من الكذب أين أنت بالزبط وصفت له مكاني الذي لا يبعد عن مكانه هو سوى بعض الأمتار , وصلت فإذا به يقول أهلاً أهلاً تفضل وأعلم أني اليوم لن أتركك في شأنك طوال الرحلة , وكان يغلب على كلامه المزاح وعلى وجه البساطة والبشاشة وربما هذا ما جعل صديقي الطيب يتعرف عليه قبل وصولي إليهم وركوبي السيارة معهم , كنت متوجساً نوعاً ما منه حصوصاً عندما رأيت رفيقه ورغم أنهما يتشابهان في اللحية الطويلة إلا أن المختلف في الآخر أنه لا يمتلك الوجه البشوش كرفيقه.
انطلقت السيارة بنا , فما كان من الشيخ هاني إلا أن قال لي إن كنت تحفظ دعاء السفر فردده فقلت وأنا متعب بشكلٍ لا إرادي لا يا شيخ لا أقرأه وأنت موجود فأدار لي ظهره مرةً أخرى وقال بصوتٍ مرتفع نوعاً ما أذن فلنقرأ سورة الفاتحة ويبدوا أنه نسي أمر دعاء السفر أو أنه ينساه على الأقل , وكنت غير مبالٍ له بسبب أني أميل للنوم أكثر.
بدأت الرحلة وأنطلقنا تحفنا رعاية الرحمن إلا أن رحلة السمر لم تبدأ بعد رغم أن همسات الشيخ هاني ورفيقه واتصالاتهم قلقاً من الوضع في سيناء والكمائن على الطريق لم تنقطع طوال الرحلة وكانا طوال الرحلة يبادران بالسؤال عني هل أستيقظت أم لازلت نائماً رغم أني كنت مستيقظاً وأفضل الراحة على الحديث , فقال أحدهم لا بأس الآن يستيقظ عند الاستراحة و”نستلمه” تجاهلت ذلك وأخذت غفوة حتى وصلنا الاستراحة فأستيقظت ذهبوا هم وبقيت لوحدي في السيارة إلا أن صديقي عاد قبلهم حاملاً لي معه بعض العصير والبطاطس المقلية “الشيبس” فأكلت معه وأخبرني أن الشيخ هاني كان مستاء من تجاهلك له وكان يتفق مع رفيقه عليك , قلت لا بأس دعهم.
انتهت الإستراحة وبدأت رحلة من السمر لم تنقطع وبادر الشيخ هاني صديقي بقوله يبدوا أن رضوان تعب من أكل “الشيبس” محاولاً استفزازي إلا أني تجاهلت ذلك مجدداً فأستمر حديث الشيخ هاني مع الجميع من أحبه داخل السيارة فأرتفع صوت المذياع فقال الشيخ هاني للسائق لا بأس عليك أنا لست كأولئك الذين تعرفهم وإذا أردت التدخين فأفعل فغفر الله لي فقد كنت أفعل أكثر من ذلك منذ سنة واحدة فقط وبدأ الشيخ حزيناً بسرد قصة توبته التي بدأت بموتٍ صديق له في مثل عمره كانت الصدمة في حياته والتي جعلته يعيد كل حساباته من جديد.
ويقول للشباب في السيارة لا كبير على الموت وبما معناه إن كنا سنعذب في كل الأحوال مهما فعلنا من أمور نظنها مريحة سنشعر بالعذاب على هذه الأرض فلما لا نختار لأنفسنا الراحة في السماء ويقول “الشيخ ” كنت أحياناً أغيظ الشيطان عندما أقول له ها أنا الآن اتوضاً لأصلي وحمداً لله على ذلك , كان الشيخ مرحاً في أسلوبه أمتع كل من في السيارة.
حينها سأله صديقي من أين أنت قال من حيث أجدع ناس في مصر بلد الرجولة وأخذ يعدد فضائل بلدته للركاب ومن ثم تحدث ثالثنا أنا وصديقي في الكرسي الأخير فإذ بالشيخ يعدل من جلسته ويسند ظهره إلى الباب وكأنه يقول الآن افرغ للحديث معكم , تحدثوا في الكسير من المواضيع عن ما هو رسمي وما هو شعبي حتى طلب منه صديقي زيارة تلك الأماكن الشعبية التي لا يستطيع دخولها فقال له “الشيخ” لا بأس عليك فأنا كشيخ بلساني الجميل أستطيع التعامل مع الجميع من كل الأماكن والشرائح حتى الضابط والبلطجي ولا يستطيع أحد الاقتراب منك ما دمت معي.
استوقفهم صوت الرجل الكبير في السن الذي يركب بجانب الشيخ ورفيقه قائلاً فضلاً أغلق النافذة فقد بدأت أشعر بالبرد فمازحوه قليلاً حتى ألح عليهم بإغلاق النافذة فأغلقوها بعد ان تذرع الشيخ بعدم وجود ذراع النافذة التي أخرجها وأغلق بها فقال السائق كيف أغلقت النافذة إن لم تكن معك الذراع فقال سميت الله وببركته أغلقتها.
استمر الحديث ونحن ماضون برعاية الله حتى قال له صديقي اليوم صليت في مسجد الحصري خلف الشيخ محمد حسان وقال الآخر الذي يشاركني الكرسي مع صديقي “وأنا استمتع عند سماعي للشيخ حسان ” إلا ان هذا لم يرق لـ “الشيخ هاني” قال ولكن حسان ليس جيداً في كل الأمور وسكت , إلا أن الحديث لم ينقطع وأنا أراقب بصمت فلم أستطع النوم.
حتى سألهم الشيخ هاني من جملة ما سألهم سمعت أن هناك جماعة في سيناء تسمى التكفير والهجرة ما رأيكم بها فأعتدل حينها رفيق الشيخ هاني وبدأت النقاشات تحتد فقال صديقي أنهم يكفرون الناس بالمجان والآخر قال أنهم يقتلون الجنود المصريين المسلمين وقت الإفطار ووو … حتى قال الشيخ هاني أكيد هناك سبب لذلك يبرر لهم هذا الأمر فهم عندهم عقيدة فما هو بإعتقادكم فأخذ النقاش مساراً آخر وبدأ الشيخ هاني يتسلل إلى عقولهم ووصل في كلامه إلى حيث يجيز لهم قانونهم قتل الناس “الكفار” لأن رئيسهم يحكم يستخدم القانون الفرنسي بالحكم حسب قوله ,
وهنا استيقظت أنا وانتفضت بعد أن كنت مسترخياً فقلت شيخ أسمح لي فقال وأخيراً صحوت واستدار رفيقه أيضاً نحوي فقلت شيخ الهاتف المحمول الذي كنت تستخدمه طوال الرحلة أليس من صنع غربي كيف تدعمهم وتقوم بشرائه وهم يقتلون المسلمين بهذا المال وهذه الملابس اين صنعت أليست من عندهم هذه السيارة التي نركبها لما تستخدم كل هذه الوسائل التي صنعوها ,
لا تنسى يا شيخ ان معظم من أنتسبوا إلى هذا الفكر لم يكونوا لا وعاظاً ولم ينشئوا التنشئة الإسلامية الصحيحة إلا أنهم كان في حالة من التيهان ووجدوا انفسهم فجأةً في عالم آخر فباتوا ينظرون إلى كل الأمور بسوداوية كبيرة ولا تنسى :من قال هلك الناس فهو أهلكهم” , توقف عند قول حبيبنا المصطفى عليه الصلاة والسلام “هلك المتنطعون , هلك المتنطعون , هلك المتنطعون” وهو قلما يدعوا على أحدٍ بالهلاك والمتنطع هو المغالي في الدين وكان حبيبنا يختار أيسر الأمور على الناس عندما يخير دوماً.
بدأت رسالته “عليه الصلاة والسلام” بخطاب الناس كافةً وتحمل وصبر عليهم صديقي إن كنت تجلس وسط طاولة سواء كنت علي أقصى اليمين أو اقصى الشمال ستسقط لا محالة وتنقلب الطاولة على رأسك في كلا الحالتين إلا إذا ألتزمت المنتصف وأتزنت , واجبك كشيخ أن لا تكون قاضياً تحاكم الناس بالقتل وإنما داعياً إلى الله بأذنه وسراجاً يضيء الطريق للناس الذين تاهوا عن الحق أخي الشيخ اين كنت قبل سنة من الآن كيف كان سيكون مصيرك وإلى أين كيف تحرم غيرك من هذه الفرصة في الهداية ؟
قاطعني في الحديث وقال لكن الناس يبحثون عن كل الشهوات والملذات عن الطعام وعن الشراب يسألون عن كل هذه الأشياء ولا يسألون عن الدين ؟ فقلت له : وإن سألتهم سيقولون نحن مقصرون أو ينسون ويحتاجون من يذكرهم كأي واحد منا وليس عليك إلا أن تتوجه لهم بالنصيحة والموعظة النصيحة فهذا واجبك تجاهم و”لست عليهم بمسيطر” ” إنما أنت نذير” لهم واسترشدت له ببعض الأدلة , وذكرت له كيف تعامل النبي مع خصومه في بداية الدعوة ولكن همه ذبح الناس وليس هدايتهم لدينة الرحمة وهذه الرسالة العالمية لأطبق على أهل الطائف الأخشبين “الجبلين” ولما كان من أصحابه جل من ناصبوه العداء في بداية دعوته إلا أنه صبر في الدعوة إلى الله أكثر مما صبر في جهاد أعداء الله .
استوقفني مجدداً رفيق الشيخ هاني ليقول هذا في بداية الدعوة وأين نحن من رسول الله؟ , فأجبته ورسولنا قال “ويعود الإسلام غريباً”أما عن أين نحن منه ومن صحابته قلت صديقي لا بأس مهما ابتعدنا يظل هو وصاحبته مثلنا الأعلى ألم ترى كيف قال لأحد صحابته ليتك تركته عندما قال لا إله إلا الله قال الصحابي ما نطقها إلا هرباً من الموت فقال نبي الرحمة عليه الصلاة وأزكى السلام أشققت عن قلبه , هنا واجبك أن تتعامل مع ظاهر الناس وتذكر أن النبي بكى أحبةً له في آخر الزمان لا يجدون على الحق أعواناً إيمانهم أعظم من إيمان صحابته فلما لا تكون أنت وهو وأنا عوناً للناس بدل أن نناصبهم العداء أين رحماء بينهم , وهنا فأنا ضد أنا يضيع مفهوم الشدة في مواجهة الأعداء الذين يسلبون حقوقنا وأراضينا هؤلاء من قتالهم واستعادة الحقوق منهم واجب فإن كنت ضد التنطع فأنا ضد الميوعة .
بينما الشيخ هاني جالساً حائراً يتفكر إذ برفيقه يقول وأظنه متهكماً هذه الجماعات من صنع المخابرات وأناس من الخارج , أليس كذلك يا رضوان قلت ربما وإلى حدٍ ما هذا صحيح وإن كان ليس هو المعيار دائماً فالمعيار الأساسي هو جهل الشباب وإندفاعهم وحماستهم لتغيير وربما هؤلاء الذين هم من أجهزة أعداء ويديرون الأمر وجدوا في هذا الشاب الطيب المتحمس تربةً خصبة لنشر أضاليلهم عليه وحرفه إلى هذا المستوى من التفكير.
ولا شك أن المرحلة الماضية والعقود التي مضت من الكبت والقهر واليد المتغطرسة التي كانت على رقاب الناس وكانت تحارب تدينهم جعلت الكثير من المسلمين أما يهربون من الدين أو يهربون بالدين وجعلت البعض يتشدد أكثر واكثر لأنه لا يجد فرصةً للتغير في المجتمع أما اليوم فلا عذر لكم أبداً واجبكم أن تستغلوا هذا المناخ بالدعوة إلى الله لا بتنفير الناس من دين الله , ألا تذكرون المواطنين في أمريكا كيف قالوا “اسلمنا على يد بوش” كيف أنهم كانوا لأول مرة يسمعون عن الإسلام من المجرم بوش هذا يكشف لكم عن حجم تقصيرنا في تبليغ هذه الرسالة ,
وبذرة الخير موجودة في كل إنسان كما الشر وكما ان الإيمان يزيد وينقص ويحتاج إلى رعاية فتلك النبتة أو البذرة في نفوس الناس تحتاج أشخاصاً مثلكم ترتوي من نبع الإيمان الصافي لتزهر وتعود لها الحياةُ من جديد , وإن كان الإسلام اليوم مكروهاً في ديار المسلمين وتعافه الكثير من النفوس فكيف لنا أن نبحر به إلى العالم أجمع واجبنا تصحيح جبهتنا ومجتمعنا وان يحتضن المجتمع هذا الدين ويتعزز داخل كل فردس فيه حتى يؤديه بحقه وبعد ذلك يكون قابلاً للقيام بالمجتمع.
وصلنا إلى المحطة التي نزلت عندها وعندما مددت يدي لأسلم عليه كان مرتبكاً بعض الشيء فقد كان لا يزال الشيخ هاني في حيرته وصديقه منزعجٌ نوعاً ما والحاجة في السيارة كانت تدعوا للفتى الذي كان يناقش الشيخ وودعني الركاب بإبتسامة كما فعلت وتركتهم متمنياً لهم السلامة.