وأضافت، وفق ما ترجمت «شبكة رصد»، أنّ من أهم نتائج رؤيته حتى الآن الإعلان عن بناء منتجع سياسي على البحر الأحمر، يتوافق مع أصدقائه الليبراليين، وسيسمح للنساء فيه بارتداء البكيني، وبناء مدينة أشبه بلاس فيجاس، وهو أمر ليس مستغربًا؛ فلوحظ منذ زمن طويل أن آل سعود حوّلوا مكة المكرمة إلى منتزه.
ويُفهم مصطلح «الإصلاحات» داخل المملكة على وجهين؛ الأوّل: أنه ينبغي دعم خطوتها لجعل المجتمع السعودي أكثر انفتاحًا تجاه المرأة أو غيرها من الفئات المضطهدة. لكنّ هذه الإصلاحات يُنظر إليها من جهة أخرى على أنها «اتجاه نحو الاستبداد المطلق» لابن سلمان.
وبعبارة أخرى، الإصلاحات الحقيقية التي نفذها ابن سلمان هي السماح للنساء بارتداء البكيني؛ لكنّ الإصلاح الفعلي يحاول تنفيذه بقمع وعنف، وهو ما دلّت عليه حملاته الأخيرة ضد أمراء ورجال أعمال ومن يريدون إصلاح المملكة فعلًا. و«لن يتعايش ابن سلمان والمؤسسة السعودية مع الذين يدعون إلى إصلاح مجتمعي حقيقي».
إصلاح أم سعي شخصي؟
على مدى الأشهر القليلة الماضية، أصّلت السعودية سياسات قمعية جديدة عزّزت من الدولة الأمنية الشرسة للقضاء على المعارضة. إضافة إلى ارتفاع معدل اضطهاد الشيعة والمعارضين السياسيين الآخرين داخلها؛ وهي خطوات بالتأكيد لا تستهدف الإصلاح، بل توطيد السلطة لابن سلمان.
وهو ما يقود إلى الخطوة الأخيرة التي فعلها، وهي الحملة ضد رفقائه الأمراء ورجال الأعمال والسياسيين في اتهامات مزعومة بالفساد. صحيحٌ أنّ الفساد داخل المملكة مشكلة كبرى، لكنها تتجاوز بكثير الأمراء الـ11 ورجال الأعمال والسياسيين؛ إذ احتجز ما لا يقل عن مائتي شخص. وفي الواقع، إنها مشكلة متأصلة في النظام الملكي برمته.
وكان «الفساد» مجرّد ذريعة لإزاحة من يشكّلون تهديدًا محتملًا لسلطته. وإذا كان ابن سلمان في حاجة إلى معالجة الفساد بشكل حقيقي وملموس داخل النظام الملكي السعودي والنخبة السياسية فعليه «اعتقال كل فرد تقريبًا داخل العائلة المالكة، بما في ذلك هو نفسه ووالده».
ويرى العالم الخارجي أنّ تهمة الفساد مبرر للقبض عليهم، وهو ما فعله ترامب؛ إذ برّر خطوة ابن سلمان ودعمه أمام المجتمع الأميركي بأنه يحاول القضاء على الفساد. لكن، محليًا وداخل المجتمع السعودي، يرى السعوديون -من بينهم «جمال خاشقجي»- أنّ المبرر هو دعمهم لقطر.
وهذا السرد نفسه استخدمه السيسي لتحطيم الديمقراطية في مصر، بدعم مالي ضخم من السعودية والإمارات العربية المتحدة؛ إذ اتهم محمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب، بتهم سخيفة مثل التجسس لصالح قطر، واتهم أعضاء جماعة الإخوان المسلمين وجناحها السياسي (حزب الحرية والعدالة) بدعمهم قطر وأنها التي تقودهم.
هل يتحرك ابن سلمان بدافع الخوف؟
في سياق الاضطرابات التي شهدها الربيع العربي، كانت الأولوية الرئيسة لآل سعود حماية نفسها من إيران، عدوها المتناقض. لكن، في الحقيقة، السعودية لا تخاف عدوًا أكثر من الديمقراطية، وهو المنطق الوحيد المفهوم لما يفعله ابن سلمان.
وقمعت المملكة احتجاجات واسعة النطاق للطائفة الشيعية في شرقها، و«استغلّت إيران ذريعة لمهاجمتهم»؛ لكن التهديد الحقيقي الذي لا تتصوره السعودية يأتي من المواطنين السعوديين السنة، الذين يؤمنون بالوهابية، ولن يسمحوا بتخليهم عن الفكرة التي أُسّست عليها السعودية.
وبينما يدعم معظم السعوديين النظام الملكي، هناك نسبة ليست قليلة تدعم جماعة الإخون المسلمين، وكانوا مؤيدين للدكتور محمد مرسي، الذي دمج الإسلاموية مع الديمقراطية؛ وهي الفكرة نفسها التي تدّعي السعودية أنها تحاول تنفيذها الآن: «الإسلام المعتدل».
وبسبب دعمها الكبير للسيسي، واجهت السعودية احتجاجات وتنديدات من شخصيات دينية مؤثرة داخل البلاد؛ فـ31% من السعوديين لديهم آراء إيجابية عن جماعة الإخوان المسلمين، بالرغم من أنّ المملكة تعتبرها «منظمة إرهابية».
ومن الغريب أنّ السعودية تقمع الإسلاميين وهي في طريقها لتعزيز الديمقراطية التي تدعيها؛ وهو ما يشير بوضوح إلى أنّ جماعات مثل الإخوان منبوذون، لا لأنهم إرهابيون؛ بل لأنهم يعززون الديمقراطية فعلًا، وهو السبب أيضًا وراء حصار «ابن سلمان» قطر، التي تدعم جماعة الإخوان على نطاق واسع.
وإذا كان على السعودية أن تواجه صعوبات اقتصادية لانخفاض أسعار النفط وزيادة المنافسة وانعدام الأمن في مجال الطاقة؛ فالانتفاضة التي شكّلت الربيع العربي يمكن أن تغرق المملكة إن انتقلت إليها؛ لذلك واجهتها بكل قوة.
وفي النهاية، إن نُفّذت رؤية «ابن سلمان» 2030 ستصبح السعودية مجتمعًا مفتوحًا يستغله المستثمرون؛ لكنّ المؤسسة الدينية الوهابية المتشددة لا يعنيها مجتمعًا مفتوحًا أو غيره؛ وبالتالي التحديات الحقيقية للسعودية ليست من الخارج، بل من داخلها نفسها.
ويُتوقّع من «ابن سلمان» مزيد من الاستبدادية؛ وما يفعله «مقامرة تاريخية» ستؤدي إلى نتائج عكسية تقود في النهاية إلى اضطراب لا مثيل له ولم يسبق لأحد رؤيته في المنطقة.