نشرت صحيفة «الهاف بوست»، تحليلا سياسيا للرئيس التنفيذي لمعهد بيروت، رغيدة درغام، حول التحولات السعودية الأخيرة والتغيرات القادمة والمتوقعة في الشرق الأوسط خلال الفترة القصيرة القادمة، وعلى مدار فترات أطول، متساءلة عما سيحدث بعد أن تقاربت استراتيجية ترامب حول إيران ووكلائها مع استراتيجية السعودية التي قررت أن حزب الله اللبناني هو «رأس الأفعى» في توسعات طهران بالعالم العربي، من العراق إلى اليمن عبر سوريا والبحرين.
ووفق ما ترجمت «شبكة رصد»، أجابت الكاتبة عن الأسئلة التي تحدد إطار تلك التحولات ونتائجها، مثل «هل هذا التقارب توجه سياسي متوافق فقط، أم هناك خطة بآليات وأدوات وتوزيع للأدوار وتحديد المسؤوليات، سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو غيرها؟ وما دور روسيا في السياق؟، وإلى أي حد يمكن لأوروبا أن تتكيف مع السياسة الأمريكية الجديدة والتي تنحرف جذريا عن سياسة إدارة أوباما؟، فأوروبا شريك في استيعاب جمهورية إيران الإسلامية».
توحيد الأطراف
والسيناريو الأفضل، بحسب رغيدة، هو توحيد الرؤية بين الأطراف الفاعلة الإقليمية والدولية الرئيسية على مسرح الإعداد، لاستباق أي حرب إقليمية مدمرة، وتحقيق تلك الرؤية يأتي باتفاقات تشمل إيران والعالم السني الذي تقوده السعودية وإسرائيل، وهما أكبر دولتين تريدان الزج بالمنطقة في حربٍ، وبشكل تقليدي استغلوا القضية الفلسطينية ذريعة لمنع أي تعايش سلمي في الشرق الأوسط، بجانب أن المواطنين العاديين الإيرانيين والعرب السنة، منهكون من الحروب الطائفية التي دمرت المنطقة وحطمت آمالهم وأحلامهم.
أصحاب الرؤى الواقعية
وعلى النقيض، هناك معسكرين آخرين يمكن أن يقال عنهما أنهما أصحاب الرؤية الواقعية، الأول يجادل بأن الصفقة الكبرى تتطلب حربا كبيرة، ويؤكد على أن التطبيع في العلاقات لا يأتي إلا بعد حرب، لكن الواضح حاليا هو أن جميع اللاعبين في المنطقة يريدون إبقاء تلك الحروب بعيدا عن منازلهم، فإيران لا تقاتل على أرضها، ولا إسرائيل، وتسعى السعودية والإمارات إلى ذلك، وهو ما يعني بعبارة أخرى، أن ساحة المعركة ستكون في سوريا والعراق واليمن ولبنان، وربما لبنان هو المكان الوحيد الذي يمكن أن تشارك فيه إسرائيل مباشرة.
ويقول المعسكر الآخر، إن إيران ليست على وشك الدخول في حرب، حتى من خلال حزب الله، لأن الهدنة التاريخية كالعلاقة بين الشيعة واليهود لن تنهار في هذه اللحظة من التاريخ فقط بسبب التقارب بين واشنطن والرياض، وبالتالي، فإن إدارة ترامب لن يكون أمامها خيار سوى الموافقة على مشروع «الهلال الشيعي»، والذي طُور بموافقة المؤسستين الأمريكية والإسرائيلية منذ فترة طويلة.
درس العراق
والسؤال الرئيسي مقابل تلك السيناريوهات: أين تقف الولايات المتحدة فعلا؟ وما هامش الثقة في إدارة ترامب وقدرتها على الوفاء بوعودها أو تهديداتها؟ علاوة على ذلك، أين تقف إسرائيل من نفس التوازن بين الحرب والسلام؟
ووفقا لمصدر مقرب من البيت الأبيض، تعلم «دونالد ترامب» درس قيم من العراق، فالولايات المتحدة لا يجب أن لا تكون في مقدمة الصفوف بحروب المنطقة، مضيفا أن أميريكا ستدعم لكن لن تقود، وستلقي بالعبء والمسؤولية على الكتلة السنية في محاربة الإرهاب.
وأضاف المصدر أن الولايات المتحدة ستدعم السعودية في كفاحها ضد الارهاب وفي سعيها للتحديث والإصلاح وتطهير نفسها من الفساد، لكنها لن تكون في الصفوف الأولى.
استراتيجية أمريكا مع الحرس الثوري
وأوضح المصدر أن استراتيجية الولايات المتحدة تجاه إيران والحرس الثوري وحزب الله هي، «العزلة الاقتصادية» مضيفا أن واشنطن مصممة على الضغط على الأوروبيين لإنهاء تعاملاتهم الاقتصادية مع إيران أو إجبار شركاتهم على دفع ثمن.
وفيما يتعلق بالحرس الثوري الإسلامي وحزب الله، تتجاوز الاستراتيجية الأمريكية العزلة الاقتصادية والعقوبات، وهدفها الأخير هو تفكيك النموذج الإيراني بإنشاء هيكل مزدوج، تتقاسمه الجيوش النظامية والقوات شبه العسكرية على غرار الحرس الثوري الإسلامي وحزب الله، أو بدرجة أقل مثل قوات الحشد الشعبي في العراق.
ويقول المصدر إن إدارة ترامب لديها استراتيجية للمواجهة، لكنها ليست مبنية على الحرب كخيار أول، وإنما على عملية دفع اقتصادية وسياسية ضد إيران، مستغلة الحرس الثوري وحزب الله، مع حملة موازية لتجنيد القوى الأوروبية بقيادة ألمانيا؛ لتقديم الدعم لكل ما تقوم به المملكة العربية السعودية في هذا المنعطف.
وأكد المصدر الأمريكي أن السعودية ليست وحدها بل يدعمها تحالف سني يتألف من الإمارات ومصر والأردن، والولايات المتحدة «تنسق بهدوء» مع هذه البلدان على أكثر من مستوى واحد.
موقف مصر الموائم
غير أن مصر أوضحت أعلنت أنها لا تنوي اتخاذ إجراء ضد حزب الله، ويذكر موقف السيسي هذا بموقفه من تدخل التحالف العربي في اليمن، بعد توقعات بأن مصر ستتدخل، وقال مسؤول أميركي، إن مصر تسير على نغمة مختلفة عن نغمة المعسكر «الأمريكي-الخليجي»، والذي يعتقد أن الوقت حان لمواجهة إيران وحزب الله.
غير أن السيسي حرص بعد تصريحاته عن حزب الله، على إصلاح الضرر الذي أحدثته في العلاقات مع السعوديين والإماراتيين، معلنا أن أمن الخليج «خط أحمر» وأن مصر تعارض التدخل الإيراني.
موقفا حزب الله وإسرائيل
وبالنسبة لإسرائيل، هل مستعدة للتعامل عسكريا مع حزب الله؟ لا، حيث نقل عن أحد قادة «حزب الله» قوله «إذا كان السعوديون يراهنون على الحرب بين إسرائيل وحزب الله فإنهم سيشعرون بخيبة أمل».
ووفقا لجميع المؤشرات، لا حزب الله مستعد لاستخدام سلاحه «المقاومة ضد إسرائيل»، ولا إسرائيل مستعدة للحرب مع حزب الله، طالما أنها تحصل على كل ما تريده في الجولان السوري بفضل روسيا، ويبدو أن مسألة ترسانة صواريخ حزب الله معلقة حتى إشعار آخر، في انتظار تطور الديناميكية الإيرانية الإسرائيلية تجاه الاحتواء أو المواجهة.
فإسرائيل ليست في عجلة من أمرها لاستبدال الهدنة التاريخية بين «اليهود والشيعة»، باتفاق مع «العرب السنة»، والذي كان ينظر إليه دائما على أنه العدو الذي يسعى لاستعادة فلسطين، كما أنها لن تمانع السلام والتطبيع مع الدول السنية طالما لم تطلب منها أي تنازلات في فلسطين بالمقابل.
لكن في الواقع، فإن مسألة «عدم السلام» مناسبة لإسرائيل، حتى تستمر في الإدعاء بأنها معرضة لخطر الحرب لكسب التعاطف الدولي، وبالتالي، فإن إسرائيل قد لا تكون في عجلة من أمرها لإحلال السلام مع الكتلة السنية أو بناء تحالف مع السنة ضد إيران أو حزب الله في لبنان.
كما أن الاستراتيجية الأمريكية لمواجهة إيران وحزب الله ليست ذات طبيعة عسكرية، طالما أن إسرائيل ليست لاعبا، وحتى الآن، تقتصر الاستراتيجية الأمريكية على العقوبات والعزلة، والضغط على الأوروبيين لعزل إيران بالتوازي مع رفع مستوى العلاقات مع المملكة العربية السعودية من الاستياء إلى تحالف كامل.
واختبار التحرك للدينامية الأمريكية الإيرانية ليس لبنان، لكن سوريا والعراق، ففي هاتين الدولتين، يمكن لإدارة ترامب أن تفعل الكثير لكبح مكاسب إيران على الأرض، ومنع إيران وحلفائها من التمسك بالهلال الشيعي في الأراضي التي استعادتها من داعش.
وتعتقد إدارة ترامب أن تجريد حزب الله في لبنان مهمة أسهل من استعادة الممر السوري العراقي من إيران. وتعتقد الإدارة أن هذا النهج يمكن أن ينجح ويمكن أن يتناوله الأوروبيون، مع مراعاة أن الروس سيستخدمون حق النقض ضد أي محاولة من هذا القبيل على مستوى مجلس الأمن.
عدم الثقة بأمريكا
وتتفق واشنطن مع حلفائها في الخليج على أن حزب الله أصبح عدوا يشن حربا مباشرة على مصالحهم، وتؤيد واشنطن أي تدابير تتخذها دول الخليج ضد حزب الله، معتبرة أن التصعيد السعودي جنبا إلى جنب مع التدابير الأمريكية يكفي لإرسال رسالة إلى كل من إيران وحزب الله بأن الوضع الراهن بحاجة إلى التغيير؟
وتكمن المشكلة الأساسية هي الثقة في الوعود الأميركية وحتى استراتيجية الدول العربية بالمنطقة والشرق الأوسط.
تحديات السعودية وأخطائها
ومن بين التحديات الرئيسية التي تواجهها المملكة العربية السعودية الجديدة، هو كيفية إقامة علاقات مع شعوب الدول العربية التي أصبحت ساحة للحروب الإيرانية مع السعودية سواء اليمن أو لبنان، في الوقت الذي تفوز فيه إيران بسوريا والعراق.
وبعبارة أخرى، يجب أن تأخذ لغة السعودية الجديد في عين الاعتبار، مدى تقبل شعبا لبنان واليمن لها، وغيرهما في أماكن أخرى.
وبالنظر للآثار المباشرة على الأمن القومي السعودي، فاليمن مختلفة عن لبنان، حيث تعمل إيران مع المتمردين الحوثيين لخلق قاعدة لزعزعة استقرار المملكة، وللرياض الحق في الدفاع عن أمنها القومي، خاصة بعد إطلاق الصواريخ الباليستية الإيرانية الصنع تجاه العاصمة السعودية من الأراضي اليمنية.
ومع ذلك، فإن الشعب اليمني لا يزال أهم عنصر لكسب الحرب في بلادهم، وهو ما يتطلب لغة جديدة لتوصيف مستقبله، وأن تمتد إلى البنية التحتية البشرية باحترام وجرأة.
ودعا الكاتب في نهاية مقاله، السعودية، إلى تقييم تأثير استقالة رئيس الوزراء «سعد الحريري» التي أعلنها من الرياض، بدلا من التقليل من الآثار المترتبة على ذلك، حيث شعر كل شعب لبنان بالإهانة بما في ذلك أولئك الذين يفهمون تماما أنه ليس من المنطقي أو المعقول أن تستمر المملكة في تبارك تحالف حكومي يجمع حليفها اللبناني مع عدوها المتورط في الحرب على حدودها.
وأدت استقالة الحريري من السعودية إلى إحباط اللبنانيين عاطفيا ضد المملكة، وجعلهم «يقدرون» المواقف المطمئنة لرئيس حزب الله حسن نصر الله، وحتى لو كان هذا الأمر مؤقتا، يجب أن تكون السعودية على علم بالحساسية الوطنية اللبنانية.