في يوم 9 من إبريل الجاري تمر بنا الذكرى ال64 لمذبحة دير ياسين التي ارتكبها الصهياينة عام 1948 واستشهد فيها 250 من الأطفال والرجال والنساء الفلسطينيين وتعد هذه المذبحة لبشاعتها حلقة هامة في سلسلة متواصلة من المجازر التي استهدفت الترويع للعرب ودفعهم عنوة لترك بلادهم واستبدالهم بالوجود الاستيطاني الصهيوني ، تطبيقا للرؤية الصهيونية بأن "فلسطين ارض بلا شعب لشعب بلا ارض".
في فجر هذا اليوم دخلت قوات "الإرجون" الصهيونية من شرق القرية وجنوبها، ودخلت قوات "شتيرن" من الشمال ليحاصروا القرية من كل جانب ما عدا الطريق الغربي، حتى يفاجئوا السكان وهم نائمين. وقد قوبل الهجوم بالمقاومة في بادئ الأمر، وهو ما أدَّى إلى مصرع 4 وجرح 40 من المهاجمين الصهاينة.
ويقول الكاتب الفرنسي باتريك ميرسييون: "إن المهاجمين لم يخوضوا مثل تلك المعارك من قبل، فقد كان من الأيسر لهم إلقاء القنابل في وسط الأسواق المزدحمة عن مهاجمة قرية تدافع عن نفسها.. لذلك لم يستطيعوا التقدم أمام هذا القتال العنيف".ولمواجهة صمود أهل القرية، استعان المهاجمون بدعم من قوات البالماخ في أحد المعسكرات بالقرب من القدس حيث قامت بقصف القرية بمدافع الهاون لتسهيل مهمة المهاجمين. ومع حلول الظهيرة أصبحت القرية خالية تماماً من أية مقاومة، فقررت قوات الإرجون وشتيرن (والحديث لميرسييون) "استخدام الأسلوب الوحيد الذي يعرفونه جيداً، وهو الديناميت. وهكذا استولوا على القرية عن طريق تفجيرها بيتاً بيتاً. وبعد أن انتهت المتفجرات لديهم قاموا "بتنظيف" المكان من آخر عناصر المقاومة عن طريق القنابل والمدافع الرشاشة، حيث كانوا يطلقون النيران على كل ما يتحرك داخل المنزل من رجال، ونساء، وأطفال، وشيوخ".
كما وأوقفوا العشرات من أهل القرية إلى الحوائط وأطلقوا النار عليهم. واستمرت أعمال القتل على مدى يومين. وقامت القوات الصهيونية بعمليات تشويه سادية (تعذيب ـ اعتداء ـ بتر أعضاء ـ ذبح الحوامل والمراهنة على نوع الأجنة)، وأُلقي بـ 53 من الأطفال الأحياء وراء سور المدينة القديمة، واقتيد 25 من الرجال الأحياء في حافلات ليطوفوا بهم داخل القدس طواف النصر على غرار الجيوش الرومانية القديمة، ثم تم إعدامهم رمياً بالرصاص.
ألقى المجرمون الجثث في بئر القرية وأُغلقوه بإحكام لإخفاء معالم الجريمة. وكما يقول ميرسييون: "وخلال دقائق، وفي مواجهة مقاومة غير مسبوقة، تحوَّل رجال وفتيات الإرجون وشتيرن، الذين كانوا شباباً ذوي مُثُل عليا، إلى "جزارين"، يقتلون بقسوة وبرودة ونظام مثلما كان جنود قوات النازية يفعلون".
ومنعت المنظمات العسكرية الصهيونية مبعوث الصليب الأحمر جاك دي رينييه من دخول القرية لأكثر من يوم. بينما قام أفراد الهاجاناه الذين احتلوا القرية بجمع جثث أخرى في عناية وفجروها لتضليل مندوبي الهيئات الدولية وللإيحاء بأن الضحايا لقوا حتفهم خلال صدامات مسلحة (عثر مبعوث الصليب الأحمر على الجثث التي أُلقيت في البئر فيما بعد)
وقد تباينت ردود أفعال المنظمات الصهيونية المختلفة بعد المذبحة، فقد أرسل مناحم بيجين برقية تهنئة إلى رعنان قائد الإرجون المحلي قال فيها: "تهنئتي لكم لهذا الانتصار العظيم، وقل لجنودك إنهم صنعوا التاريخ في إسرائيل". وفي كتابه المعنون الثورة كتب بيجين يقول: "إن مذبحة دير ياسين أسهمت مع غيرها من المجازر الأخرى في تفريغ البلاد من 650 ألف عربي".
وأضاف بيجن قائلاً: "لولا دير ياسين لما قامت إسرائيل". وأياً ما كان الأمر، فالثابت أن مذبحة دير ياسين والمذابح الأخرى المماثلة لم تكن مجرد حوادث فردية أو استثنائية بل كانت جزءاً أصيلاً من نمط ثابت ومتواتر ومتصل، يعكس الرؤية الصهيونية للواقع والتاريخ والآخر كما أنه أداة لتفريغ فلسطين من سكانها وإحلال المستوطنين الصهاينة محلهم وتثبيت دعائم الدولة الصهيونية وفَرْض واقع جديد في فلسطين يستبعد العناصر الأخرى غير اليهودية المكوِّنة لهويتها وتاريخها.
وقد عبَّرت الدولة الصهيونية عن فخرها بمذبحة دير ياسين، بعد 32 عاماً من وقوعها، حيث قررت إطلاق أسماء المنظمات الصهيونية: الإرجون، وإتسل، والبالماخ، والهاجاناه على شوارع المستوطنة التي أُقيمت على أطلال القرية الفلسطينية.