هل أبدو متجنيا إن قلت إن حمدين صباحي يسب الإخوان في الصباح فإذا حل المساء حذا حذوهم؟؟
كان يطالب بإبعاد الدين عن المنافسة السياسية، فلما حلت انتخابات الشعب والشورى حالف الإخوان، ثم لما جاء سباق الرئاسة كان "الوحيد" الذي حملت لافتاته آية قرآنية!
بعد الرئاسة، رفع فزاعة "الاستحواذ والهيمنة" التي يمارسها الإخوان على مؤسسات الدولة، ولكنه ما لبث أن بدأ يؤسس بديلا يسعى للهيمنة والاستحواذ على كل تلك المؤسسات.
يتهم الإخوان بمحاولة احتكار تمثيل الدين رغم أن خطابه يميل إلى احتكار تمثيل الثورة والوطنية وأهالي الشهداء "والشعب المعلم".
وطالب الجماعة مرارا بتوفيق أوضاعها مع القوانين السارية، وأن تتوقف عن استغلال التأثير الديني والخدمات الاجتماعية لتحقيق مكاسب انتخابية، مع أنه يسعى بدأب هذه الأيام إلى تحويل "التيار الشعبي" الذي يدعو إليه إلى "تنظيم" -لا يخضع للقانون- ويستغل الدين والخدمات الاجتماعية لإنجاز أهداف سياسية.
أعلن التيار بيانه التأسيسي الأول، وهو يتهيأ لعقد أول تجمعاته، وقبل أيام كشف صباحي للإعلام عن تصوره لطبيعة هذا التنظيم الجديد وطريقة عمله، والغرابة أنه جاء نسخة مطابقة ومقلدة من تنظيم الجماعة، فكل شعبة إخوانية في قرية أو حي ستنافسها شعبة "حمدينية" أعضاؤها 100 ومجلس شعبتها 11، ولها 5 أهداف رئيسية عليها تحقيقها في مجتمعها المحلي، أولها تقديم الخدمات والمساعدات والثاني عمل مشاريع اقتصادية –يساعد مكتب إرشاد التيار الشعبي في تمويلها-، وثالثها الأنشطة الدينية والثقافية، ورابعها الجوالة والتربية البدنية، ثم تأتي السياسة في ذيل القائمة حسب وصفه.
افتراض حمدين ومستشاريه إذن أنهم إذا قاموا بالضبط بمحاكاة كل ما يفعله الإخوان فإنهم سيحرزون مثل نجاحهم، وهذا عين الخطأ، فاللوحات المقلدة لا تحظى باهتمام، والأفلام المسروقة لا تنال الأوسكار، هذا فضلا عن أن مشروعه -حتى اللحظة على الأقل- يبدو مفتقرا لعناصر مهمة لنجاح التنظيمات!
من ذلك مثلا أن التنظيمات الناجحة لا بد أن تحمل بصمتها الخاصة، وأن تنبع وسائلها من أهدافها، وهو مالا يبدو متحققا مع ذلك التشكيل المتعجل والوسائل المستنسخة للتيار الشعبي، فإذا كان هدفه الأساسي هو "تحقيق العدالة الاجتماعية" كما يقول الداعي إليه، فما علاقة ذلك بالجوالة والتربية البدنية؟!، وكيف يتحقق "العدل" بتوزيع معونات طالما عاب على الإخوان تقديمها؟!، وكيف يمكن أن يصنع هذا "الاقتباس للوسائل" شخصية مميزة لتياره؟!
على عكس ما سبق تبدو البصمة الخاصة للتنظيم الإخواني واضحة ومتسقة مع وسائله، فللجماعة مشروع لإصلاح الفرد يقوم على "تربيته" للارتقاء به دينيا وخلقيا وعلميا وبدنيا واقتصاديا وسياسيا، وآخر لإصلاح المجتمع قوامه التكافل والممارسة السلمية للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفي ضوء هذين المشروعين يبدو تنوع أنشطتهم من رياضة إلى اقتصاد إلى عبادة إلى سياسة أمرا مبررا.
والتنظيمات الناجحة –أيا كان توجهها- تحتاج لـ "منهج ثقافي تفصيلي" يرسخ فهم أعضائها لرؤيتهم وأهدافهم، ويؤهلهم لمواجهة الأسئلة الصعبة التي يمطرهم بها الجيران والأقارب ورفاق المقهى؛ فالخطباء أمثال حمدين يستطيعون إطلاق عبارات رنانة مثل "التدين الوسطي المصري" و"مشروع التنمية الشاملة المستقلة" ثم ينجون من مناقشة التفاصيل.. أما أفراد التنظيم فلا يملكون هذا الترف، وهم مطالبون بتفسير كيف يختلف "تدين حمدين" فهما وعقيدة عن تدين السلفيين والإخوان؟ وما أدلته؟، وما هي طبيعة مشروع "التنمية الشاملة المستقلة"؟ وكيف سيمولونه في دولة شبه مفلسة؟، وما الفارق بينه وبين شبيهه في مشروع النهضة أو مصر القوية؟.
والتنظيمات تقوم على "اختيار دقيق" لعناصر ذات كفاءة ونزاهة وإيمان عميق بالفكرة، ولا يمكن لتنظيم ناجح أن يحرق المراحل فيجند أفراده عبر حملة تلفزيونية أو في زيارات خاطفة، وإن فعل فقد يدفع ضريبة يومية من سمعته إذا انضم له من لا يؤمن بفكرته أو لا يفهمها فأساء استخدام اللافتة بحثا عن مصالح شخصية.
وهي تقوم على أكتاف من يملكون "رؤية مشتركة" لا "رفضا مشتركا"، وبين الاثنين فارق كبير؛ فأصحاب الرؤية المشتركة يملكون حلما واحدا للمستقبل، يستطيعون العمل سويا لتحقيقه وإن طال الطريق، أما "الرفض المشترك" فلا يصلح إلا لتحالفات عابرة ضد عدو واحد، ولا تلبث أن تنهار إذا غاب العدو أو خاض الرفاق في التفاصيل.. وحين أنظر إلى تنظيم يضم صباحي إلى جوار عمرو حمزاوي لا أرى بين الرجلين إلا ذلك "الرفض المشترك" الذي لا يكفي لإنشاء كيان راسخ يؤسس لبناء المستقبل.
أما أبرز مقومات النجاح فهي أن ينشأ التنظيم "حول فكرة لا حول فرد"، وهذا جوهر نجاح الإخوان واستمرارهم على مدار 85 عاما مات فيها مرشدون، وانشق قادة، وتعرضوا لسجون وتعذيب وإعدامات، وجعل الأمر سواء عندهم أن يترشح للرئاسة الشاطر أو مرسي.. فهل يقبل حمدين أن يدفع التيار الشعبي بمرشح آخر للرئاسة المقبلة ويكتفي هو بدور "مرشد التيار" مثل الدكتور بديع أم أن مجرد طرح السؤال كفيل بتفجير المشروع؟؟!
المقدمات إذن تقول إننا إزاء تحالف انتخابي محدود الأهداف والمدة يتنكر في صورة تنظيم ذي مشروع، وليس استنساخه وسائل الإخوان إلا محاولة لتجميع الأصوات حتى لو اقتضى الأمر اقتراف كل خطيئة سبق اتهام الجماعة بها.
مع ذلك فإنني أرجو للتيار الشعبي النجاح في تدعيم إيمان المصريين بقيم نبيلة، وأن يكون ما قلته ضربا من "الظن السيئ" وسوء التقدير لمارد جديد يدخل حياتنا السياسية.. يبقى شيء واحد أعتبره التحدي الأول والأساسي لمصداقية حمدين ورفاقه، وهو أن يقوموا منذ اللحظة الأولى بتوفيق الأوضاع القانونية لتنظيمهم ليكون أداء أفراده وتمويل أعماله وما ينفقه مؤسسه وقياداته تحت أعين الدولة والمجتمع، فما لا يقبله الناس من الإخوان لا ينبغي أن يقبل من التيار..