قالت صحيفة «الهافنجتون بوست» إنّ الأمن الغذائي اتّخذ بُعدًا جديدًا بعد خمسة أشهر تقريبًا من اندلاع الأزمة الخليجية، التي قادتها السعودية بتحالف من الإمارات ومصر والبحرين ضد قطر؛ ويبدو أنّه لا قرار لها في الأفق حتى الآن.
وبينما تُنكر السعودية والإمارات سعيهما إلى تجويع قطر، عن طريق إخضاعها لمقاطعة دبلوماسية واقتصادية؛ فالأزمة دفعت قطر إلى البحث عن موردين غذائيين بديلين للسعودية والإمارات، اللذان كانت استراتيجيتهما أيضًا وضع الدوحة في موضع صعب؛ بحيث تعجز عن تحمّل تكاليف واردتها من المواد الغذائية.
وأضافت الصحيفة، وفق ما ترجمت «شبكة رصد»، أنّ الأزمة دفعت دولًا، لا سيما الصغرى والأكثر عرضة للضغوط الخارجية، إلى تحديد جوانب أخرى للأمن القومي؛ أبرزها الأمن الغذائي.
وكان الأمن الغذائي في اعتبار دول الخليج في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وضمنت الوصول إلى الأسواق العالمية التي يؤدي فيها النقص إلى ارتفاع الأسعار، واستجابت دول الخليج بالفعل للأزمات الغذائية والارتفاع الهائل في الأسعار في الأعوام 2007 و2008 و2010 و2011؛ باتّباع خطى الصين وكوريا الجنوبية وأوروبا، عن طريق اكتساب مساحات ضخمة من الأراضي الزراعية في آسيا وإفريقيا.
ومن المفارقات أنّ ارتفاع أسعار النفط كان أحد العوامل الدافعة لزيادة تكلفة الأغذية، التي دفعت مُصدّرين في إفريقيا وآسيا إلى مواجهة النقص المحلي عبر تقييد الصادرات؛ وهذه القيود دفعت دول الخليج إلى المضي قدمًا في حيازة الأراضي.
وفي ذلك الوقت، خضع الأمن الغذائي لدول الخليج الغنية بالنفط والفقيرة التربة إلى العرض والطلب في السوق، بجانب ضمان سلسلة الإمدادات الغذائية مهما كان الثمن؛ لكنّ هذا التعريف الضيق تغير مع الموجة الأولى لثورات الربيع العربي في 2011 التي أطاحت بالنظم الاستبدادية واندلاع حروب أهلية، مثلما حدث في سوريا؛ وكان أساس التدهور الذي دفع المواطنين للخروج «المشاكل الاقتصاية»، التي نجمت عن الجفاف الذي ضرب القطاع الزراعي.
ومع الثورات، أخذ الأمن الغذائي جانبًا أمنيًا داخليًا أكبر بكثير عند قادة الخليج «المستبدين»، الذين استمدوا شرعيتهم من وعود اجتماعية لمواطنيهم بتوفير الرفاهية لهم مقابل التنازل عن حقوقهم السياسية؛ وهو كان مفهومًا ضمنيًا ضمن ما يسمى «العقد الاجتماعي».
غير أنّ أزمة الخليج الأخيرة جعلت الأمن الغذائي يأخذ أبعادًا جديدة ومستويات أخرى في الخليج أيضًا، ولم يعد الأمن الغذائي يتعلق في المقام الأول بالوصول التجاري أو الوصول المفضل إلى الأسواق العالمية في أوقات النقص أو أوقات ارتفاع الأسعار، ولم تعد السيطرة على الموارد الزراعية أيضًا في الأراضي النائية توفر مستويات الأمن اللازمة؛ إذ سعت هذه الدول إلى توفير إمدادات متنوعة وطرق شحن مضمونة والاكتفاء الذاتي إلى أقصى حد ممكن؛ كوسيلة لدفع المحاولات لتجويعها، كما هو الحال لدى قطر.
واكتسب الأمن الغذائي لدى قطر أهمية مساوية للأمن الدفاعي؛ بسبب حاجتها إلى منع الضغوط على إمدادتها الغذائية من جيرانها العازمين على تقويض استقلاليتها وإجبارها على الالتزام بسياسات موضوعة في أبو ظبي والرياض بدلًا من الدوحة.
وتشير آخر التوقعات الزراعية المشتركة لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إلى أنّه من المرجح جدًا أن يكون هناك عصر آخر من ارتفاع الأسعار لجميع القطاعات، من بينها الغذائية؛ بعد الموجة التي ضربت العالم في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
والأمن الغذائي هو أساس قدرة قطر الآن على مواجهة الضغوط الإماراتية والسعودية، وقدرتها على توفيره بمثابة مناورة تستخدمها مع هاتين الدولتين. وقال «جون دوري»، رجل أيرلندي يساعد قطر في الحصول على الاكتفاء الذاتي في منتجات الألبان، إنّ «الحرب، أو التهديد بالحرب في بعض الأحيان، يجعل البلدان تنظر إلى أمنها الغذائي».
ولتعويض النقص في الواردات الغذائية من السعودية والإمارات، حوّلت قطر اتجاهها إلى تركيا وإيران؛ وارتفعت التجارة بينها وإيران إلى 60% منذ بدء الحصار في أوائل يونيو.
وباستيراد آلاف الأبقار من أوروبا والولايات المتحدة، تمكّن «جون» في غضون أشهر من توفير ما يصل إلى 40% من احتياجات قطر من الحليب، ويتوقع أن يؤدي استيراد عشرة آلاف حيوان آخر في هذا العام إلى وصول قطر للاكتفاء الذاتي، ومن المؤكد أيضًا أن ثروة قطر الهائلة أتاحت لها القدرة على الصمود ورفضها الخضوع لإخوتها الأكبر. وبذلك لم تعتمد على أموالها فحسب؛ بل أيضًا على العلاقات والتبعيات التي أنشأتها بتنويع قاعدة زبائنها للغاز الطبيعي.
وهكذا ساهمت الأزمة الخليجية في إعادة تعريف الأمن الغذائي وإكسابه بعدًا آخر غير القدرة على توفير الموارد الغذائية، وساهمت أيضًا في النظر إلى ضرورة صياغة استراتيجيات له، وبناء علاقات دولية تتيح توفيره.