يعتبر تاريخ الأردن جزءًا لا يتجزأ من محاولات فهم تاريخ الانتداب البريطاني في فلسطين، وفي نوفمبر القادم ستحل الذكرى السبعين لقرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين، بالإضافة إلى رسائل مفكرين وساسة مهتمين بـ«وعد بلفور» وتبعاته على فلسطين والدول المجاوره لها والمنطقة بأثرها؛ منهم جيريمي بيتشام ومارغريت وروبن ديربيشاير وروب وال، حسبما نشرت «الجارديان».
وأضافت، وفق ما ترجمته «شبكة رصد»، أنّ نعوم شيمل، زميل بجامعة أكسفورد، وصف وعد بريطانيا بالكارثي، وأن كتابات هامة تناولته وأغفلت جانبًا مصيريًا من تاريخ إعلان بلفور، وكذلك السياسة البريطانية تجاه الهجرة اليهودية والمستوطنات التي كان لها تأثير كبير على اليهود والفلسطينيين والأردنيين أيضًا.
منعت الححكومة البريطانية في حكم ونستون تشرشل اليهود من الإقامة في الأراضي التي باتت تعرف اليوم باسم الأردن؛ ما أدى إلى فصل كل الأراضي الواقعة شرق نهر الأردن عن المستوطنات اليهودية، وكذلك الأمر بالنسبة إلى تخصيص أربعة أخماس فلسطين بشكل إلزامي لإنشاء دولة عبرية.
في حين أنّ فلسطين و«إسرائيل» أصبح لديهما فيما بعد أعداد كبرى من السكان اليهود والعرب. وفي الأردن، أصبح العرب تقريبًا غالبية؛ عبر السكان الفلسطينيين والأقليات البدوية، وليس السكان اليهود على الإطلاق. إنّ تاريخ الأردن جزء لا يتجزأ من محاولات التعمّق في تاريخ الانتداب البريطاني في فلسطين، والمصير البالغ التعقيد لليهود والفلسطينيين والعرب ككل وعلاقاتهم وتفاعله مع بعضهم بعضًا، ولا يمكن تناوله بمعزل عن تحليل إعلان بلفور وعواقبه.
تقسم ظالم
لا يأتي شهر نوفمبر لتحلّ الذكرى المئوية لإعلان بلفور فحسب، بل أيضًا لتأتي الذكرى السبعين لقرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين، الذي أسس لإقامة دولة الاحتلال الإسرائيلي في عام 1948. وفي استطلاع «إيان بلاك» الممتاز لإعلان بلفور، أشار بحق إلى أنّ الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي صوّتا للتقسيم؛ لكنه كان يمكن أن يذكر صراحة أنّ بريطانيا امتنعت عن التصويت، ورأى وزير الخارجية «أرنست بيفين» أنّ التقسيم المقترح ظالم للفلسطينيين والبريطانيين رفضوا تطبيقه.
«إسرائيل» لن تلتزم بالدولتين
في السنوات الأخيرة من الانتداب البريطاني، حاول البريطانيون بطريقة غير فعالة التخفيف من آثار إعلان بلفور، ولكن بتكلفة باهظة؛ لا سيما فيما عُرف بالكتاب الأبيض عام 1939، الذي أثار موجات إرهاب معادية لبريطانيا من المتطرفين الصهيونيين، ربما لن ترغب رئيسة الوزراء تيريزا ماي في الإشارة إلى هذه المدة أثناء العشاء الاحتفالي.
يمكن لأيّ شخص يقرأ ما كتبه «إيان بلاك» قراء متعمقة أن يكون متسامحًا، مهما كانت آراؤه عن سياسات حكومة نتنياهو، مع تساؤلاته لماذا لا يوجد ذكر لحقيقة أنّ «إسرائيل» هي فعلًا الديمقراطية الوحيدة ولديها صحافة حرة وقضاء مستقل وحرية دينية في الإقليم بأسره.
نصّ قرار الأمم المتحدة الذي سعى إلى تأسيس الدولة المحتلة أيضًا على دولة فلسطين، ووجهت دول الجوار هجومًا على دولة الاحتلال الإسرائيلي؛ ومن المؤكد أن «إسرائيل» تحتاج إلى بذل مزيد من الجهود لتعزيز حل الدولتين، ولكنّ هناك أدلة ضئيلة على أنها ستلتزم بذلك.
إن العلاقة الوثيقة بين «كب سكوت»، رئيس تحرير «مانشستر جارديان»، و«شايم وايزمان» الذي أصبح فيما بعد أول رئيس لدولة الاحتلال، وضّحت في كتاب نُشر في عام 2004. ساعدت معرفة وايزمان بكيمياء البريطانيين عبر إنتاج مادة الـ«كورديت».
وكما يظهر الكتاب، فإن سلسلة الأحداث التي بدأت منذ قرن مضى، مع عواقبها المأساوية على السكان العرب الفلسطينيين في الأرض، شهدت تحوّلات كبرى في التقارير التي أوردتها «الجارديان»؛ مما يعكس تفهما أكبر بكثير بين عامة الجمهور في هذا البلد للتأثير الكارثي والمستمر على الفلسطينيين.
وهناك استياء عميق من ضيافة رئيس الوزراء تيرزا ماي لبنيامين نتنياهو، التي تضعها على خلاف مع كثيرين في هذا البلد، بمن فيهم كثير من اليهود، من أنّ العشاء الاحتفالي في نوفمبر لا يعبر عن القلق العميق إزاء تدهور الحالة السياسية والإنسانية وغير الشرعية؛ وهو ما ساعدت عليه الحكومة البريطانية على مدى سنوات عديدة.
ويعتقد كثيرون من الصفوة داخل بريطانيا أنّ هذا الدعم البريطاني لـ«إسرائيل» وحكومتها اليمينية المتطرفة الحالية ليس أمرًا حكيمًا أو أخلاقيًا، ولن يؤدي إلى سلام عادل يشمل حلًا منصفًا للشعبين.
المقاومة أم الاستقلال؟
يقول «مارك ريجيف»، السفير الإسرائيلي في بريطانيا، إنّ الفلسطينيين «اختاروا المقاومة على الاستقلال»؛ وعندما انتهت محادثات عام 2014 أجرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية مقابلة مع المفاوضين الأميركيين الذين أوضحوا أنّ الفلسطينيين يريدون بالتأكيد دولتهم، وقدموا تنازلات ضخمة لمحاولة الحصول على دولة، بما في ذلك قبول «مخطط الحدود، الذي يحفظ لـ80% من المستوطنين العيش في الأراضي المحتلة».
ولكنّ «إسرائيل» لم تقبل حتى ذلك، ورفضت رسم الحدود الخاص بها على الخريطة، وانهارت المحادثات أخيرًا بإعلان بناء 700 مستوطنة أخرى؛ فكانت «إسرائيل» متعنتة، بينما الفلسطينيون الذين ليس لديهم «شريك يدعم السلام».