قال أحمد عارف، المتحدث الرسمي السابق باسم جماعة الإخوان المسلمين، إن النظام يرى في تأسيسه لأسطورة سجن «العقرب» نموذجًا مُصغرًا من مصر المستقل.
ولفت عارف في مقال كتبه لـ «رصد» من داخل محبسه، بعنوان «سجن العقرب.. أسطورة الفشل»، إلى لقاء شهير جمع بين أعضاء مجلس قيادة الثورة وأعضاء مكتب الإرشاد في منزل المستشار حسن الهضيبي (المرشد العام الأسبق لجماعة الأخوان المسلمين) وذلك في منيل الروضة عام 1953م، موضحا أنه «سُئل جمال عبدالناصر: )إنت عايز إيه يا جمال؟)، فأجاب: (أناعايز أدُوس على زرار البلد تمشي.. أدوس على زرار البلد تقف..)!!».
وقال عارف إن «نظام الانقلاب في مصر يحاول منذ 4 سنوات أن يصل إلى هذا الحلم وإن شئت فقل إلى هذا السراب»، مشيرا إلى أن «الزمن غيّر كثيرًا من الأمور، حتى أصبحت بعد 25 يناير بعيدة المنال، بل مستحيلة، ولكن الانقلاب يحلم أحلام اليقظة الآن، ويرى في تأسيسه لأسطورة “العقرب” نموذجًا مُصغرًا من مصر المستقل!! … كيف؟!».
وأوضح عارف «أن تجفيف الموارد والتحكم في الإمدادات والإلهاء معًا، ويكفيك أن ترى ما يعانيه الناس الآن من شُحّ القوت ودوّامة البحث عن لقمة العيش مع الضنك الشديد، فإن طعامه وشرابه وجده فاسدًا فلا عجب إذًا أن تكون الصورة المثلى لذلك في (العقرب) حيث التحكم في حجم ونوعية اللقمة التي ستصل إلى جوف في المعتقل وبالكاد تكفيه للبقاء على قيد الحياة، وعندما يتم في بعض الفترات خلط حبات القمح مع حبات الرمل! في عجين الخبز (يُسمى الجراية)، فليس ذلك إلا اختبارًا لنا في محبة تراب هذا الوطن».
وأضاف، «أن المراقبة والتتبع الأمني ووأد الحريات، ناهيك عن التعذيب في أقسام الشرطة وأماكن الاحتجاز في أمن الدولة فضلًا عن الاعتقالات الجماعية والإخفاء القسري، لهي الخطوات الأولى التي تسبق مرحلة: عد وإحصاء الأنفاس في الصدور».
وتابع «لذلك وضعت أحدث كاميرات المراقبة لتسجل بالصوت والصورة على مدار 24 ساعة كل سَكَنَة وحركة لرجال العقرب، إلى الحد الذي جعل أحد اللواءات يقول لزميل لي في زنزانة مجاورة (انت لو اتنفست 30 نفس على النظارة، هعرف في الحال إنك اتنفست 30 نفس!)، والنظارة هي الفتحة الوحيدة في الزنزاة وتقع في الباب الفولازي المغلق على مدار 23 ساعة يوميًا».
ولفت عارف، إلى تشابه الاوضاع بين «العقرب» ومصر، «عندما تُترك مياه المجاري أسفل الزاوين ختى تصل إلى ارتفاع 1.5 متر!، حاملة معها الفئران وهوام الأرض وأسراب متتابعة من آلاف الأعداد من الاموس، لا يجد الإنسان مفرَا من تغطية وجهه وجسده بالبطانية الصوف الميري حتى في شهر 7 و 8!، حتى يذوق النوم ولو نصف ساعة و… الشعب المصري لم يحرم هذا البلاء أيضًا، فهاهي المصائب والتوائب تتابع في البحر والنهر والبر والجو، وتصلنا أخبارها في وجوه السجانين قبل ألسنتهم، وهذا جزء من الحنان والرفق الذي وُعد الشعب به يوم 3 / 7».
وأردف، «إن النظام في محاولاته لتحقيق حلمه في العقرب، يسعى جاهدًا إلى «عقربة مصر»، ولكنه يستيقظ الآن على مشاهد من كابوس حقيقي.. كابوس يُسمع فيه كلمات رجال العقرب ليل نهار، يصرخون في وجهه.. “خائن”.. “قاتل”.. “فائل”، ولا سيما وهو يرى وجود أطفال المعتقلين تضحك ساخرةً من فشله وجره ع تركيع آبائهم»، مضيفا «أو حتى ترويضهم سياسيًا هؤلاء الأطفال الذين طال انتظارهم بالسنوات على بوابة العقرب حتى يروا الآباء الذين يُعلمونهم معاني الأباء، فيزدادو تعلقًا بهم ويهجرون حياة الدعة والراحة إلى حياة الميادين لصناعة رجال المستقبل، مُحطمين خطط الانقلاب في تقطيع الأرحام وإحداث الشقاق بين الأب وابنه».
وأضاف عارف «كيف لا.. وقد وُضعت الحوائط الزجاجية السميكة في كابينات الزيارة حتى تقف عازلًا منيعًا يحول دون إلتقاء الأكف أو تعانق الأبدان، ولكني لازلت أذكر ابتسامة على وجهيّ أسلم (8.5 سنوات) وساجد (7 سنوات) وَلَدَيّ وذلك في آخر زيارة لي سُمح لهما بالدخول فيها منذ عام تقريبًا في 5 / 10 / 2016 ولمدة 10 دقائق فقط !».
وأوضح المتحدث السابق باسم الإخوان، أن «النظام الذي أنفق الكثير من وقته في متابعة نموذج العقرب حتى يحقق النتائج المرجوة ويقوم بتعميمه على مصر كلها؛ فيمد الوصلات والكابلات من قلب العقرب إلى أطراف مصر وأرجائها وتتم التغذية بنفس برنامج التعذيب والتنكيل وينتظر اليوم الذي يملك فيه ذلك «الزرار العجيب» والذي بضغطة واحدة يُسير فيها الأمور كما يريد، مرددًا قول سلفه [ ما أأريكم إلا ما أرى، وما أهديكم إلا سبيل الرشاد]-سورة غافر الآية 29-، وإذن به يؤسس أسطورة الفشل.. الفشل الذريع في العقرب وفي كل مكان وجهاز ومؤسسة في مصر».
وتابع، «إن من عادة الأساطير أن تنتهي بنهاية غير متوقعة، وبشكل مفاجئ للجميع على الرغم من ظن البعض أهل الوهم والغفلة أن الأساطير وُجدت لتبقى .. نعم تبقى في الخيالات لا في واقع الناس، وانظر إلى ما دُون في تقارير المخابرات الأميركية في أواخر 1978م لتجد توقعاتهم بثبات نظام الشاه في إيران (محمد رضا بهلوي وأسرته) رغم مظاهر الفساد والفشل، وأنه لا يوجد ما يُهدد النظام فعليًا قبل عشر سنوات على الأقل».
وأردف «ثم كانت المفاجأة التي صدمت الجميع عندما قامت الثورة بعد شهرين اثني فقط في أوائل 1979م ونجحت في اقتلاع أركان النظام بالكامل طارحةً كل هذه التوهمات بثبات النظام جانبًا».
وأشار إلى أنه «كثيرًا ما يردد النظام.. «إدوني سنتين وهاتشوفوا هنبقى إيه»، ثم إدوني سنة وهاتشوفوا!، ثم «إدوني 6 شهور كمان»! والنتيجة بعد الخيانة وسفك الدماء هي فشلxفشل».
وأضاف «وذكرني هذا بأيام هتلر الأخيرة وتلاحق الهزائم عليه مع الفشل المُروع بعد سنوات من الغطرسة والكِبر، فلما سحب مسدسه من الدرج الأول في مكتبه الخاص وأطلق الرصاص على نفسه.. دخلوا عليه وحملوه، ثم لما فتحوا الدرج التاني من مكتبه وجدوا علبه مليئة بمكعبات لعب الأطفال!! .. كان هتلر يلهو بها في السر حتى يهرب من أسطورة الفشل.
واختتم بأنه «في الذكر الحكيم (إن الله لا يصلح عمل المفسدين)».