أرجعت «شبكة الجزيرة»، دعم «إسرائيل» للإستفتاء الكردي، إلى تحويل الأكراد أنظارهم من العالم العربي ناحية الاحتلال الإسرائيلي، مشيرة إلى أن الأحداث التي شهدتها السنوات الماضية وتهميشهم إضافة إلى وجود داعش جعلهم يبحثون عن حليف يرغب في مساعدتهم، حتى لو كان هذا الحليف هو إسرائيل، مطالبة العرب بضرورة التوقف عن مهاجتمهم واتهامهم بأنهم «إسرائيل الثانية»، وضرورة إعادة التواصل مع الشعب الكردي ورفع المظالم التاريخية عنه.
وأضافت الشبكة وفقا لما ترجمته «شبكة رصد»، فإن «إسرائيل» هي الدولة الوحيدة حتى الآن التي تدعم الإنفصال الكردي عن العراق، حتى أنها احتفلت بنتيجة الاستفتاء الذي صوت فيه الأغلبية على الإنفصال، مؤكدة أن الحماس الإسرائيلي للإستقلال الكردي لا علاقة له بالتعاطف مع قضيتهم، سواء في العراق أو خارجها، بل هو أكثر ارتباطا بمصالحها الجيوسياسية.
وأوضحت أن الدفاع عن دولة قامت على الإحتلال العسكري والفصل العنصري، عن حرية الأكراد أو أي مجموعة أخرى في الإنفصال، أمر مثير للسخرية، مضيفة أن «إسرائيل» لا تنكر فقط حق الفلسطينين في تقرير مصيرهم، بل لديها أيضا سجل جنائي ملئ بدعم النشاطات الإجرامية في أمريكا الوسطى والجنوبية ونظام الفصل العنصري السابق في جنوب أفريقيا، وعلاوة على ذلك فإنها لم تدعم من قبل أي حركة تحرر وطنية في تاريخها.
تقسيم العالم العربي
وأكدت، أن دعمها للدولة الكردية أساسه جيوسياسي، حيث تريد إسرائيل تأمين تدفق إمدادات النفط من المنطقة الكردية التي ستتمتع بالحكم الذاتي، وغير ذلك فإنها تريد بناء كيان مؤيد لوجودها في العالم العربي، حيث أبدت كردستان نيتها للإعتراف بإسرائيل.
يشار إلى أن «إسرائيل» تستورد بالفعل 77% من إمداداتها النفطية من المنطقة الكردية في العراق، وهي واردات تعتبر هامة للدولة الصهيونية، باعتبار أنها لا تستطيع الوصول إلى الموارد الطبيعية فى دول الخليج الغنية بالنفط، كما تعتقد إسرائيل أن وجود دولة كردية مستقلة، يمكن أن يكون موطئ قدم محتمل للجيش الإسرائيلي والمخابرات الإسرائيلية، مما يعطيها نفوذا ضد إيران وسوريا والعراق.
كما يتلائم إنشاء دولة كردية مستقلة، في الشرق الأوسط، مع خطة الدبلوماسي الصهيوني «أوديد يون» التي نشرها في 1982، ودعت إلى تقسيم العالم العربي إلى دويلات صغيرة، لتوسيع الهيمنة الإسرائيلية عليها.
وأوضحت الشبكة، أن الدول العربية تنظر إلى دعم إسرائيل للإنفصال الكردي، بأنه خطوة على طريق تحقيق الهدف الذي أعلنت عنه استراتيجية أوديد، الأمر الذي من الممكن أن يؤدي إلى اندلاع حروب أخرى في المنطقة.
حليف لا يربط بالقضية الفلسطينية
وغير ذلك فإن وجود دولة كردية، بمثابة حليف غير عربي في المنطقة يدعم إسرائيل، ولا يرتبط بالقضية الفلسطينية ولا يتأثر بها، حيث اتبعت اسرائيل منذ نشاتها ما يسمى بـ«تحالف المحيطات» وهي الخطة التي وضعها رئيس الوزراء الصهيوين الأول «ديفيد بن جوريون»، لتعزيز علاقة إسرائيل بالدول أو الجماعات الإسلامية غير العربية في المنطقة لكسر العزلة الإسرائيلية.
وتنفيذا لهذا المبدأ، تواصلت إسرائيل عدة مرات مع الزعيم الكردي «مصطفى بارزاني» والد الرئيس الحالي لكردستان «مسعود بارزاني»، ونتيجة لهذه الجهود زار مصطفى إسرائيل مرتين الأولى عام 1968 والثانية عام 1973، لكن تلك الجهود لم تأتي بنتائج مرجوة لإسرائيل، ولم يظهر الأكراد أي دعم لإسرائيل أو إظهار العداء للجانب الفلسطيني.
وأشارت المظاهر الاحتفالية أثناء إجراء الاستفتاء في كردستان، ورفع الأعلام الصهيونية هناك، إلى تغيير في الثقافة الكردية وانقطاع صلاتها بماضيها، حيث درب المقاتلين الأكراد وقاتلوا بجانب منظمة التحرير الفلسطينية في أواخر الستينيات والسبعينيات وأوائل المانينات، أما في الأعوام الماضية، فقد نجحت إسرائيل بمساعدة قادة أكراد مثل «مسعود بارزاني» في التسلل إلىا لمجتمع التركي وإنهاء ارتباطه بالقضية الفلسطينية.
استبداد العرب
كما أن فشل الدول العربية واستبداداها ساهم أيضا في التقارب الكردي الإسرائيلي، حيث دفعت أجيال جديدة من الأكراد بعيدا عن العالم العربي إلى أحضان إسرائيل، في الوقت الذي انزلقت فيه «العراق» في بحور الطائفية وسيطرة «داعش» على أجزاء منها وسوريا، وشنه لحملات قتل وتعذيب واغتصاب «شنيعة»، وهو الأمر الذي ساهم في ظهور خط فاصل بين الأكراد والعرب.
وأشارت الشبكة إلى نقطتي تحول في العلاقات الكردية العربية، وهما إنشاء منطقة حظر طيران فرضها الغرب عام 1991 تجاوزت حماية الأكراد إلى تمزيق المنطقة الكردية، وغزو أمريكا للعراق عام 2003، وهو الغزو الذي أدى إلى اندلاع نزاعات داخلية أدت إلى غضب الأكراد وسمح بزيادة الوجود الإسرائيلي في المنطقة.
خداع الأكراد
كما عملت«إسرائيل» خلال دعمها للاستفتاء الكردي، على إظهار ما أسمته بـ«التاريخ المشترك والمتشابه» للنضال الكردي والإسرائيلي من أجل إقامة دولتهم، وأوضحت الشبكة أن إسرائيل تعمل بذلك على محو تاريخ النضال المشترك بين الأكراد والفلسطينيين ضد الاستعمار والإضطهاد.
وأشارت الجزيرة، إلى تصريحات الوزير الإسرائيلي السابق «جدعون سار»، الذي أكد فيها على أن «الأكراد كانوا وسيظلوا حلفاء موثوقين وطويلي الأجل لإسرائيل، هم مثلنا أقلية في المنطقة»، مشيرة إلى أن تصريحاته مجرد «كذبة»، فلا يوجد تشابه بين ظروف الدولتين فالأكراد جزء لا يتجزأ من العالم العربي ولم يستخدموا القوة العسكرية لنزع أراضي غيرهم، كما أنهم لم يكونوا أبدا مستعمرين.
وفي حين كان هناك يهودا في العالم العربي، وفلسطين، إلا أنهم جزء من السكان الأصليين في المنطقة، ولا يحسب أن يكونوا جزءا الهصيونية، ولم تقدم إسرائيل أيضا أي خطط لإنهاء التمييز ضد اليهود في أوروبا، وبدلا من ذلك شرعت في إقامة حركة استعمارية لإقامة وطن يهودي في فلسطين، عن طريق الإستيلاء القسري على الأراضي هناك.
فمحاولة اسرائيل بحسب الشبكة، لرسم تشابه بينها وبين الأكراد، هي داعية لمشروعها الاستعماري واحتلالها لفلسطين واستمرار جرائمها ضدهم.
استعادة الأكراد
وطالبت الشبكة بعدم اضطهاد الأكراد أو تشويه صورتهم لمجرد رفعهم الأعلام الإسرائيلية هناك، فما يتعرضون له تتحمل الدول العربية جزءا منه، إضافة إلى مسؤولية إيران وتركيا عن الظلم التاريخي الواقع عليهم، مشيرة إلى أن الحجج القائلة بأن الأكراد رهينة لإسرائيل والغرب تجاهلت حقيقة أنهم أقلية مضطهدة بغض النظر عن أصلها ودينها.
ويواجه العرب الآن معضلة صعبة جدا بين دعم حق الأكراد في تقرير مصيرهم وبين محاولات إسرائيل الهيمنة عليهم. ولابد من إرسال رسالة واضحة للشعب الكردي بأن العرب معهم، من خلال زيادة العلاقات معهم ودعم أحزابهم ومجتمعاتهم.
وأشارت إلى أن الوقت حان للوصول إلى الأكراد، ودعمهم، إضافة إلى ضرورة التأكد من أن الحكومة المركزية في بغداد لا تحاول قمعهم او السيطرة عليهم بأي شكل، وحثها على ضرورة التفاوض مع القادة الأكراد والتأكيد على قيم المساواة والاحترام والعدل.
وبغض النظر عن تفكير العرب في فساد «مسعود بارزاني» يجب أن يتذكر الجميع بأن الشعب الكردي هو المستهدف من حملة الوصول وليس قادته السيسيين، مضيفة «فإخفاق بارزاني لا يمحو أهمية الشعب الكردي من المنطقة، فالشعب الكردي له ثقافته وإسهاماته في العالم العربي».
وختمت «الجزيرة» بأن الآوان لم يفت على منع كسر العلاقات الكردية العربية، وفي سبيل ذلك يجب التوقف عن اتهامهم بأنهم تحولوا إلى عدو للعالم العربي لمجرد سعيهم إلى تقرير مصيرهم، كما يجب التصدي لخطط إسرائيل في المنطقة.