قالت «شبكة الجزيرة» إنّ حرب أكتوبر 73 جعلت المصريين يهتمون بمصالحهم فقط ويهملون القضية الفلسينية، بعد توقيع اتفاقية «كامب ديفيد» واستعادة جزء من أراضيهم المحتلة؛ وكانت النتيجة أيضًا أنّ الأردن ومصر الدولتان العربيتان الوحيدتان اللتان طبعتا علاقتهما مع «إسرائيل».
وأضافت، وفق ما ترجمت «شبكة رصد»، أنّ بداية الانتصار في الحرب ساهمت في استرداد الكرامة العربية بعد ثلاث هزائم متتالية على يد «إسرائيل»؛ لكنّ توقيع الاتفاقية جعل الأمور تأخذ منحى آخر.
وبعد 44 عامًا منذ حرب 1973 بين «إسرائيل» ومصر وسوريا، المعروفة في «إسرائيل» باسم «حرب الغفران»، تقول «الجزيرة» إنّ هذه الحرب بشرت بواقع جديد في العالم العربي وغيّرت وجه السياسة الخارجية الأميركية تجاه الشرق الأوسط.
لماذا تحاربت «الدول» الثلاث إلى الحرب؟
الظروف التي مرت بها الدول العربية قبل ست سنوات من 1973 هي التي أدت إلى الحرب؛ ففي عام 1967 شاركت مصر والأردن وسوريا في معركة استمرت ستة أيام ضد «إسرائيل»، أدّت إلى الاحتلال الإسرائيلي لما تبقى من فلسطين التاريخية، وسيناء، ومرتفعات الجولان من سوريا؛وعرف الحدث باسم «حرب يونيو».
وفي غضون ستة أيام، سبّب جيش الاحتلال نكسة كبرى لقوات ثلاث دول عربية، وحصل على أراض تبلغ مساحتها ثلاثة أضعاف ونصف.
وبعد ستة أعوام، قرّرت مصر وسوريا قيادة هجوم منسق على جبهتين؛ لاستعادة الأراضي التي خسرتاها في عام 1967. وأيضًا، أدّت سياسة الحرب الباردة بين السوفييت (الذين زودوا الدول العربية بالأسلحة) والولايات المتحدة (التي دعمت إسرائيل) إلى اندلاع الحرب؛ ما جعل الكتلتين على حافة الصراع العسكري لأولى مرة منذ أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962.
وتوصّل الرئيسان السابقان المصري أنور السادات والسوري حافظ الأسد إلى اتفاق سري في يناير 1973 لتوحيد جيوشهما تحت قيادة واحدة.
كيف تكشفت الحرب؟
ولمحاصرة «إسرائيل»، قرّر المصريون والسوريون قيادة هجوم عليها يوم عيد الغفران، اليوم الوحيد في السنة الذي لا يوجد فيه بث إذاعي أو تلفزيوني، وتغلق المحلات التجارية وتقف وسائل النقل كجزء من الطقوس الدينية في هذا اليوم.
ففي يوم السبت 6 أكتوبر 1973، بعد الساعة الثانية بعد الظهر تقريبًا، قادت الجيوش المصرية والسورية، بأسلحة سوفيتية متقدمة، هجومين على «إسرائيل»، من الشمال والجنوب؛ وتمكّنت القوات العسكرية المصرية بـ«خطة بدر» عبور قناة السويس والاستيلاء على خط بارليف.
هذا النجاح العسكري الأولي، الذي عرفه المصريون باسم «العبور»، كان بمثابة علامة على النصر بعد 25 عامًا من الهزيمة.
وعلى خط الجبهة الشمالية، توغّلت الدبابات السورية في مواقع إسرائيلية واجتاحت مرتفعات الجولان، وكانت الخسائر الإسرائيلية ثقيلة وكبيرة؛ واسترجعت جزءًا كبيرًا من الأراضي، وبدا حينها أنّ مسار الحرب يكمن مباشرة في أيدي العرب، وفي غضون اليومين الأولين، صاغ الجيش الإسرائيلي استراتيجية جديدة وواصل الهجوم، وقرر التعامل مع السوريين في الشمال. ونتيجة لذلك؛ انضمت وحدات من الجيوش العراقية والسعودية والأردنية إلى القتال على الجبهة السورية لمواجهة الهجوم المضاد.
وبدأ الاتحاد السوفيتي والأميركيون نقل الأسلحة، بما في ذلك الدبابات والمدفعية، إلى حلفائهم عندما بدأت مخزوناتهم تنفد. وفي 16 أكتوبر، أي بعد عشرة أيام من بدء الحرب، تمكّنت القوات الإسرائيلية بقيادة «شارون» من اختراق خطوط الدفاع المصرية والسورية، وكان على مقربة من القاهرة.
وحوّل الهجوم المضاد بشكل كبير مسار الحرب لصالح الإسرائيليين، ووصل القتال إلى طريق مسدود. وفي 17 أكتوبر، قرّر العرب استخدام تكتيك مختلف، وهو «النفط»؛ وقرّرت الدول العربية المنتجة للنفط -ضمن منظمة الدول المصدّرة له «أوبك»- خفض إنتاجها بنسبة 5%، وتعهدوا بالحفاظ عى معدل التخفيض نفسه كل شهر بعد ذلك حتى انسحاب القوات الإسرائيلية بالكامل من جميع الأراضي العربية التي احتلتها في حرب يونيو 1967، واستعادة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وشمل قرار الحظر الولايات المتحدة أيضًا.
وأدى انخفاض إنتاج النفط وتوريده إلى ارتفاع كبير في الأسعار في جميع أنحاء العالم؛ ما تسبب في إعادة تقييم الولايات المتحدة لدعمها للحرب.
المسار الدبلوماسي
بحلول الأسبوع الأخير من أكتوبر، كان الجانبان على استعداد لقبول اتفاق لوقف إطلاق النار، وتلفت التقديرات إلى أنّ خسائر جيش الاحتلال بعد الحرب ما بين 2600 قتيل و8800 جريح، وهو أكبر بكثير من حيث العدد مقارنة بالسكان الإسرائيليين في ذلك الوقت، في حين أفادت التقارير أنّ مصر وسوريا فقدتا 3500 جندي.
وفي 22 أكتوبر، أصدر مجلس الأمن الدولي القرار رقم 338، الذي دعا إلى وقف إطلاق النار، وأكّد مجددًا على القرار 242 الذي اتخذه عام 1967 ودعا «إسرائيل» إلى الانسحاب من الأراضي التي احتلتها عام 1967، وبعد ذلك بدأت الولايات المتحدة جهودًا دبلوماسية مكثفة لتأمين اتفاقات فك الارتباط بين «إسرائيل» وسوريا ومصر، وعرضت عليهم ملايين الدولارات للوصول إلى مثل هذه الصفقات.
وبحلول مايو 1974، وقعت اتفاقات بين البلدان الثلاثة. واستعادت مصر وسوريا جزءًا من أراضيهما.
بعد الحرب
أعلنت الدول العربية انتصارها في حرب أكتوبر، وتمكّنت من إنقاذ كرامتها بعد خسائر متكررة في حروب 1948 و1956 و1967 ضد «إسرائيل». وفي غضون أربع سنوات، في عام 1977، كان السادات في القدس يلقي خطاب السلام في البرلمان الإسرائيلي (الكنيست).
ثم دعا الرئيس الأميركي «جيمي كارتر» السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلي السابق «مناحيم بيجن» إلى كامب ديفيد، وشارك الثلاثة في مناقشات سرية على مدى 13 يومًا؛ ما أدى إلى توقيع اتفاقية «كامب ديفيد» في 17 سبتمبر 1978، التي وضعت شروطًا لاتفاقية سلام بين مصر و«إسرائيل» وإطارًا للسلام الإسرائيلي الفلسطيني بموجب القرار 242.
وفي حين وقّع على معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية في مارس 1979 بواشنطن، لم يتحقق الإطار أبدًا؛ لعدة أسباب، على الرغم من أنّ الجانبين ألقيا اللوم على بعضهما بعضًا، واتّسم الاتفاق بالغموض فيما يتعلق باللاجئين الفلسطينيين، والقضية الرئيسة «وضع القدس».
بالنسبة إلى الفلسطينيين، وضعت مصر مصالحها الخاصة أولًا، ووضعت القضية الفلسطينية ثانيًا، كما وقّع الأردن معاهدة سلام مع «إسرائيل» في العام 1992؛ مما جعل مصر والأردن البلدين الوحيدين اللذين طبّعا علاقتهما مع «إسرائيل»، التي لا تزال تحتل الضفة الغربية والقدس الشرقية وغزة وجزءًا من مرتفعات الجولان حتى يومنا هذا.