قالت «شبكة الجزيرة» إنّ عرض حماس للمصالحة التي طال انتظارها على فتح يلفت إلى أنّ ميزان القوى الإقليمية ينقلب لصالحها وليس لصالح الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وفقًا لمحللين، مضيفة أنّ مسؤولين من السلطة الفلسطينية برئاسة رئيس الوزراء «رامي الحمد الله» توجّهوا اليوم إلى غزة للمرة الأولى منذ ثلاث سنوات لاختبار نية حماس في أمر حكومة الوحدة الوطنية.
وأضافت، وفق ما ترجمت «شبكة رصد»، أنه من المقرر عقد أوّل اجتماع حكومي أسبوعي غدًا الثلاثاء في حضور وفد مصري كمشرف على الإجراءات في الاجتماع.
وقالت «الجزيرة» إنّ هناك آمالًا في إنهاء المصالحة عقودًا من الخلافات المريرة بين فتح وحماس ورسّخت من الانقسام بين غزة والضفة الغربية المحتلة؛ لكنّ معظم المحللين يتوقعون فشل المصالحة كما فشلت من قبل، لافتين إلى أنها قد تكون أكبر حجر عثرة أمام الانتخابات التي وعدت بها منذ مدة طويلة؛ إذ تقول استطلاعات الرأي إنّ حماس ستفوز في غزة والضفة الغربية.
وعلى الرغم من ذلك، أشاد مسؤولو السلطة الفلسطينية بالخطوة؛ باعتبارها انتصارًا عظيمًا لفتح، بعد فرضها عقوبات صارمة على غزة هذا الصيف؛ لمعاقبة ما اعتبرته «حكومة الظل هناك».
«عباس» وحيد أكثر من أي وقت مضى
اتّخذ الرئيس الفلسطيني محمود عباس إجراءات بقطع الكهرباء بضع ساعات يوميًا، وتخفيض رواتب آلاف العمال الحكوميين، ورفض دفع بعضها. وعلى الرغم من ذلك، يؤكّد المحللون أنّ التحرك نحو المصالحة الذي بدأته حماس للخروج من عزلتها الإقليمية سيضعها في مقعد القيادة وليس محمود عباس.
مضيفين: «يبدو عباس الآن وحده أكثر من أي وقت مضى، دون دعم ملموس من إسرائيل أو أميركا أو دول الخليج لحملته الدبلوماسية من أجل إقامة دولة فلسطينية».
وقال «ناثان ثرال»، المحلل السياسي في القدس، إنّ شدة التدابير المتخذة ضد حماس ارتدّت في وجه عباس، مضيفًا أنّ «العقوبات المفروضة على قطاع غزة أخافت الجميع؛ بسبب تعميقها للأزمة الإنسانية في القطاع، وسرّعت من المسيرة التدريجية نحو التصعيد المتجدد بين إسرائيل وحماس، ولم يكن أمام مصر اختيار سوى محاولة منع اندلاع حرب أخرى».
وأضاف أنّ مصر تحرّكت لأن الفلسطيين يستخدمون معبر رفح، وبناءً عليه؛ ستتصاعد اتهامات لمصر في جميع أنحاء العالم العربي تتهمها بالتواطؤ مع «إسرائيل».
وقال إنّ القاهرة حاولت أثناء مدّة العقوبات المفروضة من عباس على القطاع تخفيفها في هدوء بالاتفاق مع «إسرائيل»؛ إذ ورّدت الوقود إلى القطاع، في تحدٍّ لعقوبات عباس.
لكنّ القاهرة أظهرت أيضًا استعدادها لإعطاء حماس فرصة تكوين علاقات استراتيجية عبر المنطقة.
المصالح المشتركة بين حماس والقاهرة
بعد أن استولى عبدالفتاح السيسي على السلطة في مصر عام 2013، أغلق حدود غزة مع سيناء، وانضم فعليًا إلى الحصار الإسرائيلي. وبرّر موقفه بأنّ حماس تساعد مقاتلي تنظيم الدولة في سيناء، وتتآمر مع جماعة الإخوان المسلمين.
وقال «مناحيم كلاين»، أستاذ في السياسة بجامعة «بار إيلان» قرب تل أبيب والخبير في العلاقات الإسرائيلية المصرية، إنّ حماس كانت تفوز تدريجيًا بثقة السيسي، مضيفًا أنّ تسييس حماس اكتسب زخمًا منذ فوزها في انتخابات عام 2006.
ولفت إلى أنّ «وثيقة حماس» التي أعلنتها في مايو من هذا العام فتحت الباب أمام مزيد من التعاون مع القاهرة، بتخليها الفعلي عن جماعة الإخوان المسلمين.
وأضاف أنّ «مصر وحماس لديهما مصالح مشتركة؛ إذ يمكن لحماس أن تضع حدًا لتأثير تنظيم الدولة في غزة، وأن تضمن عجز أنصاره عن التواصل مع تنظيم الدولة في سيناء. وفي المقابل، يمكن لمصر فتح معبر رفح وكسر الحصار الإسرائيلي».
إلا أنّ أكبر امتياز للحركة هو موافقة مصر الضمنية على تعزيز حماس علاقتها مع الجهات الفاعلة الإقليمية الأخرى؛ ما يضع عباس في «مأزق»، لافتًا إلى أنه بالرغم من إشراف مصر على المصالحة، فحماس تجدد أيضًا علاقاتها مع إيران وسوريا.
وتوتّرت العلاقات بين حماس وسوريا عقب دعمها المعارضين بعد الثورة التي اندلعت في 2011، موضحًا أنّ حماس كانت تشعر أنها فقدت دمشق كقاعدة مهمة لها، وكان المحور الشيعي في إيران وسوريا والفصيل اللبناني حزب الله يزوّد حماس بالأسلحة والتدريبات والمعلومات الاستخباراتية.
إصلاح العلاقات مع إيران
وفي إشارة إلى التزام حماس «بإعادة المياه إلى مجاريها»، زار وفد كبير من حماس طهران في أغسطس الماضي، وبعد ذلك قال «يحيى سنوار» إنّ العلاقات مع طهران ستعود إلى ما كانت عليه في الأيام الماضية، مضيفًا أنّ إيران تساعد الحركة بالمال والأسلحة.
ومن المحتمل أنّ تصريحات حماس بخصوص إيران وسوريا تهدف جزئيًا إلى رفع المخاطر عن مصر، التي تعارض بشدة النفوذ الإيراني والشيعي في المنطقة، جنبًا إلى جنب مع التحالف السعودي.
وقال المحلل «ناثان ثرال» إنّ حماس لا تريد أن تختار؛ فهي تريد دعم مصر والخليج، لكنها تعرف أيضًا أنّ إيران ستقدّم دعمًا عسكريًا لها، وبطريقة لن تفعلها الدول السنية، مضيفًا أنّ هناك دلالة أخرى على أنّ حماس من المرجح أن تخرج من المصالحة سواء نجحت أو أخفقت، وهي علاقتها الوثيقة بـ«دحلان».
وقالت «ديانا بوتو»، المستشارة السابقة لمنظمة التحرير الفلسطينية، إنّ دحلان، الذي يعيش في الإمارات العربية المتحدة، يسعى إلى العودة إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة للاعتراض على قيادة عباس؛ وإذا كان ينوي أن يكون لاعبًا رئيسًا في الأحداث فالمنفى ليس اختيارًا جيدًا له، بل يتعين عليه العودة؛ ومن هنا سيعتبر عباس عقبة في طريق المصالحة وحلّ مشاكل غزة ووضع استراتيجية تحرر مناسبة.
بينما قال «مناحيم» إنّ مصر تريد مصالحة ثنائية المسار بين «حماس وفتح»، وداخل فتح أيضًا بين عباس ومعارضين له مثل دحلان.
لكن، حسبما أوضحت «ديانا»، أعطت مصر أولوية للوحدة بين حماس ودحلان، مضيفة أنّها فتحت الطريق أمام تشكيل جبهة مشتركة ضد حكم عباس.
وقالت إنّ مصر ودول الخليج التي تقودها المملكة العربية السعودية زاد سخطها بسبب فشل عباس في تعيين خليف له، أو إجراء انتخابات، وتعزيز جيل جديد من الإصلاحيين. وبدلًا من ذلك، ساعدوا دحلان على إنشاء قاعدة قوة في غزة؛ عن طريق ضخه أموالًا إلى القطاع من الإمارات العربية المتحدة.
دحلان
ضاعف جهوده في الشهر الماضي، عبر إطلاق برنامج المصالحة بين فتح وحماس، وهو البرنامج الذي تضمّن توزيع 50 ألف دولار على الأسر التي قتل أو أصيب أحباؤهم في الاشتباكات التي اندلعت في عام 2007 التي أزالت فتح من غزة، وكان الهدف من التعويض كسب حلفاء جدد بين عائلات حماس وفتح.
وفي أواخر يونيو، قال «زفي باريل»، المحلل البارز في صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، إنّ مصر والإمارات و«إسرائيل» تسعى إلى إقناع حماس بالموافقة على تثبيت دحلان رئيسًا للوزراء لما سيصبح فعليًا «دولة غزة». ويذكر دحلان أنّ له علاقات مع «إسرائيل» والولايات المتحدة، بالإضافة إلى مصر والإمارات، التي تردد أنها تعتبره المرشح الرئيس خلفًا لعباس.
ووفقًا لتقرير «هآرتس»، ترى مصر والإمارات و«إسرائيل» نفوذ دحلان في غزة وسيلة لإضعاف عباس و«تحييد» أدوار تركيا وقطر؛ على الرغم من مشاركة قطر في تمويل إعادة الإعمار في غزة بعد الحرب الإسرائيلية في 2014.
وفي الأسبوع الماضي، لاحظ المحلل العسكري في هآرتس «آموس هاريل» أنّ الإمارات تحاول إخراج قطر من غزة؛ عن طريق إنفاق الأموال هناك بواسطة «دحلان».
وفي الوقت نفسه، قال «مناحيم» إنّ العلاقة بين حماس ودحلان فتحت الباب أمام حماس لتوسيع علاقتها الإقليمية، ومكّنتها من بناء علاقات مع مصر والإمارات، وربما السعودية أيضًا. وعلى الرغم من «صمت» السعودية حتى الآن؛ قد يهدّئ تقارب حماس مع مصر من مخاوف السعوديين. ونتيجة لذلك؛ دُفع عباس إلى الزاوية.
وقال «مناحيم» إنّ حماس تريد توسيع حكمها من غزة إلى الضفة الغربية، مضيفًا: «بعد ذلك، يمكنها التفاوض على اتفاق طويل الأجل مع إسرائيل (هدنة على أساس حدود عام 1967)؛ فهي تحتاج إلى مساعدة مصر؛ لأن مصر يمكنها أن تدعو أوروبا والولايات المتحدة نيابة عنها».
ووفقًا لما ذكره مناحيم، فعباس الآن «مكشوف»؛ فهو يعتمد حصرًا على الدعم الأميركي، وبينما «دونالد ترامب» هو المسؤول الآن، فهو ليس مستعدًا للتعاون مع أوروبا بشأن القضية الفلسطينية.
الرد الإسرائيلي
أثناء زيارته إلى نيويورك، اجتمع نتنياهو مع السيسي على هامش مشاركته في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وأكد حاجته الملحة لإقامة سلام؛ لكنّ مصر لا تستطيع فرض أيّ ضغوط على «إسرائيل»؛ ما دامت حماس وفتح غير متفقين، وفضّل نتنياهو التركيز على إيران بدلًا من الفلسطينيين.
وقالت «ديانا» إنّ الأولوية القصوى لـ«إسرائيل» إحباط المصالحة والحفاظ على الانقسام الإقليمي بين غزة والضفة الغربية المحتلة، مضيفة أنّ رأس المال الوحيد الذي يمكن أن تستفيد منه «إسرائيل» من الوحدة هو تشويه سمعة عباس للتواطؤ مع «الإرهابيين»، ومن ثم تعزيز القضية التي تدعو المجتمع الدولي إلى منع تمويل السلطة الفلسطينية؛ كما حدث بعد الانتخابات الفلسطينية الأخيرة في عام 2006 التي فازت فيها حماس.
وقالت: «في هذه الحالة، سيتعين على السلطة الفلسطينية أن تركز طاقاتها على البقاء وجمع المال بدلًا من وضع استراتيجية للمقاومة»، مضيفة أنه من غير المرجح أن تنجح المصالحة طالما لم يكن هناك ضغط جماعي من العالم العربي.
وقالت إنّ الدول العربية تركّز فقط على مصالحها الضيقة بدلًا من أن تكون بمثابة أبطال القضية الفلسطينية كما كانت من قبل، مضيفة أنّ نهجها الحالي هو أنه «ينبغي ترك الفلسطينيين وحدهم لحل خلافاتهم مع إسرائيل؛ وسببت هذه العزلة العميقة في فوضى بالحركة الوطنية الفلسطينية».