على مدى أجيال، استقبلت عائلة «محمد أحمد» السياح وأجّرت الخيول المزيّنة لهم للتنزه بها. لكن، في أعقاب السنوات التي تلت انتفاضة الربيع العربي في عام 2011، تراجعت أعدد الوفود السياحية وانخفضت من أكثر من 14 مليونًا في عام 2010 إلى تسعة ملايين فقط في عام 2015.
يقول موقع «كوارتز ميديا» الإخباري، بحسب ما ترجمت «شبكة رصد»، إنّ الحكومة لكي تستعيد قطاع السياحة «المترهل»، الذي يمثّل المورد الرئيس للعملة الصعبة، من جديد؛ لجأت إلى زيادة أسعار تذاكر الأماكن والمزارات السياحية، بجانب إجراءات أخرى تخص الحالة الاقتصادية المتدهورة بشكل عام؛ كقرض صندوق النقد والتعويم وغيرهما.
يضيف «محمد» أنّ الحظ تغيّر، وأصبحت هناك منافسة شرسة بين العاملين في المجال؛ فما يتقاضونه من أجر و«إكرامية» لا يكفيان لدفع الفواتير أو ادّخارهما ليوم آخر. وفي ظهر يوم مشمس، بينما كان يتطلع إلى مجموعة قليلة من السياح الصينيين الذين ينتظرون في حافلة سياحية، يقول: «كان الأمر صعبًا للغاية علينا، لا يمكنك أن تتخيل كيف تغيرت الحياة».
يقول الموقع إنه على مدى عقود كانت مصر وجهة رئيسة للسياح الدوليين الذين يزورون شمال إفريقيا. لكنّ صناعة السياحة فيها عانت من ضربة قاصمة عقب مصائب سياسية وكارثة كبرى أصابت شركات الطيران والهجمات الإرهابية وتفجيرات الكنائس. وأدى فشل ثورة يناير في 2011 وإعادة استخدام العنف من الجيش إلى إضعاف النمو في القطاع؛ وتحوّلت المنتجعات الفاخرة والفنادق إلى مناطق أشباح أو مهجورة.
وقال الموقع إنّ ثمة نقطة ضعف أخرى، وهي الاضطرابات التي اندلعت في 2013 عقب الانقلاب العسكري على الدكتور محمد مرسي؛ فكلّفت قطاع السياحة 400 مليون دولار شهريًا، وفقًا لتقديرات من محللي «جي بي مورجان».
وتفاقم الوضع مرة أخرى في عام 2015، بعد أن أعلن «تنظيم الدولة» مسؤوليته عن إسقاط طائرة روسية فوق سيناء؛ ما أسفر عن مقتل 224 شخصًا، معظمهم من السياح. وفرضت روسيا حظرًا غير محدد على جميع الرحلات الجوية إلى مصر، في حين فرضت شركات طيران أوروبية وحكومات قيودًا على الطيران بسبب مخاوف أمنية.
وغير ذلك، طعن مهاجمون سياحًا في مدينة الغردقة بالبحر الأحمر، وأطلق مسلحون النار على حافلة سياحية في القاهرة. كما جنت الهجمات القاتلة على الكنائس في ميناء الإسكندرية الصاخب ومدينة طنطا على صورة مصر كمقصد سياحي مفضل.
أيضًا، عانت المواقع الأثرية القديمة والمتاحف والمتنزهات من مشاكل؛ إذ نُهبت عديد منها وهُرّبت، وسُرقت قطع أثرية. وأدى انفجار سيارة مفخخة إلى إلحاق أضرار في الواجهة والمعارض في متحف الفن الإسلامي في عام 2014؛ ما أجبره على الإغلاق لمدة تصل إلى عامين.
وأصبحت حديقة الأسماك في القاهرة، التي كانت في السابق موطنًا لمجموعة نادرة من الأسماك الإفريقية، إلى شبه فارغة تقريبًا. وفي زيارة حديثة لها من الصحيفة، وجدت أن معظم خزانات المياه خالية من أيّ حياة مائية؛ بينما تتناثر القمامة والأكواب البلاستيكية الفارغة في أرجاء المكان.
هذه كلها عوامل ساهمت في تردّي أوضاع السياحة؛ ما أدى إلى انخفاض كبير في حجوزات الرحلات الجوية الدولية إلى مصر، ودفع الوضع الحالي السياح إلى البحث عن وجهات أخرى كإسبانيا. بالإضافة إلى ذلك، أثّر انخفاض عدد السياح الوافدين على الاقتصاد المصري، الذي تمثًل السياحة له مصدرًا أساسيًا من العملة الصعبة.
إجراءات حكومية قاسية
وقال الموقع إنّ الحكومة كي تضمن استمرار أنشطة البحث والترميم زادت من أسعار التذاكر لدخول هذه المتنزهات والمتاحف، كما تلقت قرضًا من صندوق النقد الدولي لمدة ثلاث سنوات بقيمة 12 مليار دولار، وخفّضت قيمة عملتها بمقدار النصف تقريبًا مقابل الدولار؛ من أجل مكافحة الأزمة الاقتصادية الحادة.
أما بالنسبة إلى المواطنين العاديين مثل «محمد»، أدى انخفاض قيمة الجنيه المصري إلى ارتفاع معدلات التضخم وقوة الشرائية الضعيفة. وقال محمد: «الفلوس مالهاش قيمة. اللي بنجيبه من هنا بيتصرف من هنا، كأنك ماعملتش أي حاجة».
ماذا تعتقد حكومة السيسي؟
قال «كوارتز ميديا» إنّه على الرغم من التدهور الذي أصاب القطاع، تعتقد الحكومة أنّ عدد السياح الذين يزورون مصر في عام 2017 قد يقترب من المستويات التي كانت عليها قبل ثورة 2011.
ولتحفيز النمو، قدّمت مصر حوافز وخفضت الرسوم المفروضة على شركات الطيران ومشغلي الرحلات السياحية لجلب مزيد من السياح إلى البلاد. وأنفقت ملايين الدولارات على تحسين الأمن في مطاراتها، كما نظّمت زيارات لشخصيات رفيعة المستوى إلى الأهرامات لجذب السياح، كالمستشارة الأميركية أنجيلا ميركل ونجم هوليود ويل سميث، وهي وسيلة اتبعتها لتعزيز «القطاع المترهل».
كما أطلقت الحكومة حملة «وحشتونا» لجذب مزيد من الزوار من الخليج العربي. ولكن، قبل أن يتمكن قطاع السياحة من الانتعاش ثانية من الركود الحالي، سيستمر نموه البطيء في إلحاق الأذى بعديد ممن يعتمدون عليه من أجل الدخل.
ويشمل هذا أصحاب الفنادق الصغيرة والمرشدين السياحيين والسائقين وأصحاب المحلات التذكارية الذين يستفيدون من تدفق السياح.
فيقول «حسام عبدالله»، الذي كان يمتلك عربة تجرّها الخيول في منطقة أبي الهول، إنه متفائل بشأن المستقبل. الأمر سيستغرق وقتًا طويلًا قبل أن يكون كل شيء على ما يرام. ولكن، مع الصبر؛ ستعود الأيام الطيبة إن شاء الله.