أصبحت مقولة جورج بوش «الحرب على الإرهاب» أداة للتستر على جرائم الحرب، وبمثابة المسرحية لارتكاب الفظائع والتغاضي عنها؛ فمنذ فجر القرن الحادي والعشرين شرعت إدارته في حروب دموية متعددة باسم الحرب على الإرهاب، وقاتلت فيها حلفاء واشنطن وأعداءها على حد سواء. وغير الولايات المتحدة، استخدمتها كل الحكومات القمعية لتبرير قمعها وتسلطها على مواطنيها؛ وهو ما سلّط الكاتب الأميركي «تشارلز ديفيد» الضوء عليه في مقاله بـ«شبكة الجزيرة».
وبحسب ما ترجمت «شبكة رصد»، قال الكاتب إنّ «الإرهاب» عدو مفيد لهم ولا ينبغي إعلان الحرب ضده؛ فالحروب التقليدية مع الخصم النظامي تجلب معها البيروقراطية التي لا يمكن تفاديها دائمًا للقانون الدولي؛ فالمحامون يقولون لك: لا يمكن إطلاق النار على هذا أو ذاك، ولا يوجد نزاع خارج القانون، على الأقل على الورق. وأضاف أنّ أيّ دولة إذا أرادت قتل جهات فاعلة غير الدولة الأساسية أو محاربتها، أو قتل أشخاص خارج نطاق القانون؛ تعتمد بذكاء عنوان «الحرب على الإرهاب».
وأضاف أنّ مصطلح «أخبار وهمية» هو الخط الجديد لعام 2017، وهي الجملة التي قالتها الحائزة على جائزة نوبل وزعيمة ميانمار «أونغ سان سو كي» في 6 سبتمبر لتوصيف تقارير عن القتل الجماعي ضد شعب الروهينجا، وهي أقلية عرقية مسلمة حرمتها حكومتها من حقوقها القانونية، وفرّ ما يقرب من ربع مليون شخص من ميانمار العام الماضي؛ نصف هذا العدد فروا في الأسبوعين الأخيرين عقب حملة قوات الأمن في «حربها المزعومة ضد الإرهاب الإسلامي».
وقُتل آلاف الأشخاص الآخرين، وتحدّث اللاجئون والصحفيون على الأرض عن مشاهد مروعة، وصفهوها بأنها غوغائية من القوات المسلحة الميانمارية التي أحرقت قرى الروهينجا ورحّلت أصحابها بالآلاف إلى بنجلاديش، وهي بلد آخر لا تريد حكومته أن يأتي إليها هؤلاء؛ فتمركزوا على الحدود وأصبحوا بمثابة ألغام أرضية موضوعة على الأرض ينتظر الجيش إبادتهم.
محاولات تضليل مدهشة!
وأضاف الكاتب أنّ هذه الأفعال منتشرة في العالم على نطاق واسع؛ لكنّ أولئك الذين يرغبون في الدفاع عن مرتكبي مثل هذه الأفعال هم «الأدهى»، فهم لا يدافعون عنهم مباشرة؛ بل يركزون على الأخطاء الورادة في الاتهامات، وبالتالي توجيه غضب المرء نحوهم ونشر المعلومات الخاطئة بدلًا من مهاجمة المتهمين بالجرائم؛ وهي مشكلة أيّ نزاع.
كمثال على ذلك، قال الكاتب إنّ أعضاء حزب «الخمير الحمر» الكمبوديين علّقوا على صورة نشرتها صحيفة «الواشنطن بوست» تصوّر جزءًا من الجرائم التي ارتكبها الحزب في سبعينيات القرن الماضي بكمبوديا قائلين إنها وهمية، ولأن الصورة قديمة والأحداث قديمة؛ لم يتمكن أحد من إثبات ادعاءاتهم بأنها وهمية.
وعلى المنوال نفسه، اتهمت «أونج سونج سو كي» ناشري الصور التي تتحدث عن المجازر بحق الروهينجا بأنهم إرهابيون، وقالت في مقال لها: «إنها مجرد غيض من فيض التضليل؛ بهدف تعزيز مصالح الإرهابيين»، وقال الكاتب إنّ ما فعلته زعيمة ميانمار هو «محاولة مدهشة» للتضليل على ما يحدث، متبعة فرضية «جانبنا نحن أم جانبهم هم».
حرب جديدة
وأضاف أنه يبدو أنّ وسائل الإعلام الحكومية الروسية، التي تبيع حكومتها الأسلحة إلى ميانمار، كرّرت اللقطة نفسها فيما يتعلق بالأزمة السورية؛ فـ«سبوتنيك وآر تي» الممولتان من الملياردير اليهودي «جورج سوروس» روجتا لما تسمى «الحرب الجديدة»، بحثًا عن خط أنابيب دموي آخر؛ فعكست هاتان الوسيلتان الإعلاميتان «التفسير التآمري» للثورة في سوريا وحولته إلى «حرب ضد الإرهاب».
وبطريقة مماثلة، فعل بوش الأمر نفسه في العراق؛ إذ قال في مقابلة مع المؤسسة الوطنية للديمقراطية في عام 2005: «لم يكن هناك أيّ عمل من جانبنا سوى ضد الراديكالية الإسلامية»، ففي أثناء ذروة الهجمات الأميركية على العراق استخدم الدعايا ضد الإرهاب المتدفق عبر سوريا وإيران لزيادة الدعم لما يقوم به، وأضاف الكاتب: «بوش لم يكن مخطئًا تمامًا: لقد ساهمت سوريا بالفعل في عبور الجهاديين إلى العراق؛ مما دفعه إلى إعادة إرسال المشتبه بهم إلى دمشق، حيث تعرضوا إلى التعذيب بشكل كامل».
وهو ما استتبع الغزو في عام 2003 وما تلاه من احتلال، مضيفًا: «اليوم، تكرر طهران ودمشق الحرب على الإرهاب باستخدام النهج الخطابي القديم؛ فسوريا تلقي باللوم على الثوار، وطهران تلقي باللوم على الجهات الفاعلة الخارجية.
في فلسطين أيضًا تكرر الأمر نفسه؛ فقوات الاحتلال صوّرت من قبل جنديًا إسرائيليًا وهو يحمي والدته بينما يختبئ مسلح فلسطيني وراء شخص لتبرير هجماتها ضد الفلسطينيين، وكذلك فعل السيسي الذي استخدم مفهوم الحرب على الإرهاب لقتل المدنيين».
جذب التضامن
أوضح الكاتب أنّ مؤيدي هذه الحكومات لا يسعون إلى العدالة بقدر ما يسعون إلى جذب التضامن مع مواقفهم؛ فبشار الأسد -على سبيل المثال- جعل المقاومة للإمبريالية الأميركية مفتاح علامته التجارية، وألقى باللوم على الثورة للتملص من الإصلاحات وارتكب جرائم تعذيب، ودُعم من «الحرب الأميركية على الإرهاب» في عهد بوش، عندما «كانت سوريا تساعد وكالة المخابرات المركزية في برنامج التسليم واستجواب الناس وتعذيبهم».
وبرّر ذلك بأنّ سوريا دعت منذ وقت طويل إلى التعاون الدولي لمكافحة الإرهاب، مضيفًا أنه «لهذا السبب كنا دائمًا مستعدين للمساعدة والتعاون مع أي بلد يريد مكافحة الارهاب، ولهذا السبب ساعدنا الأميركيين، ونحن مستعدون دائمًا للانضمام إلى أي بلد مخلص في مكافحة الإرهاب».
وأكّد الكاتب أنّ هناك دائمًا معركة بشأن ما يشكّل الإرهاب وكل ما هو إرهابي، ودائمًا ما يأتي ذلك من تأطير الحكام لصراعاتهم الداخلية وجعلها حربًا على الإرهاب؛ ودائمًا «الإسلاميون» الوجه المعتاد لاتهامهم بذلك.
وعندما سُئل الرئيس الأميركي الحالي «دونالد ترامب» عن استخدام بشار الأسد الأسلحة الكيماوية، في مؤتمر صحفي في سبتمبر، قال: «لا علاقة لنا بسوريا إلا بقتل تنظيم الدولة»، في حين أن النظام السوري هو المسؤول عن غالبية المدنيين القتلى، وأضاف الكاتب أن جملة «قتل تنظيم الدولة» تعني أنّ قتل المدنيين لا يزال مستمرًا.
وأوضح أنّ الحرب على «التطرّف» لا يمكن كسبها من الدعاية والقوة العسكرية وحدهما؛ فحركات المعارضة تنتج دائمًا عندما لا يُصلح النظام أسباب معارضته أصلًا، مضيفًا: «لكنّ مفهوم الحرب على الإرهاب منتشر بكثرة، خاصة في الولايات المتحدة، لمهاجمة أعدائها الرسميين؛ وهو الأمر الذي يشكّل إرباكا لهذه الجماعات المعارضة التي تسعى بالفعل إلى أن يكون الوضع أفضل».
وختم الكاتب بأنّ آلافًا من القتلى مدنيون، وآلافًا ما زالوا يعانون ويمكن أن يشهدوا بأن «الحرب على الإرهاب فعلًا فازت».