كثيرًا ما أثارت المساعدات الأميركية لمصر، المصنفة دائمًا بشكل ضعيف في مؤشر الاقتصاد العالمي، الجدل؛ لا سيما بعد الوضع السيئ لحقوق الإنسان المصري بعد إجراءات قمع الجمعيات الأهلية والمعتقلين السياسيين في السجون.
فهل تهدف الولايات المتحدة بالفعل إلى تحسين هذه الأوضاع أم أنه مجرد استخدام سياسي للمعونة؟ هذا ما تجيب عنه «إنترناشيونال بوليسي دايجست» في تقريرها التالي.
فرصة ملموسة
تقول المجلة، بحسب ترجمة «شبكة رصد»، إنّ الفهم الأفضل للسياسة الخارجية الأميركية في مصر يمكن أن يكون فرصة ملموسة لتحسين فعالية برامج المعونة؛ عبر تكريس العلاقات المتناقضة بين تمثيل برنامج المعونة والديمقراطية في مصر.
ولم يكن لسياسة الخارجية الأميركية تجاه برنامجها للمعونة أثر إيجابي كبير في مصر، وكانت مقاومة الحكومة للتعاون مع المشاريع الممولة لتعقّب التحسن أو تسليط الضوء على عوامل التحسن ضخمة.
في تقرير بعنوان «كل ما تحتاج إلى معرفته عن المساعدات الأميركية لمصر في العام 2015»، أكّد «كولين كوستيلو»، بمعهد التحرير لسياسة الشرق الأوسط، أنه وفقًا للإحصاءات الرسمية، يعيش قرابة نصف المصريين بالقرب من خط الفقر أو تحته. ولا تزال البطالة ونقص العمالة مرتفعين؛ إذ تصل بعض الحسابات إلى 30% بين الشباب المتعلمين من الجامعات، وأحد شروط المعونة الأميركية أن يُشهد لمصر بتحقيق سبعة شروط لتلقي المساعدات وتتعلق بتعزيز الديمقراطية وحماية حقوق الإنسان. وإذا اُعتمدت شروط حقوق الإنسان هذه فإن ما يصل إلى 725 مليون دولار من المساعدات لمصر قد يُفرج عنها.
وفي تقرير للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في 2014، وصل معدل البطالة بين النساء في مصر أكثر من ضعف معدل البطالة بين الرجال؛ إذ بلغت نسبة البطالة بين النساء 24% في عام 2013 مقابل 9.8% للرجال.
يوضح «كوستيلو» كيفية معاناة نظام التعليم من التدني وعجزه عن توفير متطلبات سوق العمل من العمال المدربين والمؤهلين فيقول: «يبقى جزء كبير من الاقتصاد في مصر غير رسمي، مع انخفاض الأجور وقلة الأمن الوظيفي أو الفوائد.
وتتعرض البنية التحتية والخدمات العامة في مصر إلى الضغط تحت وطأة النمو السكاني المتزايد، وكمثال: 15 قرية في مصر فقط يوجد فيها صرف صحي، ويعاني أكثر من 20% من الأطفال دون الخامسة من العمر من توقف النمو؛ بسبب نقص التغذية. ولا يزال من الصعب جدًا الحصول على مساكن بأسعار معقولة في أجزاء كثيرة من مصر؛ ولذلك يعجز مصريون كثيرون عن الزواج حتى الثلاثينيات من عمرهم.
كما ازداد التمييز في العقود الأخيرة. ووفقًا لدراسة استقصائية عالمية أجريت مؤخرًا عن الثروة، انخفض عدد المصريين المنتمين إلى الطبقة المتوسطة والدخل الأعلى إلى النصف تقريبًا على مدى السنوات الـ15 الماضية من 5.7 ملايين إلى 2.9 مليون شخص. ويشكّل الذين يعتبرون الطبقة الوسطى أو ما فوقها 5.4% فقط من السكان، ولكنهم يمتلكون ثلثي ثروة البلاد».
إهدار الموارد
وبينما يثق محللون سياسيون في رغبة الولايات المتحدة في تحسين أوضاع حقوق الإنسان في مصر، أو رغبة الحكومة المصرية في القضاء على الإرهاب وهزيمة تنظيم الدولة في سيناء؛ فبحسب «إليوت أبرامز»، الزميل في مجلس دراسات الشرق الأوسط، فإن مساعدة الولايات المتحدة لمصر يجب أن تتشكل من جديد؛ لأن تكتيكات مصر على المستويات الأمنية تبدو وكأنها فاشلة.
هناك تشابه ملحوظ بين بنية المساعدات الأميركية لمصر وهيكل الجيش المصري؛ إذ يقول «إليوت» في شهادته أمام لجنة مجلس الشيوخ المعنية بالاعتمادات: إنّ بنية المساعدات الأميركية لمصر بحاجة ماسة إلى إعادة التفكير والتطوير، موضحًا أن البرنامج لا علاقة له بالجهود المبذولة لمكافحة الإرهاب في مصر؛ إذ يريد الجيش المصري إنفاق مبالغ ضخمة على الغواصات والفرقاطات والطائرات المقاتلة ذات الأداء العالي، وكلها غير مجدية في مكافحة الإرهاب؛ ويمثل ذلك إهدارًا للموارد الشحيحة.
شهر العسل السياسي
قالت المجلة إنّ هناك دلالة على تحوّل واضح في السياسة الخارجية للولايات المتحدة تجاه مصر، برزت في ترحيب ترامب الحار بعبدالفتاح السيسي في البيت الأبيض في أبريل الماضي 2017. وأعرب عن تصريحات من قبيل الفهم المتبادل وأن مصر صديق كبير وحليف للولايات المتحدة، بينما قال السيسي ستجدوني ومصر بجانبكم في جهود مكافحة الإرهاب.
ويبدو أن هذه الملاحظات، بحسب المجلة، تبشر بعهد جديد من المفاوضة السياسية المتبادلة، وبعد أيام، زارت البيت الأبيض «آية حجازي»، ناشطة اجتماعية أميركية مصرية، أُطلق سراحها من السجن بعد ما يقرب من ثلاث سنوات من الاحتجاز بتهمة زائفة تتعلق بإنشاء مؤسسة لمساعدة أطفال الشوارع وتأهيلهم.
فهل أشارت الحقبة الجديدة من «المتبادل» بين النظامين إلى وجود سياسات تعزز حقوق الإنسان والازدهار الاقتصادي في مصر؟
فصل محير
الجواب عن السؤال السابق لم يكن إيجابيًا على الأقل لمصر؛ إذ اتخذت آليات الإصلاح فيها توجهًا مختلفًا.
فتعليق المساعدات الأميركية بسبب القلق لحقوق الإنسان يشير إلى التحوّل «الدافئ المبكر» في السياسة الخارجية الأميركية، وهي مسألة طال انتظارها؛ فهل ستكون الولايات المتحدة قادرة على تحمل مسؤوليتها العالمية عن تصحيح حقوق الإنسان والظروف الاقتصادية في مصر؟
ووفقًا لـ«هيومن رايتس ووتش»، أوضاع حقوق الإنسان في مصر آخذة في التدهور منذ عام 2011، ولم تقطع الولايات المتحدة مساعداتها لمصر في ذلك الوقت؛ فهل التوقيت الآن يتعلق بحقوق الإنسان فعلًا أم أنه قضية سياسية؟ وهو ما أجاب عنه «إليوت إبراهام» قائلًا: «ببساطة، انخفض وزن مصر في المنطقة، ومع إغلاق المنظمات غير الحكومية المهتمة بحقوق الإنسان، إضافة إلى القبض غير القانوني على نشطاء حقوق الإنسان، فمن المعقول أن تكون فعالية برنامج المعونة مشكوكًا فيها».
إن تحليل أحدث التغييرات في المساعدات، والتشكيك فيما إذا كانت تستهدف سياسات مصر الأخيرة ضد المنظمات غير الحكومية المعنية بحقوق الإنسان والناشطين الاجتماعيين، أمرٌ مثيرٌ للجدل. وفي رسالته إلى الرئيس ترامب، حثّ رئيس اللجنة «جون ماكين» على مواصلة الضغط على مصر بشأن انتهاكات حقوق الإنسان، مضيفًا: «مع استمراركم في العمل مع حكومة مصر بخصوص حقوق الإنسان هناك، أحثكم على إثارة قضية استمرار حبس 20 مواطنًا أميركيا في السجون المصرية، بمن فيهم طالب جامعي من أبناء نيويورك (أحمد عطوي)، الذي اُتُّهم بالمشاركة في التظاهر دون ترخيص، وهي تهمة زائفة؛ وبالرغم من الأدلة الباطلة التي قدمها محاميه، ويبدو أن سجنه يشكل جزءًا من حملة مقلقة على الأصوات المستقلة في مصر على مدى السنوات القليلة الماضية، وتعرّض إلى الاحتجاز دون محاكمة لأكثر من أربع سنوات؛ ما يجعل القضية عاجلة بشكل خاص».
وتقول الصحيفة إنّ هناك مخاوف من أن تكون مصر مصنعًا للجهاديين؛ بسبب الوضع الأمني الضعيف وقتل المدنيين جنبًا إلى جنب مع ظروف السجون السيئة، التي يوجد فيها قرابة 60 ألف سجين سياسي.
وعزا أبراهام بوضوح مساعدات الولايات المتحدة إلى مصر بسبب أهمية دورها في الشرق الأوسط والولايات المتحدة. فعلى سبيل المثال، في الوقت الذي كانت فيه مصر مهمة للسلام الإسرائيلي الفلسطيني بعد اتفاقية كامب ديفيد، بلغ متوسط حجم المساعدات الإجمالية نحو مليارى دولار سنويا؛ منها 1.3 مليار مساعدات عسكرية منذ أواخر الثمانينيات.
كل هذه العوامل تجعل التخفيضات الأخيرة في المساعدات تتجاوز بكثير المخاوف بشأن أغراض حقوق الإنسان. وعمومًا، فإن التأثير السياسي المتضرر في مصر يجعل من غرض حقوق الإنسان أمرًا مناسبًا لحرمانها من الأموال. وبالنسبة إلى مصر، يجب أن تكون الإجابة أكثر من «نأسف لقرار» إدارة ترامب بتعليق المساعدات وخفضها؛ إذ تحتاج الحالة إلى التزام ملموس وواقعي بتحسين الأحوال الاقتصادية والسياسية وحقوق الإنسان، فالمساعدات الأميركية لمصر تعتبر مساعدة لتحقيق استقرار مصر الآمنة التي تهزم التهديد الإرهابي الذي يواجهها، وتحمي حدودها وتساعد على استقرار المنطقة والبقاء في سلام مع «إسرائيل» وحماية حرية المصريين وحقوقهم.