اتسمت العلاقات السودانية المصرية، بطبيعة متوترة على مر الأنظمة، بسبب قضايا وملفات خلافية عميقة، تغض البلدان الطرف عنها في أوقات، وتستدعيانها في أوقات أخرى لاستخدامها في أهداف ومصالح خاصة، أو للانتقام في أوقات أخرى.
ونستعرض أبرز الملفات الخلافية في العلاقات المصرية السودانية
حلايب وشلاتين
تُعد قضية مثلث حلايب وشلاتين من أبرز وأهم القضايا المتأزمة بين الجانب المصري والسوداني، ورغم محاولة تجاوزها في كثير من الأحيان في ظل علاقات دبلوماسية بين الطرفين، إلا أنها سرعان ما تظهر من جديد، كان آخرها في أعقاب تنازل مصر عن جزيرتي تيران وصنافير، ومطالبة الخرطوم بالمعاملة بالمثل في قضية المثلث المتنازل عليه في الحدود.
وقضية المثلث الحدودي ليس وليد اللحظة، وإنما بدأت في أعقاب الحدود المرسومة بين مصر والسودان التي حددتها اتفاقية الحكم الثنائي بين مصر وبريطانيا عام 1899، وظلت موضوعًا خلافيا قابلا للتفاوض حتى تسعينيات القرن الماضي عندما رفض الرئيس المخلوع مبارك، الدخول في مفاوضات وزراء خارجية أفريقيا لحل النزاع الحدودي.
في عام 2000 طرد مبارك القوات السودانية من حلايب، وفرضت القوات المصرية سيطرتها على المنطقة، وبدأت التواجد فيها إداريا وخدميا لرفض الواقع، قدمت عقبها السودان مذكرة للأمم المتحدة طالب بخروج القوات المصرية منها.
واستمر النزاع سياسيا على المنطقة ففي عام 2010 ضمت الحكومة السودانية منطقة حلايب لها، وفي عام 2011 شملت الدوائر الانتخابية المصرية ذات المثلث.
واستمرت الأزمة تطل برأسها بين الحين والآخر، حتى زادت حدة المطالبات من الجانب السوداني والتهديد باللجوء للتحكيم الدولي عقب تنازل الجانب المصري عن جزيرتي البحر الأحمر للمملكة العربية السعودية.
سد النهضة
بالرغم من أن السد لا يتبع بالأساس السودان إلا أن خلافاته طالت العلاقات المصرية السودانية، فاتهمت مصر السودان بالانحياز إلى الجانب الإثيوبي ضد مصالح الدولة المصرية، كان ذلك إثر إعلان الخرطوم عام 2013 دعمها لإثيوبيا في بناء سد النهضة، في أعقاب قرار أديس أبابا تغيير مجرى النيل الأزرق.
ويأتي قرار السودان بدعم إثيوبيا مخالفا لما عهدت عليه الخرطوم منذ اتفاق عام 1959، الخاص بتوزيع حصص مياه نهر النيل، والتي دائما كانت تعارض أي مشاريع من شأنها التأثير على مياه النيل.
وتعتبر السودان السد المقام على بعد 20 كيلومتر من حدودها بمثابة منفعة لها، مؤكدة أنه سيخفف وطأة الفيضانات المُدمرة التي تجتاح البلاد سنويا، كما يضمن سريان مياه النيل بشكل منتظم طوال العام.
ملف السد أثر بشكل كبير في العلاقات المتوترة بالأساس مع مصر، وعلى الرغم من أن السودان تقدم نفسها كوسيط في الأزمة إلا أن القاهرة تعتبرها طرفًا أصيلًا، وتتهمها باستغلال ملف المياه نظير أزمة الحدود.
محاولة اغتيال مبارك
تعرض الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك لمحاولة اغتيال في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، عام 1995، خلال مشاركته في القمة الأفريقية، بعد أن استهدفه مسلحون، ونجح حراسه في إحباط العملية.
كانت المحاولة سبب في اشتعال فتيل الأزمة بين الجانبين، حيث اتهمت الحكومة المصرية النظام السوداني بقيادة عمر البشير بالتخطيط لمحاولة اغتيال مبارك.
دعم متمردي دارفور
اتهم الرئيس السوداني، عمر البشير، مايو الماضي، الحكومة المصرية بدعم الحركات المسلحة السودانية المتمردة، وذلك خلال كلمة ألقاها لقدامى المحاربين.
وأشار البشير، إلى أن قوات الجيش السوداني، عثرت على مدرعات ومركبات مصرية، خلال هجوم من متمردي دارفور، مضيفا أن «القوات المهاجمة انطلقت من دولة جنوب السودان ومن ليبيا على متن مدرعات مصرية».
وقال الرئيس السوداني «قاتلنا لأكثر من 17 عاما ولم تدعمنا مصر، حتى الذخائر التي اشتريناها من مصر كانت ذخائر فاسدة، على الرغم من أننا حاربنا معهم في أكتوبر 1973».
سرعان ما ردت وزارة الخارجية المصرية على تصريحات البشير، نافية أن تكون دعمت المتمردين، معربة عن أسفها لإطلاق مثل تلك الاتهامات.
ولكن تقارير أوردتها وسائل الإعلام السودانية كشفت عن لقاءات المخابرات المصريّة مع المعارضة السودانيّة، كشفت فيها عن أسماء الشخصيّات القياديّة في جبهات المعارضة السودانيّة، مثل حركة العدل والمساواة التي تقيم في القاهرة.
أزمة الواردات الاقتصادية
أزمة جديدة أضيفت للملفات الساخنة بين البلدين، بعد قرار مفاجئ من «الخرطوم» بفرض رسوم جمركية على واردات «السيراميك المصري» بالمخالفة لاتفاقيتَي «الكوميسا والتيسير العربية».
وفاجأت السودان موردي السيراميك في 2016 بمنشور من الجمارك السودانية يقضى بفرض رسوم جمركية على واردات السيراميك المصري، ووقف تطبيق الإعفاء الجمركي.
اتبعها قرار بوقف استيراد الخضر والفاكهة والأسماك من مصر مؤقتًا، لحين اكتمال الفحوصات المعملية والمخبرية.
كما زادت الأزمات الاقتصادية بين البلدين، عندما أعلنت السودان في مارس الماضي، حظر استيراد بعض المنتجات الغذائية المصرية، وقالت أنها بسبب استخدام مدخلات إنتاج ملوثة فى تصنيعها.
اتهامات مصرية للسودان بدعم الجماعات الإسلامية
تتهم مصر الجانب السوداني بدعم الثوار من الفصائل الإسلامية في ليبيا منذ اندلاع الثورة على القذافي بسبب الخلافات المتوارثة بين نظام البشير والقذافي، في الوقت الذي يدعم النظام المصري الحالي قوات حفتر، مما شكل نقطة خلاف قوية ببين سياسة الجانبين.
وعلى جانب آخر تتهم الحكومة المصرية، الخرطوم، بفتح بلادها لإيواء عناصر من جماعة الإخوان المسلمين والسماح لهم باستخدام السودان كمحطة للخروج إلى دول أخرى، الأمر الذي تنفيه السودان تكرارا، في ظل مطالبة الجانب المصري ضبط الحدود.
الملفات الخلافية التي تمتد جذورها لعقود، جعلت العلاقات السودانية المصرية في توتر مستمر بالرغم ما تظهره اللقاءات الدبلوماسية من حميمية.
الاتهامات بين الطرفين لم تتوقف خلال الفترات الأخيرة، كان أبرزها اتهام الجانب السوداني الوفد المصري في مجلس الأمن، من دعم استمرار العقوبات على السودان، بعد أن طالبتها الخرطوم بتفسير موقفها.
ونفت القاهرة في وقت لاحق قائلة إن «مصر كانت من أكثر الدول التي قامت بدور فعال في اعتماد قرار متوازن يحافظ على المصالح العليا للشعب السوداني الشقيق».