تشير التحركات الأخيرة للسعودية والإمارات إلى أن الدولتين تبحثان عن سبل للحد من التوترات مع إيران، التي تتخللها صراعات متعددة تعصف بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ويرى «جيمس دورسي»، الباحث المتخصص في شؤون السياسات الدولية، أنّ الدولتين سعتا إلى التقارب مع إيران؛ حتى من قبل اندلاع الأزمة القطرية.
وقال جيمس في مقاله على «لوب لوج فورين بوليسي» إنّ هذه التحركات، بما في ذلك التقارب مع العراق ومقتدى الصدر القيادي الشيعي، إضافة إلى محاكمة رجل دين سعودي بتهمة خطاب الكراهية، وتسريب رسائل البريد الإلكتروني؛ تدل على رغبة محتملة في التعامل مع إيران بشكل بنّاء، لكنه تساءل عن مدى جدية هذا التقارب.
وما يزيد من تعقيد الأمور هو غموض هوية قائد المبادرة: ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أم نظيره الإماراتي ولي العهد محمد بن زايد.
وأضاف أنّ دولة الإمارات، وإن كانت أصغر بكثير من حيث الحجم والسكان من المملكة العربية السعودية، كانت، إن لم تكن، قائدة الأحداث الأخيرة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا؛ بما في ذلك المقاطعة الدبلوماسية والاقتصادية «القاتلة» التي استمرت شهرين ضد قطر، إضافة إلى التطورات في الحرب في اليمن.
وساهمت رسائل البريد الإلكتروني المسربة من حساب السفير الإماراتي «يوسف العتيبة» مع ثلاثة مسؤولين أميركيين «مارتن إنديك، الذي خدم في إدارتي كلينتون وأوباما، وستيفن هادلي مستشار بوش السابق، وإليوت أبرامز الذي خدم في فترتي بوش وريجان»، في أن تعمل الإمارات على تحقيق أهدافها الإقليمية عبر السعودية.
وفي رسالة بالبريد الإلكتروني مع «إليوت أبرامز»، لم يعترض «العتيبة» حين كتب «إبرامز» له قائلًا: «الهيمنة الجديدة، الإمبريالية الإماراتية، حسنًا إذا لم تفعل الولايات المتحدة ذلك فإن أحدًا عليه أن يمسك بالأمور مدة من الوقت»، ورد «العتيبة» بالقول: «كنا على قدر التحدي. بكل صدق لم يكن هناك كثير من الاختيارات، ونحن صعدنا فقط بعد أن اختار بلدك (يقصد الولايات المتحدة) التنحي».
وقال «العتيبة» في حديثه عن علاقة الإمارات مع المملكة العربية السعودية والأمير محمد بن سلمان: «أعتقد أننا على المدى الطويل قد يكون لنا تأثير جيد على المملكة العربية السعودية، على الأقل على بعض الناس هناك. وتستند علاقتنا معهم إلى العمق الاستراتيجي والمصالح المشتركة، والأهم من ذلك هو الأمل في أن نتمكن من التأثير عليها. ليس العكس».
في تبادله مع «إنديك» وكذلك «إغناتيوس»، كان «العتيبة» يروّج للأمير السعودي في واشنطن على مدار العامين الماضيين، واتضح بما لا يدع مجالًا للشك بأن دعم الإمارات للملك المستقبلي يأتي تأكيدًا بأنه سيعتمد سياسات تدعو إليها دولة الإمارات العربية المتحدة.
وقال «العتيبة» في رسالة: «أعتقد أن محمد بن سلمان يعد أكثر واقعية بكثير مما نسمعه بشأن المواقف العامة السعودية»، و«لا أعتقد أبدًا أننا سوف نرى زعيمًا أكثر براجماتية في ذلك البلد، وأن سبب مشاركتهم هو أمر في غاية الأهمية، وسيسفر عن معظم النتائج التي يمكن الخروج بها من السعودية». وكتب أيضًا إلى «إغناطيوس»: «يعجبني أنك بدأت ترى ما كنا نراه في العامين الماضيين، يعجبني التغيير في الموقف، والتغيير في الأسلوب، والتغيير في النهج بشكل عام».
ويرى «جيمس» أنّ المراسلات أعطت مصداقية للاقتراحات التي تقول إن السعودية والإمارات قد تسعيان إلى خفض التوترات مع إيران، التي بدأت حتى من قبل اندلاع الزمة القطرية.
ووصف «إنديك» اجتماعًا مع الأمير محمد السعودي في رسالة بالبريد الإلكتروني إلى «العتيبة» بتاريخ 20 أبريل، قال فيها إنّ «الأمير كان واضحًا تمامًا مع ستيف هادلي ومعي في أنه يريد الخروج من اليمن، وأنه ليس لديه مانع في أن تتواصل الولايات المتحدة مباشرة مع إيران ما دام ذلك يجري بتنسيق وأهداف واضحة».
ويضيف «جيمس» أنه للوهلة الأولى يبدو موقف الأمير «محمد»، الذي أعرب عنه قبل زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للمملكة في مايو وقبل أزمة الخليج، اشتبك مع جهود «ترامب» لإيجاد سبب لرفض التصديق على التزام إيران بالاتفاق النووي الذي أدى إلى رفع العقوبات الدولية المفروضة على الجمهورية الإسلامية. وبموجب الاتفاق، يجب على ترامب أن يمتثل أمام الكونجرس الأميركي كل ثلاثة أشهر؛ ليشهد على التزام إيران بالاتفاق، ومن المقرر أن يفعل ذلك في أكتوبر.
ويلفت الكاتب إلى أنّ «الشيطان يكمن في التفاصيل»، مشيرًا إلى العبارة الرئيسة في تصريحات الأمير محمد «الأهداف واضحة». ولم توضح رسائل البريد الإلكتروني ما التقى به الأمير. بينما طالب مسؤولون سعوديون كبار مرارًا بأن توقف إيران تدخلها في سوريا والعراق، إضافة إلى وقف دعمها لمليشيات مثل حزب الله اللبناني والمتمردين الحوثيين في اليمن.
وأوضح أن وصف «إنديك» لتأييد الأمير محمد للمشاركة الأميركية مع إيران يتناقض مع تصريحات مسؤول سعودي للتلفزيون السعودي في مايو الماضي عن تنافس بلاده مع إيران من الناحية الطائفية، كما أكد الأمير «محمد» في الاجتماع أنه لا يمكن أن يكون هناك حوار مع إيران؛ لأنها تروج لعقيدة شيعية.
وأضاف الكاتب أنّ قناة «الغدير»، وهي فضائية شيعية عراقية تبث من مدينة النجف، قالت في وقت سابق من هذا الشهر إنّ المملكة طلبت من رئيس الوزراء العراقي «حيدر العبادي» التوسط بين إيران والمملكة. ونقلت القناة أيضًا عن وزير الداخلية العراقي «قاسم العراجي» قوله إن إيران استجابت بشكل إيجابي، وهو التقرير الذي نفته وكالة الأنباء السعودية الرسمية، مؤكدة موقف المملكة الثابت بأنه لا يمكن أن يكون هناك تقارب مع إيران التي تنشر الإرهاب والتطرف، بحسب زعمهم.
ومع وجود تنظيم الدولة في العراق، وجدت السعودية فرصة الوصول إليها في محاولة لمكافحة النفوذ الإيراني، وإعطاء العبادي والأقلية السنية الثقة بأنّ لديهم مكانًا في العراق الجديدة، وظهرت التصريحات السعودية أيضًا بهدف تعزيز القوى الشيعية التي تسعى إلى الحد من نفوذ إيران، كما هدفت أيضًا إلى استغلال حقيقة أن عددًا متزايدًا من السياسيين والشخصيات الدينية الشيعية في العراق يبتعدون عن إيران، ويمكن أن يبرزوا من الانتخابات المقرر إجراؤها في العام المقبل.
كما أنّ التحركات السعودية، التي تشمل أيضًا إنشاء مجلس تجاري مشترك وفتح معبر حدودي أغلق منذ 27 عامًا، يمكن أن تكون نعمة أو لعنة للعراق. ويمكن أنّ تحول العراق إلى منطقة تجد فيها السعودية وإيران سببًا للإقامة أو يمكن أن تؤدي إلى تفاقم الوضع مع التنافس بين القوى في الشرق الأوسط على نحو أكثر قوة في السياسة العراقية. بحسب «جيمس».
وتوقّع «جمال جعفر الإبراهيمي»، المعروف باسم «أبو مهدي المهندس»، وهو قائد شيعي شبه عسكري وأحد أقرب حلفاء العراق، مؤخرًا أن إيران تعتزم الوقوف على أرضها في العراق. محذرًا من أن المليشيات الشيعية المدعومة من إيران لن تختفي بمجرد انتهاء المعركة ضد تنظيم الدولة، حتى لو أمرتها الحكومة بحلها.
وفي خطوة أخرى قد تقطع الطريقتين، طلبت السعودية من العراق السماح بفتح قنصلية في النجف، لافتًا إلى أنّ هذا الطلب وزيارة مقتدى الصدر للسعودية والإمارات لإجراء محادثات مع الدولتين، توضح أن الرغبة تتعدى إقامة علاقة مع الشيعة العراقيين إلى لعب دور في السياسة الشيعية هناك.
وقال إنّ المملكة العربية السعودية ستفتح قنصليتها في الوقت الذي يقف فيه «السيد علي حسيني السيستاني»، أحد أبرز قادة النجف، وقادة الإسلام الشيعي ومؤيد لدولة عراقية بدلًا من دولة دينية كنظيره في الجمهورية الإسلامية المرشد الأعلى «آية الله علي خامنئي»، وتتنافس النجف ومدينة قم الإيرانية كاكبر مدينتين للشيعة في العالم.
ويضيف الكاتب أنّ «مقتدى الصدر»، الذي كان ناقدًا طويلًا لخط السعودية المتشدد تجاه الأقلية الشيعية، سعى إلى مواجهة صعود الطائفية وانتقد المليشيات التي ترعاها إيران وتقاتل تنظيم الدولة جنبًا إلى جنب مع الجيش العراقي، إضافة إلى دعم إيران الرئيس السوري بشار الأسد.
وركزت محادثات «مقتدى» في السعودية والإمارات على العراق وإيران واليمن وسوريا بدلًا من محنة الشيعة السعوديين التي تحققت من صحتها، بل وتزامنت زيارته أيضًا مع حملة قاسية استمرت ثلاثة أشهر على متمردين شيعة في بلدة «العوامية» شرق المملكة، وتدمير حي مساوره الذي يبلغ من العمر 400 عام، وهو بؤرة احتجاج ضد الحكومة. كما تزامنت مع خطط السعودية لتنفيذ الإعدام بحق 14 شيعيًا متهمًا بمهاجمة قوات الأمن في عامي 2011 و2012.
وأكّد الكاتب أيضًا أنّ السعودية أرادت إرسال رسالة للشيعة بإحالة الداعية المعروف «علي الربيعي» إلى المحاكمة لتحريمه الدعاء للفنان «عبدالحسين عبدالرضا»، ووصفه بأنه من الروافض، ورأى «جيمس» أنّ هذه إشارة إلى ما تطمح السعودية أن تقيمه مع إيران.
وختم «جيمس» مقاله بأنه وسط ضباب التحركات المتناقضة، يبرز العراق ساحة مقبلة للتنافس السعودي الإيراني، الذي أدى إلى تعقيد، إن لم يكن تفاقم الصراعات المتعددة في الشرق الأوسط. مضيفًا أنّ العراق يمكن أن يصبح ساحة لمعارك أخرى طائفية تريق الدماء، التي يبدو أنها لا نهاية لها في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.