اُقتُلع الفلسطينيون من مساكنهم وأحبائهم وتراثهم المشترك، وتبنوا الصمود مبدأ لنضالهم من أجل العدالة. ومنذ أكثر من 69 عامًا لوجود الكيان الصهيوني، تعرّضت الهوية الفلسطينية إلى الانقسام والإساءة المنهجيين، وقدرتها على التحمل هي شهادة على الطابع الذي لا ينفصم عن الروح الجماعية للفلسطينيين.
ومع ذلك، فإن أفراد الشتات (الفلسطينيون في الخارج) لا غنى عنهم لتقرير المصير الفلسطيني ومقاومة القمع الإسرائيلي، وهم يعملون وسطاء حاسمين بين الفلسطينيين داخل «إسرائيل» والأراضي الفلسطينية المحتلة والعالم الخارجي، والضغط من أجل الدعم ومقاومة السياسات التمييزية من مواقعهم، والانخراط بنشاط في المعركة الإعلامية لإعداد تقارير دقيقة في مواجهة الدعاية الصهيونية، إضافة إلى تسهيل الحملات، مثل تلك التي تقودها حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات والعقوبات «بي دي إس».
وفي مقابلة مع اثنين من فلسطيني الشتات: «رمزي بارود» صحفي ومؤلف، «ريما نجار» أستاذة الأدب الإنجليزي؛ كتب «رمزي» عن الشرق الأوسط لأكثر من 20 عامًا، وصدرت له كتب عن فلسطين، وكتبت «ريما» مقالات موسعة عن العودة إلى العمل في فلسطين، بعد النفي من الضفة الغربية وعيشتها في الولايات المتحدة.
في هذه المقابلة، يناقش «رمزي وريما» الهوية الفلسطينية والمجتمع والجذور والمقاومة.
- رمزي، أنت فلسطيني أميركي ومسلم من قطاع غزة. يرجى وصف تاريخك السياسي والمساعي الحالية.
نادرًا ما أُعرّف نفسي على أساس ديني، التصنيف على أساس الهوية الدينية يجعلني متعصبًا؛ وهو ما يعني أنّه إذا كنت لا تنتمي إلى دين مجموعة محددة فأنت لست منهم.
ولدت في عائلة لاجئة في قطاع غزة. وصلت عائلتي إلى هناك بعد حرب 1948 وحوادث التطهير العرقي لمعظم الفلسطينيين من وطنهم التاريخي. اللاجئون أكثر من بشر يعيشون في خيام دون جنسية، إنهم يعانون من ندوب عاطفية شديدة؛ فهم لا يذهبون إلى ديارهم ويظلون يشكون إلى الأبد. أنا لدي منزل، لكنني لا أستطيع الوصول إليه، ولا يوجد منزل بديل كاف. صدقوني، حاولت.
«أنا من هناك، أنا من هنا، ولست هناك ولست هنا، لي اسمان يلتقيان ويفترقان، ولي لغتان نسيت بأيهما كنت أحلم» الكاتب الفلسطيني محمود درويش.
وبين «هناك» و«هنا»، يكمن الضياع والشعور بالتناقض.
تركّزت دراساتي الأكاديمية ومؤلفاتي ومقالات لي على تاريخ الناس العاديين. كرّست سنوات من حياتي لنقل قصصهم، وكيف تُشكّل الحركات الشعبية الجماعية التاريخ بدلًا من كونها عوامل متقلبة نتيجة الأحداث التاريخية. كتابي التالي يحمل عنوان: قصة الشعب الفلسطيني. وفي الآونة الأخيرة، أنهيت مشروعًا رقميًا لشبكة الجزيرة الإنجليزية، وهي أولى محاولة رقمية لتوفير تاريخ شعب فلسطين.
طفولتي كانت صعبة، ولكني أقف دائمًا عند الذكريات السعيدة؛ مثل حب والدي، البحر، لعب كرة القدم مع أصدقائي في مخيم اللاجئين. نشأتُ في منزل تتناثر فيه الكتب القديمة من الشعر والأدب، مع قليل من الطعام ووجود نادر للمياه والكهرباء. كل ما أملكه كان لي ولإخوتي، وكل ما كانوا يملكونه كان لي أيضًا؛ لقد نشأت في مجتمع اشتراكي يمارس الاشتراكية دون أن يصف نفسه على هذا النحو.
كان والدي متمردًا. ولكن، في نهاية المطاف، كبر وأصبح وحيدًا في مخيم اللاجئين. معظم أصدقائه (الجنود القدامى الذين قاتلوا في ساحات القتال في غزة ولبنان والأردن) ماتوا، وكانت والدتي لطيفة ومليئة بالإيمان وتحب الجميع. توفيت وعمرها 42 عامًا، وفور وفاتها مباشرة كنا متيقنين أنها ماتت محظوظة؛ لأنها عانت كثيرا، على الرغم من بقاء ألم رحيلها حتى الآن.
- ريما. أنتِ أميركية فلسطينية، مسلمة من القدس (فلسطين). يرجى وصف تاريخك السياسي.
«ريما نجار» عملت في الضفة الغربية أولًا مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ثم عملت أستاذة للأدب الإنجليزي في جامعتين فلسطينيتين لمدة 11 عامًا.
طوال حياتي كلها فكّرت في نفسي كفلسطينية لمدة، والدي من من قرية ليفتا بالقدس، والدتي من إجزيم (حيفا).
أنا لا أعرف ما يعنيه أن تكون أردنيًا فلسطينيًا، أي كيف بدأت حياتي، ولا أفهم حقًا ما يعنيه أن تكون أميركيًا فلسطينيًا، كوضعي الحالي؛ ولكني أعرف في عظامي ماهية أن أكون فلسطينية. نعم، أنا «مسلمة النشأة»، وهو ما له علاقة كبرى بالفلسطينيين؛ لأن الثقافة العربية الإسلامية في كثير من النواحي لكل العرب الفلسطينيين، اليهود والمسيحيين والمسلمين، في حين أن الثقافة الغربية ثقافة «إسرائيل».
- رمزي، نشأتَ في قطاع غزة. كيف تطورت الهوية الفلسطينية فيه منذ عام 1948؟
عندما تأسست «إسرائيل» عام 48، ما تبقى من فلسطين كان تحت سيطرة الأردن ومصر. سيطر المصريون على غزة بإدارة عسكرية، وبسط الأردنيون سيطرتهم على القدس الشرقية والضفة الغربية كجزء من المملكة الأردنية في الضفة الشرقية لنهر الأردن. وأصاب الانقسام الهوية الفلسطينية لما يقرب من 20 عامًا.
وكثيرون من نخب الضفة الغربية وجدوا أنفسهم متذبذبين تجاه الملك الأردني، الأمر نفسه حدث مع الفلسطينيين في غزة التي تسيطر عليها مصر؛ ومع ذلك ظلت الهوية الفلسطينية موحدة على الرغم من الجغرافيا المتقلبة، وكان السكان معظمهم من اللاجئين. ما أبقاهم جميعًا هو أنهم كانوا يطمحون إلى هدف واحد: العودة إلى فلسطين، والتمسك بالمقاومة المسلحة وسيلة لتحقيق ذلك.
وأوضح عالم النفس والمقاتل «فرانز فانون» للفرنسيين معنى المقاومة الجزائرية المسلحة ضد الاستعمار الفرنسي، وما إذا كانت استراتيجية عقلانية أم لا، ورأى أنّ العنف وسيلة لقيام أمة بالتمرد ضد إضعافها وتدهورها، بصرف النظر عن النتائج الملموسة. وعبر توحيد فكرة المقاومة، ظل الفلسطينيون متحدين كدولة. صحيح أنهم كانوا فقراء وعديمي الجنسية ومجزّئين جغرافيًا؛ لكنهم ما زالوا يعتمدون بطريقة ما هوية قوية وشعور بالنفس والوطن.
لكن الوضع الحالي مختلف. وبالرغم من أنّ غزة نفسها لا تزال قوية في هويتها، تقاوم على الرغم من الحصار والحروب المتعاقبة؛ فالعلاقة بين غزة والضفة الغربية تضعف بشكل ملحوظ. فالسلطة الفلسطينية في رام الله لا تعتبر المقاومة اختيارًا قابلًا للتطبيق، ولا تقدم شيئًا في المقابل، وتعمل على خنق أي معارضة وتدعم الجيش الإسرائيلي عبر «التنسيق الأمني» للقبض على المقاومين؛ وإذا لزم الأمر قتلهم، والعلاقة بينها وبين الشعب غير صحية.
ومنذ التوقيع على «اتفاقات أوسلو» في عام 1993، تمكنت السلطة الفلسطينية من خلق الوهم بالسيطرة الفلسطينية على المراكز السكانية، ويحكمها مسؤولون محليون فاسدون.
لكن الفلسطينيين في الضفة الغربية متيقنون أنّ عليهم الاستمرار في المقاومة لتغيير الوضع الراهن. وهذا التمرد سيؤدي مرة أخرى إلى إصلاح العلاقة المقطوعة بين غزة والضفة الغربية كما كان الحال في الانتفاضة الأولى في عام 1987.
* ريما، كانت القدس تاريخيًا مركزًا للحياة الثقافية والسياسية الفلسطينية، وهي موطن المسجد الأقصى؛ وبالتالي محور العالم الإسلامي بأسره. يُرجى وصف تحديات وصعوبات يواجهها الفلسطينيون اليوم.
القدس هي الموطن الروحي لليهود، كما هو الحال للمسيحيين والمسلمين. وبالإصرار على وضع القدس في قلب السياسة اليهودية، تدفع «إسرائيل» بالعرب الفلسطينيين خارجها، وتدعي أنها حق لليهود في جميع أنحاء العالم.
اليوم، يوجد في «إسرائيل» 220 ألف مستوطن يهودي غير شرعي يقيمون على أراضٍ صودرت من 300 ألف فلسطيني، وهم الآن بلا أرض. كما تضم 50 ألف فلسطيني مشردًا، و685 منزلًا فلسطينيًا هدمت بشكل غير قانوني؛ ما أدى إلى تشريد 2500 فلسطيني عربي.
إن الاحتلال الإسرائيلي شرّع نفسه بقوانينه الخاصة، لكنه لن يضفي أبدًا صفة الشرعية الدولية على وجوده في ظل انتهاكه القانون الإنساني الدولي.
وضع المقدسيين الفلسطينيين في مسقط رأسهم فريد من نوعه في العالم أجمع: إنهم يعيشون في خوف دائم من قدرة السلطات الإسرائيلية على إلغاء تصاريح إقامتهم، ويجب تجديد هذه التصاريح مرة كل سنتين، ويمكن إلغاؤها إذا مُنح حامل الجنسية جنسية بلد آخر.
وكونهم «مقيمين دائمين» يتوقف على كونهم موالين للدولة التي تحتل مدينتهم وضمتها بشكل غير قانوني، ويتعين على الفلسطينيين أن يثبتوا أن «مركز حياتهم» موجود في القدس وأن يتجنبوا الخروج من المدينة لفترات طويلة من الزمن -على سبيل المثال- للعمل أو الدراسة في الخارج. ويعتبرون عديمي الجنسية بموجب القانون الدولي (على الرغم من أن معظمهم يحق لهم الحصول على جواز سفر أردني).
هناك أوضاع أخرى يناضل فلسطينيو القدس معها: فبينما هم في حالة من الغموض المستمر بخصوص وضع إقامتهم، عليهم أن يواجهوا مصاعب جدار الفصل العنصري الإسرائيلي الذي أدى إلى تفتيت عديد من الأسر وقطع الفلسطينيين المقدسيين عن الضفة الغربية. كما أن النضال اليومي القاسي، المتمثل في التنقل عبر حاجز «قلنديا-عنق الزجاجة» من أجل الوصول إلى العمل على الجانب الآخر، هو جانب آخر من معاناتهم.
مقاومة عرب القدس الفلسطينيين للتعديات اليهودية على حرم المسجد الأقصى فخرٌ للأمة الإسلامية في جميع أنحاء العالم؛ ولكنهم أكثر فخرًا لكل فلسطيني عربي.
- ريما، كيف يمكن للمرء أن يتعلم عن الحياة والهوية الفلسطينية في القدس قبل عام 1948؟
كتب فلسطينيون عن الحياة والثقافة في القدس وفي أماكن أخرى في فلسطين قبل ظهور المستعمرين الصهاينة، ولا سيما في اليوميات والمذكرات الخاصة بالشخصيات السياسية، وواحدة من أكثر السجلات قيمة للحياة الحضرية الفلسطينية في العقد الأول من القرن العشرين؛ مثل مذكرات واصف جوهرية (1904-1948) التي نشرت مؤخرًا مترجمة إلى اللغة الإنجليزية.
ويجسد الجوهرية الحياة في القدس كمكان واحد بجسد متماسك ومظاهر الحياة الاجتماعية كاحتفالات الشوراع والمناسبات المشتركة والدينية والاجتماعية، وغيرها من الكتب كـ«قبل الشتات» لوليد الخالدي، وكتب سليم تماري عن تلك الفترة.
ونشرت عمتي «عايدة النجار» مؤخرًا كتابين باللغة العربية: أحدهما عن الحياة الثقافية والاجتماعية في القدس في القرن الماضي، وآخر عن قرية ليفتا التي كانت أسرتنا فيها وأُخلينا منها.
* ريما، يعتمد الحفاظ على الهوية إلى حد كبير على التعليم. ماذا يتعلم الأطفال في القدس؟ وما التحديات التي يواجهونها بخصوص هوياتهم؟
أصبح الحفاظ على الهوية والثقافة الفلسطينية في القدس كابوسًا للوالدين، خاصة فيما يتعلق باختيارهم للمدارس والمناهج الدراسية. هذه القضية بالذات، مثلها مثل القضايا الأخرى، اتبعت النمط نفسه الذي بدأ يتطور في وقت النكبة.
بعد احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة، كانت المدارس تدار حتى ذلك الحين من الأردن ومصر على التوالي، وقبل مجيء السلطة الفلسطينية في عام 1993 عرقل الحاكم العسكري الإسرائيلي بشكل منهجي التعليم الفلسطيني. وتستمر هذه العقبة حتى يومنا هذا. ويعتمد نظام التعليم في القدس الشرقية اعتمادًا كبيرًا على المدارس الخاصة المكلفة وغير الكافية.
وهناك عدد متزايد من هذه المدارس؛ بسبب الحوافز المالية التي تقدمها الحكومة الإسرائيلية، وهي مدارس تختار المناهج الدراسية الإسرائيلية بدلًا من المناهج التي تدرس في المدارس الحكومية.
ونتيجة لذلك؛ يدرس الأطفال الفلسطينيون منهجًا يستخدم المصطلحات الصهيونية (على سبيل المثال: مصطلح جبل الهيكل) وينكر تراثهم، ويصر على أن اليهود في جميع أنحاء العالم وليس العرب الفلسطينيون ورثة لهذا التراث.
ومع ذلك، يرسل آباء أطفالهم بألم إلى هذه المدارس؛ لأن المنهج التعليمي معترف به من «إسرائيل» ويمكنهم أن يلحقوا أطفالهم بالجامعات الإسرائيلية، مع وعدهم بتوفير فرص عمل جيدة. وفي الوقت نفسه، نقّحت «إسرائيل» الكتب المدرسية للسلطة الفلسطينية التي يستخدمها قرابة 32 ألف طفل، وحذفت أجزاء كبرى من النص، بما في ذلك نصوص من القرآن، ومعلومات عن السيرة الذاتية عن ياسر عرفات، فضلًا عن الصور؛ بما في ذلك العلم الفلسطيني.
ويعوض الفلسطينيون هذا عبر التعليم المنزلي وصلاتهم الفلسطينية على الجانب الآخر من الجدار- الصلات التي تتلاشى مع مرور كل عقد.
* ريما. هلا وصفتِ فلسطيني الشتات وتاريخهم ومكانهم اليوم؟
يقدر عدد اللاجئين الفلسطينيين المسجلين لدى وكالة الأمم المتحدة لإغاثة اللاجئين الفلسطينيين وتشغيلهم (الأونروا) بستة ملايين، في 58 مخيمًا للاجئين الفلسطينيين المعترف بها في الأردن ولبنان وسوريا (وكثير منهم الآن لاجئون داخل قطاع غزة والضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية) إضافة إلى المنتشرين عبر أنحاء العالم ويقع عليهم جوهر النضال الفلسطيني.
إن أكبر مساهمة لفلسطيني الشتات هي صمودهم. فطوال 70 عاما، من جيل إلى جيل، لم ننس هويتنا ولم نيأس.
وترفض «إسرائيل» الاعتراف بحق الفلسطينيين العرب، وحق العودة إلى ديارهم وأراضيهم، مع الإصرار على الاعتراف «بحق العودة» لليهود في جميع أنحاء العالم إلى فلسطين.
«إسرائيل» لديها الآن السيادة على كل فلسطين، ولا تزال تجرد العرب الفلسطينيين غير اليهود وتنقل أراضيهم وممتلكاتهم إلى أيدٍ يهودية باستمرار الاستعمار الاستيطاني.
وبشكل عام، فالفلسطينيون في الخارج ومخيمات اللاجئين من ذوي التعليم العالي، وعديدون منهم متعددو اللغات وتفوقوا في مختلف المجالات، ويستطيعون التكيف مع محيطهم الجديد بطرق لا يستطيع اللاجئون الذين لا يزالون عالقين في المخيمات القيام بها.
كان 80% من المجتمع الفلسطيني وقت النكبة مزارعين.
وتشمل بعض الأمثلة على مساهمات المغتربين الفلسطينيين برنامج نقل المعرفة باستقدام الكفاءات الفلسطينية المغتربة، التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وبدأ في بلدان عام 1977، ونُشّط كأداة متكاملة وذات أهمية حيوية للتنمية بعد إطلاقه في الأراضي الفلسطينية المحتلة في عام 1994. ويعتمد هذا البرنامج التطوعي على الرغبة القوية لدى المغتربين الفلسطينيين في المساهمة في فلسطين، والتصدي لهجرة الأدمغة من القدس وأماكن أخرى في الأراضي الفلسطينية، وفي الوقت نفسه يسهّل عودتنا المؤقتة.
ويقف فلسطينيو الشتات وراء المؤسسات الاستثمارية الكبرى في فلسطين، مثل الشركة العربية الفلسطينية للاستثمار أبيك، وباديكو القابضة، وشركة ريتش القابضة، وكذلك الجامعات الخاصة مثل الجامعة العربية الأميركية في جنين.
- رمزي، كيف تغيرت العلاقة بين «الشتات» والفلسطينيين في «إسرائيل» والأراضي الفلسطينية المحتلة على مر السنين؟
فلسطينيو الشتات كانوا ولا يزالون جزءًا لا يتجزأ من الجماعة الفلسطينية، ولكن هذا قد ضعف في الآونة الأخيرة.
فوقتما كانت منظمة التحرير الفلسطينية في موقعها الرئيس استمرت العلاقة لا لبس فيها بين الفلسطينيين في الشتات ونظرائهم في غزة وأماكن أخرى؛ إذ دفع العمال الفلسطينيون في الخليج جزءًا صغيرًا من رواتبهم الشهرية لدعم ميزانية منظمة التحرير الفلسطينية التي تعمل على المستوى الإقليمي وفي المجتمعات المحلية الفلسطينية.
لكن «أوسلو» فكّكت منظمة التحرير الفلسطينية بشكل أساسي؛ لتحل محلها السلطة الفلسطينية التي عادت إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة ووعدت ببناء دولة. وهو الوعد الذي لم يُنفذ، وأصبحت السلطة الفلسطينية في نهاية المطاف هي فقط الشرطة المحلية التي تحمي مصالح النخب وتحرس أمن «إسرائيل».
لم تعد منظمة التحرير الفلسطينية تملأ دورها التقليدي كجسر يربط بين الفلسطينيين في كل مكان. وهكذا، فإن الانقسامات القائمة في فلسطين المحتلة نفسها موجودة الآن على نطاق واسع، وتقسم الفلسطينيين في كل مكان. ولا توجد سلطة أخلاقية واحدة تمكنت من سد الفجوة القائمة اليوم؛ وأكثرهم تضررا من ذلك الفلسطينيون في مخيمات اللاجئين في لبنان وسوريا والأردن، نُسيوا وأصبحوا تقريبًا مُهملين.
- ريما، بصفتك ناشطة في الولايات المتحدة، ما هو دور المجتمع الأميركي الفلسطيني في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي؟
دور المجتمع الفلسطيني والفلسطيني الأميركي ذو شقين: الأول التأثير على الرأي العام الأميركي بشكل إيجابي، والآخر الضغط على الكونجرس.
ولا يقتصر هذا المسعى على التصدي لسرد «إسرائيل» الخاطئ عن فلسطين، الذي يتجذر بشدة في وسائل الإعلام والمؤسسات التعليمية؛ وإنما يتصدى أيضًا للإسلاموفوبيا التي تثيرها «إسرائيل» بحملات مختلفة تربط بين المقاومة الفلسطينية والأنشطة الإرهابية الإسلامية.
إضافة إلى ذلك، قبضة لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية (إيباك) على الكونجرس راسخة في النظام السياسي الأميركي؛ فغالبًا ما تستخدم تكتيكات غير مواتية.
وتشمل التكتيكات تجريم الدعوات الفلسطينية، عبر إعداد قوانين لذلك؛ بمعنى أن الاحتجاج على السياسات الإسرائيلية سيؤدي إلى عقوبات واسعة النطاق.
- رمزي، لننتقل إلى الشؤون العالمية التي تؤثر حتمًا على النضال الفلسطيني، كيف يؤثر التصاعد الأخير لليمينيين على النضال الفلسطيني؟ ما هو دور اليسار؟
اليمين ظاهرة تدميرية ذاتية، نشأت نتيجة للتلاعب الجماعي بغضب الناس واليأس من مشاكلهم الاقتصادية ومخاوفهم المستقبلية، وهم يعيشون الآن في بلد كان يقود العالم، وغضبهم يتصاعد لتراجع الهيمنة، وتستغل حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية صعود اليمين في الغرب لتحقيق مكاسب سياسية فورية، لا يمكن للمرء أن يحدد الاتجاهات المستقبلية لهذه الحركة؛ لأنها بحكم التعريف غير منظمة وغير عقلانية.
في حين أن اليسار تقليدي أكثر في التعاطف مع فلسطين، وهم يعتبرون حراسًا مؤيدين لفلسطين، وفلسطين أصبحت لبعضهم الآن على جدول فيه قائمة تطول من الصراعات والمتصارعين؛ وهم إما يفشلون في فهم مدى مركزية القضية الفلسطينية كنموذج للحرب والسلام، وإما معترفون بها جيدًا.
لكنّ اليسار في أميركا الجنوبية يفهم تمامًا معنى فلسطين في كفاحها ضد الإمبريالية القديمة والجديدة. وهم لا يرون فلسطين قائمة؛ لكن معركة مشتركة ضد الاستعمار.
- رمزي، ما هي الدول أو الحكومات التي تلهمك كناشط فلسطيني؟ ولماذا؟ وهل تجد دولًا عربية معينة تدعم الفلسطينيين بشكل أو بآخر؟
تلهمني الشعوب والأمم القادرة على اختيار أنفسهم وتجاوز آلامهم الجماعية. وأجد نفسي أتواضع بقوة أمام الفنزويليين في أزمتهم الحالية، وأشعر بفخر الكوبيين وهم يواجهون حصارًا قاسيًا ويزدهرون بالرغم من ذلك كمجتمع وأمة، وأيضًا مقاومة الجزائريين ضد الاستعمار الفرنسي ألهمتني وأذهلتني. وكذلك قتال الشعب الإيطالي في الحرب العالمية الثانية ضد الفاشية والنازية، إضافة إلى رفض الماليزيين الإذعان لإملاءات واشنطن في أزمة السوق الآسيوية في التسعينيات؛ كلها أمثلة عن المثابرة النادرة التي تلهمني.
وبخصوص العرب، أعتقد أن جميع الشعوب العربية موالية لفلسطين؛ على الرغم من أن حكوماتهم ليست مؤيدة لها، بل لأنفسها، ويسعون إلى الحفاظ على ذواتهم وامتيازاتهم على حساب الغالبية العظمى من شعوبهم. ولا شك في أن كفاح الشعب العربي من أجل الحرية جزء من الصراع نفسه الذي يمارسه الفلسطينيون.
ومع ذلك، أرى أن دعم فلسطين الحقيقي يأتي من بلدان ترتبط حقًا بالتجربة الفلسطينية التي تقاتل الاحتلال العسكري والاستعمار، أو البلدان الفقيرة التي تفهم تمامًا طبيعة المشقة التي يواجهها الفلسطينيون، أو كليهما. وأجد هذا التضامن في الجزائر والمغرب وموريتانيا واليمن والصومال والسودان.
أما مصر، وعلى الرغم من تلاعب وسائل الإعلام بخصوص القضية الفلسطينية وموالاتها للديكتاتورية العسكرية المناهضة للفلسطينيين من عبدالفتاح السيسي؛ فالعلاقة بين فلسطين ومصر قوية جدًا ولن تُكسر بسهولة. وقد امتدت دماء المصريين الثمينة على الأراضي الفلسطينية، وكافح رفاق فلسطينيون مع المصريين جنبًا إلى جنب.
* رمزي، مع إضراب السجناء الفلسطينيين، ماذا عن مستقبل النضال الفلسطيني؟
إضراب السجناء عن الطعام تذكير بأن الفلسطينيين واحد، وجمع الإضراب ملايين الفلسطينيين في جميع أنحاء العالم، وذكروهم أيضًا بأن الفلسطينيين لديهم قادة، ومعظم هؤلاء القادة في السجون. وفي حين أن حركة فتح، التي تسيطر على السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، تمر بصراع قاتل على السلطة؛ فهناك فرع آخر منها على قيد الحياة وعلى ما يرام في السجون الإسرائيلية، قادر على تعبئة الملايين وكتابة خطاب ثوري.
وهو بالتأكيد نموذج للمقاومة في المستقبل، إذا كان يستند بالطبع إلى سيادة المصلحة الجماعية على المصالح الفئوية، ومن لم يخدم القضية الفلسطينية بأي مبادرة فهو عدو للشعب، وأرى أن مستقبل القيادة الفلسطينية لم يكن في قاعات المؤتمرات، أو مكاتب السلطة الفلسطينية، أو المباني الحكومية؛ بل في السجون الإسرائيلية. إن هؤلاء السجناء الذين يبدون عاجزين سيحددون في نهاية المطاف مستقبل النضال الفلسطيني.